الثابت أن ليس كل من يطلق شعار محاربة الإرهاب الفكري قادرا على ذلك. فمن يحارب هذا النوع من الإرهاب يجب أن يستند على نظام سياسي نظيف وعادل.

خطوة العبادي قد تخدمه ليرفع عن كتفه ثقل الفشل والفساد لإثني عشر عاما من حكم حزب الدعوة، ولكي لا تصادر القيادات التقليدية للحزب مكاسبه في الانتصار على داعش ودعواته في الحرب على الفساد.

صحيح أن حالة الانكسار والتشرذم في المنطقة العربية تعكس بتأثيرها السلبي على الداخل اللبناني، لكن أهل لبنان قادرون على مقاومة جميع أشكال اختطاف بيروت من قبل الأغراب.

ما لا يمكن تصوره كيف يجوز لسياسي أو نصف سياسي جاهل بأبسط مقومات وواجبات شرف المسؤولية الشعبية أن يعود مرة أخرى لفرض نفسه على الجمهور المظلوم.

هذا التغيير تقف وراءه جهات من الإسلام السياسي بهدف كسب جماهيري وانتخابي في مجتمع مازال يعاني من كبت جنسي ويحمل ثقافة ذكورية تسعى لغلق منافذ الحقوق للمرأة ومساواتها إنسانيا مع الرجل.

العبادي أراد تحويل النصر العسكري إلى قاعدة سياسية تخدم حلمه بدورة جديدة، رغم جسامة هذه المهمة وتعقيداتها، وهو المحاط بدوائر ضغط حزبية ومذهبية هائلة ومتعددة الأطراف.

لا بد من أن يكون الدرس الكردي مناسبة لمراجعة جديدة للنظام السياسي القائم في العراق وإحداث تحول سياسي من الحكم الطائفي إلى الحكم المدني.

الدستور العراقي لم يعد مرجعية للحوار لأنه عقد بين الحليفين الكردي والشيعي، وقد انتهى يوم 25 سبتمبر. ولهذا لا بد من رسم عقد جديد لا يقتصر على الكتلتين الشيعية والكردية، وإنما يشمل مكونات العراق الرئيسية.

رغم خلو الساحة من شخصيات تملأ مكان الطالباني فإن ذلك لا يمنع من أن تبادر قيادة الاتحاد الوطني بإقامة تحالف سياسي كردي عربي تركماني عراقي يتحرك لإدارة الأزمة الحالية والوصول إلى فهم عراقي يتجاوز الوضع الطائفي الحالي.

لا بد أن تكون هذه الأزمة الوطنية فرصة لإعادة النظر الجذرية في مجمل العملية السياسية ومنهجها، ووضع الحلول الوطنية الاستثنائية لتعديلها سواء في دستورها أو قوانينها وإجراءاتها.

الاستفتاء لن يقود بصورة تلقائية إلى استقلال كردستان عن العراق، وسط رفض حكومي وسياسي وشعبي في العراق العربي، ورفض تركي وإيراني وتلويح بالضغوط الاقتصادية والعسكرية من هاتين الدولتين، إلى جانب التحذيرات الدولية.

ما يحصل في العراق هو نمو لليقظة الوطنية العراقية المتأصلة لدى الشيعة والسنة، وهي فرصة يمكن بلورتها نحو تجديد التشبث بالثوابت الصحيحة بأن العملية السياسية في العراق فشلت بعد خروج القيادة الكردية منها.

الأزمة حاليا في مرحلة خطيرة بحاجة إلى إرادة عراقية قوية وقيادة سياسية مركزية قادرة على إصدار قرار واضح يقول بعراقية كركوك.

نجاح السيناريو الأميركي في تقليص نفوذ إيران في العراق سيشكل انفراجا في الوضع السياسي، ويوفر الفرص للنخب الوطنية العراقية غير المرتهنة لإيران لتأخذ دورها في إدارة البلد، ويمنح العراق فرصة استعادة عافيته ومكانته في محيطه العربي.

الخطر الأكبر الذي يواجهه العراق هو مشروع التغيير الديموغرافي الذي تنفذه جهات إيرانية أو موالية لإيران، ويعبر عن طموحات إمبراطورية مرتبطة بولاية الفقيه.

نحن بحاجة إلى قيادة سياسية عراقية قوية ومتماسكة وذات إرادة عراقية تتمكن من التصدي للمشاكل الوطنية وفي مقدمتها المشكلة الكردية التي لا تحلها الاجتهادات الحزبية الخاصة.

الأحزاب الشيعية تمر بحالة استنفار يعبر عنها بطريقة الانشطارات مرة، ومرة أخرى بتصدير الأزمة إلى خارج تلك المنظومات وقد وضح ذلك في مخاوف المالكي من "مؤامرة" يقودها الأميركان تفضي إلى تأجيل الانتخابات وإقامة حكومة طوارئ.

الخطوات المتبادلة بين القيادة السعودية والقيادات الشيعية العراقية المعتدلة تنهي دور الوسطاء من بعض القيادات السنية التي اشتغلت على محنة طائفتها لمنافعها الشخصية.