دولة العراق والشام الإسلامية تعيث فسادا في سوريا بدعوى تحرير أرض المجد والعروبة

دمشق ـ في قمة الفوضى والصراع في سوريا ظهر تنظيم جهادي جديد، بدا أنه تابع لـ"القاعدة" في العراق، أعلن أمراءه أنه يسعى إلى بعث "الدولة الاسلامية في العراق والشام". "العرب" تسبر أغوار هذا التنظيم الحديث، الذي يقف مع كل الأطراف في سوريا وفي الوقت نفسه يحاربها، من أجل إقامة "الدولة الإسلامية" التي يتزعمها العراقي أبو بكر البغدادي والتي تمتدّ من الشمال حتى الشرق.
في وقت مبكر من صباح الثلاثاء التاسع من نيسان- أبريل 2013، نشر الشيخ أبو بكر الحسيني القرشي البغدادي، زعيم "دولة العراق الإسلامية"، وهي فرع من تنظيم "القاعدة"، رسالة صوتية أعلن فيها مدّ نطاق "دولة العراق الإسلامية" إلى بلاد الشام، مما يعني فعليا ضم الجماعة الثورية الجهادية السورية "جبهة النُصرة" إلى أحضان منظمته.
ونشأت "دولة العراق والشام الإسلامية" بعدما دمج فرعي القاعدة "جبهة النصرة لأهل الشام- سوريا، ودولة العراق الإسلامية- العراق" في جسم واسم واحد، وذلك لضرورة شرعية أسمى هي الانضمام إلى ما هو "على درجة أعلى من النمو والسمو" حسب التسجيل الذي بث على الإنترنت بصوت البغدادي. وذلك في أعقاب الرسالة المصورة التي نشرها زعيم القيادة المركزية لـ تنظيم القاعدة أيمن الظواهري يدعو فيها إلى توحيد الجهاد في سوريا. ولم يكن هذا من باب المصادفة بقدر ما يبرز الأهمية المستمرة للقيادة المركزية للقاعدة.
|
إعلان البغدادي أكد ما اعتقده كثيرون بالفعل وما ذكرته الولايات المتحدة في ديسمبر- كانون الأول في تسميتها لـ "جبهة النُصرة" كجماعة إرهابية. وتم دعم التنظيم من قبل عدد من المجموعات الجهادية بما فيها من سبقتها مثل "مجلس شورى المجاهدين في العراق" و"تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين" و"جند الصحابة" و"التوحيد والسنة" و"جيش الطائفة المنصورة" وعدد من الجماعات.
أرض الرباط والجهاد
ويبين ذلك أن "جبهة النصرة" تأسست في أواخر تموز-يوليو2011 وهو إطار زمني دعمته مقابلات أجريت مع مقاتلين آخرين ينتمون إلى "الجبهة" كانوا قد أجروا حوارات مع وسائل إعلام غربية وعربية. ويتزامن التاريخ الذي ذكره أبو لقمان أيضا مع الفيديو الأول الذي نشره أيمن الظواهري المتعلق بالانتفاضة السورية، والذي تم بثه في 27 تموز- يوليو 2011.
بتاريخ 10 /4 /2013 أعلن أبو محمد الجولاني المسؤول العام في جبهة النصرة رفضه الانضمام إلى الدولة التي أعلن عنها البغدادي، ونفى أن يكون الأخير استشاره في قضية الدمج، ومجددا مبايعته لزعيم تنظيم القاعدة في أفغانستان أيمن الظواهري. استمرت "دولة العراق والشام الإسلامية" في العمل مستقلة جنبا إلى جنب مع "جبهة النصرة"، وغدت لها أماكن وجودها ونفوذها في مناطق ريف إدلب الشمالي، وريف حلب الشمالي، واللاذقية، وريف حمص. لتمثل الدولة الإسلامية مجموعة من الأهداف لإنشاء إمارة خاصة يرأسها البغدادي ومشروعها أيضا إقامة إمارات إسلامية لكل بلد من البلدان ومن ثم توحد هذه الإمارات نفسها تحت إمارة واحدة.
سلسلة من الهجمات
|
ومن ثم عمدت الجماعة إلى نشر قناصين في المدينة والاشتباك مع "أحفاد الرسول"، واستمرت الحالة على هذا النحو، حتى انسحبت ألوية "أحفاد الرسول" لتترك المنطقة تحت سيطرة "داعش"، كذلك الاشتباكات بين "داعش" ومسلحي "الجيش الحر"، في شرق سوريا بعد تفجير "داعش" سيارة في مركز تابع لـ"لواء الله اكبر" في منطقة البوكمال وأدى إلى مقتل شقيق قائد "اللواء"، والسيطرة على مستودعات سلاح للنصرة في دير الزور، إضافة إلى مواجهات مع لواء في الجيش الحر في بلدة حزانو في ريف إدلب في شمال غربي البلاد، وقضية المعتقلين بتهم التظاهر ضد الدولة أو التعاون مع الإئتلاف الوطني أو الدعوة إلى دولة مدنية، والذين بلغوا أكثر من 300 معتقل حسب بعض المصادر في الرقة وحدها. وفي مدينة الباب (35 كم شمال- شرق) حلب أكدت مصادر محلية أن "دولة الإسلام في العراق والشام" هدمت عددا من القبور التي تعود إلى "أولياء". وأشارت المصادر إلى أن "داعش" هدمت أكثر من 20 قبرا في المدينة وريفها يقع في داخل مساجد تلك المدينة والبلدات. كما فُقد الاتصال في مدينة الرقة مع "أبو سعد" أمير جبهة النصرة في المدينة، وأنباء عن اختطافه بالقرب من دير حافر، وحسب ناشط من الرقة فإن المتهم حاليا هو تنظيم دولة العراق والشام الإسلامية في الرقة.
واقتحم مقاتلو الدولة الإسلامية مدينة أعزاز على الحدود التركية، ما أدى إلى توتر مع (عاصفة الشمال) انتهى باتفاق برعاية ألوية من الجيش الحر. واتهم معارضون داعش بعدم الالتزام ببنود الاتفاق. وقال لواء عاصفة الشمال، إن داعش نقضت "العهد بيننا بشهود رعاة الاتفاق"، كما قال إنه أعلن "الحرب على كل من لم يتبرأ منهم، وخص بالذكر من يُدعون الأنصار ممن وصفهم بشبيحة أعزاز وخوارجها".
"خوارج هذا العصر"
كما قاموا في الوقت نفسه، بإنزال الصليب، من على كنيسة "الشهداء" للأرمن، بالقرب من حديقة الرشيد وسط المدينة، وذلك حسب مصادر إعلامية تابعة للمعارضة السورية. ولم تعلن "الدولة الإسلامية في العراق والشام" مسؤوليتها عن الاعتداء على الكنيستين في الرقة، ولم تجر العادة أن يتبن التنظيم الأفعال التي يقوم بها، لما يتمتع به قادته وعناصره من سرية.
فضلا عن العقلية الرافضة بالكلية لمبدأ الانتخاب أو البرلمان أو الدولة المدنية بمرجعية إسلامية. يُعزى الأمر كذلك إلى التنافس المتصاعد مع كتائب من الجيش الحر، والذي تجلّى في اتهام "الدولة" باغتيال كمال حمّامي "أبو بصير"، عضو المجلس القيادي الأعلى للجيش السوري الحر، لتتراكم عدة عوامل تدفع بشخصية من قلب التنظيمات المسلحة مثل "قائد لواء الإسلام" الشيخ زهران علوش إلى شن حملة قاسية ضد "داعش" عبر موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، واصفا مسلحي الجماعة بـ"خوارج هذا العصر".
استدعى ذلك ردات فعل من عدد من شيوخ ومنظري التيار السلفي الجهادي، الذين طالبوا بتطويق الموضوع سريعا، وعدم نشر الخلافات عبر وسائل الإعلام، وحل هذه الإشكاليات، حفاظا على وحدة الصف وتماسك "أهل السنة"، على حد وصفهم.
واعتبر هؤلاء أن ما حصل هو مجرد خطأ فردي أو حتى من مجموعة مخترقة تقوم بمثل هذه الأفعال لخلق بلبلة في صفوف "المجاهدين". لكن بالمقابل يرى "عبد الله . ق" ناشط سوري أنه "لابد أن نُقِر بأن جبهة النصرة ودولة العراق والشام وخصوصا الكتيبة الشيشانية تُعدان قوة ضاربة ضد نظام الأسد بالمعارك معه، وبأن تعامل (الدولة)- كما يسميها السوريون- مع النظام والشبيحة والحواجز التي تهجم عليها يكون شرسا جدا، وهذا ما أكسبها تعاطفا كبيرا لدى الأهالي والمدنيين والثوار.
الخلاف بين البغدادي والجولاني
لتتضارب الروايات حول حقيقة علاقة "داعش" بالشارع في مناطق سيطرة المعارضة، ففي وقت يعتبر البعض أنها صاحبة فضل كبير في السيطرة على مطار "منغ"، وفي معارك الساحل ودير الزور، يصفها آخرون بالجماعة "الديكتاتورية"، وحسب بعض المتابعين للحركات الجهادية، فإن الخلاف بين البغدادي والجولاني، ساهم في انبثاق مكونات جهادية أصبحت تعمل بشكل مستقل، في ظل تفضيل بعض المجاهدين البقاء في صفوف الجبهة، وانضمام آخرين إلى دولة العراق والشام، وخروج طرف ثالث أقدم على تشكيل كتائب خاصة به، رغبة منه في عدم الانحياز إلى الأطراف المتصارعة.
الأعمال التي تقوم بها دولة العراق والشام تركت علامات استفهام كبيرة عليها، تقول مصادر في المعارضة السورية، مشيرة "إلى أننا توصلنا إلى قناعة شبه مؤكدة، تفيد بأن "داعش" لا يهمها انتصار ثورة أو سقوط نظام بقدر اهتمامها بالسيطرة على منطقة جغرافية معينة، واخضاعها لسلطتها، فعدد العمليات الانتحارية التي نفذتها "داعش" في العراق وصل منذ نيسان -إبريل العام الحالي إلى نحو 1086 عملية، مقابل 186 عملية في سوريا، أي بنسبة 1 إلى 10 %، وهذا يقدم مؤشرات عن طبيعة وجودها وحجمه إلى حد ما".
وتلفت المصادر إلى "أن "داعش" أعلنت الحرب على عدد من أقوى الألوية العسكرية العاملة في صفوف الثورة، ما يجعل تصويب سهام الاتهامات عليها، ووضعها في خانة التحالف مع النظام السوري أمرا سهلا، فلمصلحة من الأفعال التي تقف خلفها الدولة في الرقة، وريفي حلب وإدلب".
وتضيف "لكن المعارك التي خاضتها الدولة ضد النظام، تجعل المرء في حيرة من أمره، يتريّث قبل توجيه الاتهامات، فهي ساهمت بشكل كبير في إسقاط مطار "منغ"، بعدما كاد مقاتلو المعارضة يفقدون الأمل في السيطرة عليه، نتيجة صمود حاميته أمام الحصار الذي ضربته الكتائب العسكرية حوله، كما أن دولة العراق والشام كان لها الفضل الأكبر في إطلاق معركة "أحفاد عائشة أم المسلمين" بمنطقة الساحل، والتي تركت خلفها ارتباكات كثيرة في صفوف الموالين للنظام".
المعارك التي خاضتها "داعش" ضد الجيش السوري، يقابلها على الطرف الآخر مجموعة من الأعمال قامت بها ضد مقاتلي المعارضة، وتكشف المصادر عن "أن أخطر أعمال "داعش" ظهرت أثناء معركة وقعت مع قوات النظام في إحدى البلدات، حيث قام مسؤولو الدولة بالتهجم على قياديي "لواء الإسلام" الذي يعتبر أحد أبرز الألوية العسكرية في سوريا، وينتشر في عدة مناطق، متخذا من ريف دمشق مقر انطلاق له، وقد أبلغ عناصر الدولة نظراءهم في اللواء بأن المعركة معهم اقتربت، وأن أمر التوجه نحو مناطق الغوطة (معقل اللواء)، قد اتخذ".
وفي تعليقها على الأعمال التي تقوم بها "داعش"، رأت المصادر "أن الدولة وبحكم تبعيتها لتنظيم القاعدة، تدرك بأن استمرارية وجودها تكمن في تفاقم الأعمال الفوضوية، حيث تسود الممارسات العشوائية وسط غياب القوانين، وبالتالي تقاتل "داعش" كل السوريين، دون النظر إلى انتمائهم إن كانوا يوالون المعارضة، أو يوالون النظام".
نسخة جزائرية معدلة
وكان أهم ما حققوه: قتل عقلاء قادة جبهة الإنقاذ ممن تبنوا العمل المسلح، وبلغ عددهم أكثر من 150 شخصية قيادية مؤثرة سياسيا وميدانيا، وفي مقدمتهم الشيخ محمد سعيد زعيم تيار الجزأرة في الجزائر (تنظيم إسلامي محلي) وكان يلقب بـ"شاطبي الجزائر"، وهو أكبر إنجاز لخطة الاختراق. ومع مقتلهم دخلت الجزائر عهدا دمويا لم تعرفه إلا في زمن الاستيطان الفرنسي، ويمكن القول إنه في فترة ذروة الاختراقات (ربما من 1996 إلى 1998) كان قرار متطرفي وتكفيريي الجماعات المسلحة بيد ضباط المخابرات.
أبو مصعب السوري معاون أبي جهاد الشيشاني القائد العسكري وأمير المنطقة الشمالية أوضح في حديث لصحيفة "العرب" أن سياسة تنظيم الدولة يعتمد على النظرة القريبة والنظرة البعيدة. فأما النظرة القريبة فهي جمع الشباب المؤمن الثائر وزيادة الجرعات العاطفية والروحانية والجهادية، ثم إرسالهم كاستشهاديين بواسل بعد تدريبهم تدريبا شاقا لمدة لا تقل عن الشهرين، مما يجعل الناس تُكبر قوتهم وشدتهم على النظام، كما تعمل الدولة على تأسيس هيئات شرعية مستقلة عن باقي الهيئات ورافضة الاندماج فيها. ويقر بأن الخروقات موجودة في جميع المجموعات.
الخوف من مثل هكذا اختراق دفع بــ "لؤي المقداد"، المنسق السياسي والإعلامي في الجيش السوري الحر إلى اتهام تنظيم "دولة العراق والشام الإسلامية" "باتباع أجندة مشبوهة تقوم على الحكم والسيطرة وليس على محاربة النظام". وأشار إلى "وجود عمل منسق ومبرمج من قبل هذا التنظيم وغيره من المجموعات التي تلتزم بالفكر الجهادي، لاستهداف مقاتلي المعارضة".
بالمحصّلة، فإنّ القلق من "داعش" و إعلان 13 من أهم الفصائل التبرؤ من "الائتلاف" وعدم تفويضها أية جهة من المعارضة في الخارج بتمثيلها، ليلجم اندفاعة "داعش" لابتلاع الكتائب ونزع سيطرتها عن مناطق الريف الحلبي، فقد أعاد تذكير الجميع بأن النظام يتربص بهم جميعا، فيما يبدو أن سعي تلك الفصائل، عدا "داعش" إلى تشكيل "جيش الإسلام" هو للردّ على "الائتلاف"، الذي دعا إلى تشكيل "جيش وطني"، وعلى "داعش" في الوقت نفسه، وهي التي باتت تستقطب المجاهدين العرب وقسما كبيرا من الشبان السوريين الذين اعتنقوا فكر تنظيم القاعدة.