"دولة الخلافة" تنهار في الشرق الأوسط وتمد جذورها في آسيا

هزيمة داعش في آخر معقل له في سوريا لا تعني القضاء نهائيا على فكره المتشدد.
السبت 2019/05/04
التشدد في عصر الرقمنة: نشر شخص واحد فكرة سيئة قد يقود إلى فعل مميت

يرى محللون أن “الخلافة” التي أعلنها تنظيم الدولة الإسلامية قد تكون انهارت في الشرق الأوسط، لكن آسيا توفر أرضا خصبة لعودة ظهورها، كما كشفت الهجمات الانتحارية التي وقعت في عيد الفصح في سريلانكا، التي تعد -بالإضافة إلى دول أخرى في المنطقة- بيئة ملائمة لإعادة زرع بذور التطرف.

كوالالمبور- يسجل مؤشر الإرهاب العالمي تراجعا واضحا للعمليات الإرهابية المنسوبة إلى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، في معاقله في الشرق الأوسط، وحتى على مستوى أوروبا، مقابل تصاعد حضوره في آسيا، حيث توجد الأرضية الخصبة لمد التنظيم بإكسير الحياة.

وتأتي الهجمات التي شهدتها سريلانكا يوم عيد الفصح كأحدث دليل على تواجد داعش في المنطقة الآسيوية التي تعتبر الأرضية المثالية لنمو هذا التنظيم وأمثاله. فهذه المنطقة تتوفر فيها عوامل الفقر والمشاكل العرقية واضطهاد الأقليات وانتشار أيديولوجيا التطرف وضعف الحوكمة، وأغلب بلدانها لها تاريخ طويل من المشاكل مع الجماعات الانفصالية أو المتمردة.

وسُلط الضوء على تواجد داعش في آسيا، منذ سنة 2017، بالتزامن مع الأحداث التي شهدتها مدينة ماراوي في الطرف الجنوبي للفلبين، حين استولى مسلحون أعلنوا ولاءهم لداعش، على ماراوي. وتطلب الأمر خمسة أشهر من المعارك التي خاضها الجيش ضد المتشددين لاستعادة السيطرة على المدينة في عملية قتل خلالها 900 مسلح بينهم أجانب وأمير التنظيم بشرق آسيا، ايسنيلون هابيلون.

وشهدت الفلبين إثر ذلك عدة عمليات منها الهجوم الذي استهدف كنيسة في يناير الماضي بجزيرة جولو جنوبي الفلبين أسفر عن مقتل 23 شخصا، لكن السلطات الفلبينية قللت من جسامة الأضرار وعزت الأمر إلى مشاكل محلية.

ويقول خبراء إن مثل هذه السياسات هي التي تدعم تمدد داعش، مشيرين إلى الجدل الذي أثير عقب اعتداءات سريلانكا حيث تقول الهند إنها حذّرت سريلانكا من احتمال وقوع هجمات انتحارية قبل أسابيع من اعتداءات عيد الفصح، على أساس تهديدات مرتبطة بتنظيم الدولة الإسلامية حصلت عليها من مشتبه بهم قيد التوقيف لديها. وبحسب الإعلام الهندي، فإن أول تحذير أرسلته الهند إلى كولومبو يعود إلى شهر ديسمبر الماضي.

ووجهت انتقادات لاذعة للأجهزة الأمنية على فشلها في التحرك بناء على تحذيرات من قبل شخصيات من المجتمع الإسلامي في البلد ومن قبل المخابرات الهندية قبل التفجيرات.

وذكرت تقارير أن قائد الشرطة في سريلانكا أصدر مذكرة تحذيرية في 11 أبريل لكنها لم ترفع إلى رئيس الوزراء ووزراء آخرين معنيين. بالإضافة إلى ذلك، تعاني الحكومة منذ أشهر من أزمة سياسية، يتواجه فيها الرئيس مايثريبالا سيريسينا مع رئيس الوزراء رانيل ويكريميسينغي.

وقال سكوت ستيوارت، الباحث في مركز ستراتفور الأميركي للاستخبارات الجيوسياسية، إن “مسؤولي الأمن المحليين تلقوا الكثير من التحذيرات (…) يجب أن تكون هناك محاسبة جدية حول كيف ولماذا لم يتم التصرف بناء على هذه المعلومات”.

الاتجاه شرقا

Thumbnail

هُزم تنظيم داعش في آخر جيب كان يسيطر عليه في سوريا أواخر مارس، لكن المحللين حذروا من أن الهزيمة لا تعني القضاء على فكره. وبعد أسابيع فقط أعلن مسؤوليته عن أحد أسوأ الاعتداءات التي تستهدف مدنيين في سريلانكا.

وقال منسّق الدبلوماسية الأميركية لمكافحة الإرهاب ناثان سيلز إن “تنظيم الدولة الإسلامية يتأقلم مع انتصاراتنا”. وأضاف “المعركة لم تنته على الإطلاق، إنها مجرد مرحلة جديدة”، فيما أكّد أنه “لا يمكن تقييم الوضع الحالي لتنظيم الدولة الإسلامية من دون فهم أنها حركة أيديولوجية عالمية وليست كيانا تنظيميا واحدا”.

وأسفرت التفجيرات المتزامنة على كنائس وفنادق فخمة في سريلانكا عن مقتل أكثر من 250 شخصا. وألقت الحكومة باللوم على جماعة إسلامية محلية غير معروفة تُسمى “جماعة التوحيد الوطنية”. ثم ظهر في وقت لاحق شريط فيديو تبنى فيه داعش العمليات.

مع دحر تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا، تبحث عدة دول آسيوية عن مواطنين انضموا إليه يحاولون العودة إلى ديارهم ومواصلة القتال على الجبهة الداخلية، على الرغم من أن المحللين يقولون إن الأعداد صغيرة والسلطات تعرف أكثرهم بالفعل.

ولدول جنوب شرق آسيا، أساسا، تجربة مع المقاتلين العائدين. ففي ثمانينات القرن الماضي ذهب الكثير من الشباب إلى باكستان لمساندة المجاهدين الأفغان في جهادهم ضد الاحتلال السوفييتي. وبعد الحرب بقي الكثير من هؤلاء المجندين -والقادمين من كل حدب وصوب وتبنوا التصور الحربي الذي يتبناه تنظيم القاعدة- في المنطقة واختلطوا بالمسلمين الذين يشاركونهم تفكيرهم.

بعد سنوات، عاد الكثير منهم إلى دولهم ليكوّنوا مجموعات متطرفة خاصة بهم بما في ذلك تنظيم الجماعة الإسلامية الذي كان وراء عدة هجمات إرهابية بارزة في المنطقة على مدى السنوات الخمس عشرة الأخيرة. والآن تتكرر التجربة مع المقاتلين العائدين من سوريا بعد القتال في صفوف داعش.

وعلى الرغم من أن اثنين من المفجِّرين كانا أخوين من عائلة سريلانكية ثرية من تجار التوابل، إلا أن المحللين يقولون إن ذلك لا يقلل من واقع أن الفقر هو في الغالب القوة الدافعة نحو التشدد والتطرف في أجزاء أخرى من آسيا، بما في ذلك جنوب الفلبين.

وترى سيدني جونز، مديرة معهد تحليل سياسات النزاع، أنه لا يمكن اعتبار الدين العامل الوحيد الذي يقف وراء التمرد الذي طال أمده في جزيرة مينداناو. وقالت إن “سبب ذلك هو الفقر والإهمال ولأن الناس يرون أنهم ضحايا التمييز”.

وتضيف أن “هذه مجموعة قوية للغاية من العوامل التي تجعل الناس يبحثون عن أيديولوجيات أخرى (مثل فكر تنظيم الدولة الإسلامية المتطرف) يمكن أن تأتي كبديل”.

تشدد رقمي

في كل من بنغلاديش وإندونيسيا، انحسر تأثير أشكال الإسلام المعتدل تقليديا بسبب تأثير المتشددين الذين يعملون على نشر خطابهم ورسائلهم عبر الإنترنت.

ويقول مبشر حسن، من جامعة أوسلو، إن بنغلاديش بشكل خاص كانت معرضة للهجمات. وأضاف “مع النمو المتزايد في عدد المشتركين بالإنترنت والهواتف المحمولة، يتزايد عدد المتصلين بالإنترنت، واطلاعهم على أفكار تنظيم الدولة الإسلامية السيئة التي تسهل اعتناق التطرف”. وأضاف “علينا أن نتذكر، في السيناريو الحالي للتشدد في عصر الرقمنة، أن نشر شخص واحد فكرة سيئة قد يقود إلى فعل مميت”.

في إندونيسيا، تبنى تنظيم الدولة الإسلامية آخر مرة تفجيرات سورابايا في 2018 التي استهدفت ثلاث كنائس ومركزا للشرطة وأدت إلى مقتل 13 شخصا. لكن جونز قالت إن هزيمة التنظيم في الشرق الأوسط لا تعني أن التهديد قد تضاءل.

مع النمو المتزايد في عدد المشتركين بالإنترنت والهواتف المحمولة، يتزايد عدد المتصلين بالإنترنت، واطلاعهم على أفكار تنظيم الدولة الإسلامية السيئة التي تسهل اعتناق التطرف

ويقول المحلل في مجلة فورين أفيرز جوزاف شينيونغ ليو إن المنطقة الآسيوية تبدو كأنها تشهد إعادة لتجربتها مع أفغانستان في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي. وأشهر خاصية هي جهود داعش في تجنيد المقاتلين التي يتكفل بها في الغالب متعاطفون مع التنظيم، وتنشط أساسا عبر الإنترنت.

وتشير جونز إلى أن التهديدات الجديدة تأتي من خلايا “يتجمع أفرادها معا في غياب الرقابة ومع القليل من التدريب أو الإعداد أو الأسلحة أو الخبرة. لكن ما يملكون منه كميات غير محدودة هو الحماس والرغبة في الاعتراف بهم”. وأضافت أنه “مع القليل من الخيال وقيادة أفضل، يمكن لهذه الخلايا المؤيدة لداعش أن تحدث أضرارا أكبر بكثير”.

تعرضت إندونيسيا التي تضم أكبر عدد من المسلمين في العالم، للانتقاد في الماضي بسبب قوانين مكافحة الإرهاب الضعيفة التي تسمح للشرطة بالعمل فقط بعد حدوث هجوم. لكن السلطات شددت الآن التشريعات.

وقال توفيق أندري، خبير الإرهاب بمعهد بناء السلام الدولي ومقره جاكرتا، إنها تشمل سلطات جديدة لاتخاذ إجراءات ضد خطاب الكراهية واستجواب المتشددين عند عودتهم من سوريا.

Thumbnail
7