ديناميكيات الأزمة الأوكرانية تقود إلى واقع جديد بين روسيا وإيران

موسكو تحاول الموازنة بين علاقتها مع طهران وانفتاحها على أبوظبي والرياض.
السبت 2022/01/29
أزمة أوكرانيا تلقي بتأثيراتها على السياسة الخارجية للكرملين

في كل أزمة هناك أطراف مستفيدة وأطراف خاسرة، مثلما هو الحال بالنسبة إلى الأزمة الأوكرانية التي لا تعرف بعد مآلاتها مع استمرار قرع طبول الحرب بين موسكو وكييف. ويرى محللون أن إيران من بين الأطراف التي يمكن أن تستفيد من أي انفجار، حيث أن الكرملين لن يجد حرجا في تعزيز الروابط مع طهران وكسر العقوبات الأميركية على هذا البلد في حال تدحرجت الأوضاع نحو الحرب مع أوكرانيا المدعومة من حلف غربي بقيادة واشنطن.

طهران - من المحتمل أن تصبح إيران أحد أبرز المستفيدين من الأزمة المتصاعدة بشأن أوكرانيا إذا عبرت القوات الروسية الحدود الأوكرانية وفشلت المحادثات في فيينا في إحياء الاتفاق النووي الإيراني الذي أبرِم في العام 2015، وانسحبت منه الولايات المتحدة في العام 2018.

فمن المرجح أن يؤدي فرض عقوبات أميركية وأوروبية صارمة ردا على أي توغل روسي في أوكرانيا إلى جعل روسيا أكثر ميلا لتجاهل تداعيات انتهاك العقوبات الأميركية في تعاملاتها مع إيران.

وعلى نفس المنوال، قد يدفع فشل المحادثات بين إيران والولايات المتحدة وروسيا والصين والاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا وبريطانيا في إحياء الاتفاقية التي حدت من البرنامج طهران النووي إلى المزيد من التقرب من روسيا والصين في سعيها لتعويض العقوبات الأميركية المعوقة.

وحذر مسؤولون أميركيون وأوروبيون من أن الوقت ينفد بشأن إمكانية إحياء الاتفاقية التي انسحبت منها الولايات المتحدة في عهد الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب.

وقال المسؤولون إن إيران أصبحت على بعد أسابيع من اكتساب الخبرة والقدرة على إنتاج وقود نووي كاف لصنع قنبلة بسرعة. وأشار المسؤولون إلى أن ذلك سيعني أنه سيتعين التفاوض على اتفاقية جديدة، وهو أمر ترفضه إيران.

ولا شك أن ذلك كان في أذهان القادة الروس والإيرانيين عندما التقوا الأسبوع الماضي خلال زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى موسكو. وكان هذا أول لقاء بين قادة روسيا وإيران منذ خمس سنوات.

ومن المؤكد أن الطريق إلى زيادة التجارة الروسية والتعاون في مجال الطاقة والمبيعات العسكرية سيُفتح مع العقوبات الأميركية القاسية التي فرضت مؤخرا ضد روسيا حتى لو بقيت القيود على إيران سارية.

طريق شائك

 بوتين يتعيّن عليه الموازنة بين العلاقات مع إيران وعلاقات بلاده بالمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
 بوتين يتعيّن عليه الموازنة بين العلاقات مع إيران وعلاقات بلاده بالمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة

لكن هذا لا يعني أن الطريق سيكون خاليا من العوائق. فلا يزال يتعين على بوتين أن يوازن العلاقات مع إيران ومع علاقات بلاده بالمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. فقد أصبح خلق التوازن الروسي، مثل الصيني، أكثر تعقيدا دون متغيرات أوكرانيا وفيينا، حيث وسع الحوثيون المدعومون من إيران نطاق حرب اليمن المستمرة منذ ثماني سنوات من خلال ضربات الطائرات دون طيار والصواريخ ضد أهداف في الإمارات العربية المتحدة.

فشل المحادثات بين إيران والولايات المتحدة وروسيا والصين والاتحاد الأوروبي قد يدفع إلى المزيد من التقرب من روسيا والصين في سعيها لتعويض العقوبات الأميركية 

واستهدف الحوثيون في هجوم غير مسبوق بصواريخ كروز وصواريخ باليستية وطائرات مسيرة الإمارات، بالتزامن مع بدء القوات البحرية الروسية والصينية والإيرانية تدريباتها المشتركة الثالثة منذ 2019 في شمال المحيط الهندي. ولم يكن الحدثان مرتبطين.

وقال العميد البحري الإيراني مصطفى تاجولديني على القناة الحكومية إن “الهدف من هذا التمرين يكمن في تعزيز الأمن وأسسه في المنطقة، وتوسيع التعاون متعدد الأطراف بين الدول الثلاث لدعم السلام العالمي والأمن البحري بشكل مشترك وخلق مجتمع بحري ذي مستقبل مشترك”.

وأقنع تردد الولايات المتحدة بشأن التزاماتها الأمنية في الخليج دول الخليج مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بالتحوط في رهاناتها وتنويع طبيعة علاقاتها مع القوى الخارجية الكبرى. ومع ذلك، فإن روسيا وربما الصين (التي لم تعد قلقة من أن تداعيات انتهاك العقوبات الأميركية ضد إيران) يمكن أن تبرزا للرياض وأبوظبي على أن الخصمين الأميركيين قد لا يكونان أكثر موثوقية أو التزاما بضمان الأمن في الخليج. حيث لم تبد أي من روسيا أو الصين اهتماما بتغطية فراغ القوات الأميركية حتى الآن.

ويترك هذا السعودية والإمارات أمام القليل من الخيارات الجيدة إذا شعرت روسيا أن العقوبات الأميركية لم تعد عقبة في تعاملاتها مع إيران. ويُعتقد أن روسيا تريد أن تنجح محادثات فيينا، لكنها أيدت المطالب الإيرانية بضمانات تقدمها الولايات المتحدة من بينها عدم التراجع عن اتفاق متجدد كما فعلت في العام 2018.

اتفاقية تجارة حرة

مناقشات إبراهيم رئيسي في موسكو أسفرت عن آفاق أعلى من الصفقات الملموسة في الوقت الحالي
مناقشات إبراهيم رئيسي في موسكو أسفرت عن آفاق أعلى من الصفقات الملموسة في الوقت الحالي

على خلفية الحديث عن اتفاقية تعاون مقترحة مدتها عشرون سنة بين البلدين، يبدو أن روسيا تريد التفاوض على اتفاقية تجارة حرة بين إيران والاتحاد الاقتصادي الأوراسي الذي يضم أرمينيا وبيلاروسيا وكازاخستان وقيرغيزستان أيضا.

ووقعت إيران اتفاقية تعاون مماثلة مدتها خمسة وعشرون عاما مع الصين تظل بيان نوايا في أحسن الأحوال بدلا من خطة عمل يتم تنفيذها.

ويبدو أن مسودة الاتفاقية مع موسكو كانت مبادرة إيرانية وليست روسية كما في حال الصين، لكنها ستثبت أن تبقى إيران أقل عزلة مما تريده الولايات المتحدة وأن تأثير العقوبات الأميركية يمكن تخفيفه.

وقال رئيسي في حديث عن حواره مع بوتين “لدينا وثيقة حول التعاون الاستراتيجي الثنائي، والتي قد تحدد علاقاتنا المستقبلية على مدى السنوات العشرين المقبلة”.

ديناميكيات الأزمة الأوكرانية واحتمالات فشل محادثات فيينا تعني أن اتفاقية تعاون روسية – إيرانية طويلة الأمد يمكن أن تتحقق بنسق أسرع من نظيرتها الصينية – الإيرانية

ويبدو أن مناقشات رئيسي في موسكو قد أسفرت عن آفاق أعلى من الصفقات الملموسة في الوقت الحالي. كما يبدو أن تكهنات وسائل الإعلام بأن روسيا ستكون مستعدة لبيع أسلحة لإيران تصل إلى 10 مليارات دولار، بما في ذلك مقاتلات سو 355 وأنظمة الدفاع الصاروخي إس 400، تبقى مجرد توقعات. ولن ترحب السعودية والإمارات ببيع مثل هذه الأسلحة لإيران.

وعلى نفس المنوال، تحدث مسؤولون إيرانيون، بمن فيهم وزير الاقتصاد إحسان خاندوزي ووزير النفط جواد أوجي، عن الاتفاقات الموقعة خلال زيارة موسكو والتي من شأنها إحياء خط ائتمان روسي بقيمة خمسة مليارات دولار كان قيد الإعداد منذ سنوات وإنتاج مشاريع طاقة غير محددة.

وقالت الباحث في الشؤون الدولية مارك إن كاتز “ليس من الواضح ما إذا كانت هذه مشاريع جديدة أو تلك التي تمت مناقشتها مسبقا بل والموافقة عليها، مثل المشروع الذي توقفت شركة لوك أويل عن العمل فيه في عام 2018 بعد انسحاب واشنطن.. كانت شركة لوك أويل قلقة بشأن استهدافها بالعقوبات الأميركية".

وقد تعني ديناميكيات الأزمة الأوكرانية واحتمالات فشل محادثات فيينا من الناحية النظرية أن اتفاقية تعاون روسية – إيرانية طويلة الأمد يمكن أن تتحقق بنسق أسرع من نظيرتها الصينية – الإيرانية. وقد يؤدي التفاوض مع روسيا التي تفرض عليها الولايات المتحدة وأوروبا عقوبات شديدة في أزمة متصاعدة في أوكرانيا إلى تمهيد الطريق لأن كلا الطرفين سيواجهان عوائق الإجراءات العقابية الغربية.

وأشار الباحث والمحلل السياسي الإيراني صادق زيباكلام، المقيم في طهران، إلى أن الوقت قد حان لكي يتقاعد النظام من شعار الثورة الإيرانية المُعتمد منذ ثلاثة وأربعين عاما “لا الشرق ولا الغرب”، والمحفور في لوحة بوزارة الخارجية. وتأكيدا على أن إيران لم تلتزم بالشعار منذ فترة طويلة، اقترح زيباكلام إزالة اللوحة وتخزينها في قبو إحدى الصحف المتشددة في طهران. وكتب على تويتر “لم تُستخدم لفترة طويلة ويجب إزالتها”.

7