دونالد ترامب يستعين بالذكاء الاصطناعي لمحاصرة المهاجرين

الباحثون يؤكدون أن أنظمة المراقبة لا تستهدف المهاجرين فقط، بل تشمل كافة السكان في الولايات المتحدة، بمن فيهم المواطنون الأميركيون.
الخميس 2025/04/24
شبكة مراقبة متنامية
ويليام أنتونيلي

نيويورك - تُكثّف الولايات المتحدة في عهد الرئيس دونالد ترامب استخدام تقنيات المراقبة والذكاء الاصطناعي لتعقّب المهاجرين واحتجازهم، ما يُثير مخاوف من أن يؤدي غياب الدقة والانتهاكات المحتملة للخصوصية إلى استهداف أبرياء بشكل غير مشروع ضمن هذه الحملات المتواصلة.

وفي إطار مكافحة الهجرة غير النظامية تستخدم وزارة الأمن الداخلي ووكالات الهجرة مجموعة من أدوات الذكاء الاصطناعي، من بينها أنظمة التعرف على الوجه، والكلاب الآلية التي تقوم بدوريات على طول الحدود الجنوبية لرصد التحركات البشرية.

وأكدت سارة حسين المحامية في مؤسسة “الحدود الإلكترونية” المعنية بالدفاع عن الحقوق الرقمية، أن العديد من تقنيات الذكاء الاصطناعي المعتمدة حاليا من قِبل موظفي الهجرة، موجودة منذ سنوات وتشكل إرثا من إدارات سابقة.

لكن هذه الأدوات، بحسب حسين، “شهدت توسعا في نطاق الأشخاص المستهدفين بها،” كما أصبح عدد أكبر من الجهات قادرا على الوصول إلى البيانات التي تجمعها.

وزارة الأمن الداخلي تستخدم أنظمة التعرف على الوجه والكلاب الآلية على طول الحدود الجنوبية لرصد نشاط المهاجرين

وتشمل شبكة المراقبة المتنامية أيضا خدمات تديرها شركات خاصة مثل “بابل ستريت” التي تقوم بتفتيش حسابات المهاجرين على وسائل التواصل الاجتماعي بهدف جمع معلومات شخصية.

وبعد جمع هذه المعلومات، تستخدمها وكالات مثل وزارة الأمن الداخلي وهيئة الجمارك وحماية الحدود الأميركية لتتبع أماكن وجود المهاجرين، ورسم خرائط لعائلاتهم، وتبرير إصدار مذكرات اعتقال أو قرارات ترحيل.

ومن أبرز الأمثلة على هذا التوسع، إطلاق برنامج “القبض والإلغاء” في مارس الماضي بإشراف وزير الخارجية ماركو روبيو.

وذكر موقع “أكسيوس” الإخباري أن البرنامج يعتمد على الذكاء الاصطناعي لمراقبة التصريحات العامة للرعايا الأجانب، مع التركيز على حاملي تأشيرات الطلاب، لرصد من “يبدو أنهم يدعمون حركة حماس أو غيرها من الجماعات المصنّفة إرهابية”.

وقال روبيو إن الأفراد الذين يُرصدون عبر هذا النظام معرضون لإلغاء تأشيراتهم فورا، وقد تم بالفعل إلغاء تأشيرات أكثر من 300 أجنبي، بمن فيهم طلاب وزوار.

وأضاف روبيو خلال مؤتمر صحفي عُقد في 28 مارس “إذا قاموا بأنشطة تتعارض مع مصالحنا الوطنية أو سياستنا الخارجية، فسنلغي تأشيراتهم”.

وتُحذّر منظمات الحقوق الرقمية من أن أنظمة الذكاء الاصطناعي كثيرا ما تُنتج “هلوسات” – أي نتائج غير دقيقة تبدو واقعية – مما يجعل استخدامها في ملفات حساسة مثل إنفاذ قوانين الهجرة غير موثوق.

وصرّحت باروميتا شاه، المديرة التنفيذية لمنظمة “جاست فيوتشرز لو” المعنية بحقوق المهاجرين، أن الاعتقالات المستندة إلى نتائج هذه الأدوات “تُثير قلقا بالغا بشأن انتهاكات الحقوق المدنية”.

العديد من تقنيات الذكاء الاصطناعي المعتمدة حاليا من قِبل موظفي الهجرة، موجودة منذ سنوات وتشكل إرثا من إدارات سابقة

ومنذ تولي ترامب منصبه في يناير، أبلغت منظمات حقوقية عن وقوع عدة حوادث اعتمد فيها مسؤولو الهجرة على بيانات مغلوطة صادرة عن أنظمة الذكاء الاصطناعي.

ومن بين تلك الحالات اعتقال المواطن الأميركي جوناثان غيريرو من قِبل عملاء الهجرة في فيلادلفيا، واحتجاز المواطن الأميركي جينسي ماتشادو تحت تهديد السلاح أثناء توجهه إلى عمله في ولاية فرجينيا، وقد تم الإفراج عن كليهما لاحقا.

كما أثار أمر تنفيذي وقّعه ترامب في يناير احتمال إعادة العمل بتقنية “اختبار الحمض النووي السريع”، التي كانت تُستخدم للتحقق من الروابط الأسرية للمهاجرين قبل أن يتم التخلي عنها في عام 2023 بسبب مخاوف تتعلق بالخصوصية والدقة.

وقالت حسين إن “التقنيات تبدأ بالحدود، لكنها تتسلل تدريجيا إلى داخل البلاد، حتى دون إثبات فعاليتها”. وأضافت “لا يبدو أن الإدارة تهتم بالدقة بقدر ما تهتم بتحقيق نتائج دراماتيكية، مثل الإعلان عن عدد الأفراد الذين تم توقيفهم”.

واتفق المحلل التقني المستقل تيكندرا بارمار مع هذا الطرح، قائلا إن إدارة ترامب تُعطي الأولوية لتحقيق أهداف الترحيل. وأوضح أن “القصور الكامن في هذه التكنولوجيا يتيح للإدارة فرض سياسة ترحيل جماعي تحت غطاء الذكاء الاصطناعي”.

ولم ترد وزارة الأمن الداخلي ولا دائرة الهجرة والجمارك الأميركية على طلبات التعليق.

ويؤكد الباحثون أن أنظمة المراقبة لا تستهدف المهاجرين فقط، بل تشمل كافة السكان في الولايات المتحدة، بمن فيهم المواطنون الأميركيون.

وفي دراسة أجراها مركز القانون في جامعة جورج تاون عام 2021، تبيّن أن إدارة الهجرة والجمارك تملك إمكانية الوصول إلى بيانات رخص القيادة الخاصة بنحو 75 في المئة من البالغين الأميركيين، ويمكنها تحديد نفس النسبة تقريبا من خلال سجلاتهم في شركات المرافق العامة.

Thumbnail

وقالت إيميرالد تسي، الباحثة في مركز جورج تاون للخصوصية والتكنولوجيا “هذه الأدوات تُجمّع كمّا هائلا من نقاط البيانات لتكوين روابط يمكن أن تطال أفراد أسرتك، وجيرانك، وزملاء عملك، وكل جانب من جوانب حياتك تقريبا”.

ويشير الخبراء إلى أن هذه البيانات تُغذّى في خوارزميات تُستخدم للمساعدة في اتخاذ قرارات مثل احتجاز الأشخاص، أو الإفراج عنهم، أو فرض الرقابة الإلكترونية عليهم.

كما يتوسع نفوذ وكالات الهجرة. فقد شجع أمر تنفيذي آخر أصدره ترامب على تفعيل اتفاقيات 287 (ج)، التي تُتيح لوزارة الأمن الداخلي تفويض عناصر الشرطة المحلية للقيام بمهام ضباط الهجرة الفيدراليين.

ويمنح هذا الإجراء السلطات المحلية صلاحيات كاملة لاستخدام نفس أدوات الذكاء الاصطناعي التي تعتمدها إدارة الهجرة والجمارك، بالإضافة إلى البيانات الشخصية التي تم جمعها من خلالها.

وبالتالي، بات بإمكان الآلاف من الموظفين المحليين الوصول إلى هذه البيانات وملاحقة المهاجرين الذين يُشتبه بهم.

وقالت حسين “هذا هو التوسع الذي أراه. الفيدراليون لديهم تقنياتهم، والمحليون لديهم تقنياتهم، وسيكون هناك الكثير من تبادل البيانات والمعلومات التي تُجمع من خلال هذه الأدوات”.

16