دور السينما يغزوها القلق بينما تزدهر عروض السينما في الهواء الطلق

باريس - مع احتداد أزمة انتشار فايروس كورونا اتجه الكثير من منظمي التظاهرات السينمائية إلى طرق مبتكرة في عرض أفلامهم، منها مشاهدة الفيلم من داخل السيارة، ورغم تراجع حالات الاحتياط الصحية فإن عرض الأفلام مازال يبحث عن بدائل خارج القاعات، التي تعاني بدورها من مصاعب جمة.
وخلال فصل الصيف تزدهر شيئا فشيئا عروض الأفلام السينمائية في الهواء الطلق في مختلف أنحاء العالم، وفي مواقع مميزة، منها مثلا باحة متحف اللوفر أو قمة جرف في النرويج أو حتى في الصحراء العربية وغيرها من الأماكن العامة المفتوحة التي توفر تجربة مختلفة في مشاهدة الأعمال السينمائية تشهد تطورا وتناميا كبيرين.
ويقول رجل الأعمال الألماني كريستيان كريمر، الذي تشكل شركته الصغيرة “إرسكرين” إحدى الجهات الرئيسية التي توفّر شاشات مع إطارات قابلة للنفخ تستخدم في العروض السينمائية بالهواء الطلق، إنّ “العالم بأسره يطالب بعروض أفلام في الهواء الطلق”.
ويشير إلى أنه يبيع “المئات من الشاشات سنويا” لزبائن في أكثر من 130 دولة، بينهم عدد متزايد من الفنادق الفاخرة والجزر الخاصة في سيشيل وبولينيزيا الفرنسية مثلا، فضلا عن مدن ترغب في تنظيم عروض سينمائية صيفية في الهواء الطلق.
في عالم يتجّه نحو الرقمنة، تشكل العروض السينمائية في الهواء الطلق اتجاها مهما يبرز رغبة الناس في تنويع تجاربهم
ويتميّز كل بلد بالصيغة التي يعتمدها للعروض السينمائية الخارجية. ويقول كريمر “في المملكة المتحدة مثلا تباع التذاكر أحيانا مع سلال طعام لاعتبار هذا الحدث بمثابة نزهة بأسلوب أنيق”، بينما تفضّل بلدان أخرى عرض أفلام يشاهدها المتفرجون وهم مستلقون على العشب.
وفي باريس، جرى تثبيت شاشة عملاقة في ساحة باحة متحف اللوفر حتى الأحد، بمناسبة إقامة مهرجان “سينما باراديسو” في الهواء الطلق والذي تشارك في تنظيمه مجموعة “أم.كا 2” السينمائية وأكبر متحف في العالم. ومع أنّ المشاركة في المهرجان مجانية يتعيّن على الأشخاص تسجيل أسمائهم. وفي كل أمسية، يتم سحب 2500 اسم من أصل مئة ألف شخص تقدم بطلب لدى المنظمين لحضور العروض السينمائية.
وتقول المسؤولة في “أم.كا 2” اليشا كارميتز “في عالم يتجّه بصورة متزايدة نحو كل ما هو رقمي، تشكل العروض السينمائية في الهواء الطلق اتجاها مهما يبرز رغبة الناس في تنويع تجاربهم”، مضيفة “من خلال جهاز عرض وشاشة، نعيد إنشاء ساحة مشابهة للساحات القروية في أماكن مميزة”.
في بولونيا الواقعة شمال إيطاليا، يقام سنويا في ساحة بياتزا ماجوريه الشهيرة مهرجان “سينما ريتروفاتو” الذي يشهد عروضا سينمائية مثيرة بينها “تيلما أند لويز” الذي افتتحت به دورة هذه السنة من المهرجان. أما في برلين، فتقام العروض السينمائية في الهواء الطلق فوق أسطح المباني.
ويمثل هذا الاتجاه تقليدا في أثينا وحدثا معتمدا في نيويورك التي ستشهد عرض حلقتين من مسلسل “غود اومنز” في مقابر غرين وود في بروكلين.
وفي سين – سان – دوني الباريسية، تستقطب العروض السينمائية في الهواء الطلق والمقامة في المدن والمتنزهات، العائلات التي لا ترتاد دور السينما مطلقا، و”تساهم في إيجاد شكل من أشكال الوئام الاجتماعي، وهو أفضل حل يمكن إيجاده” للمشاكل الخاصة بالأحياء الشعبية، على ما يؤكد فابريس شامبون، مدير الشؤون الثقافية في “إيست أنسامبل” التي تضم مناطق عدة بينها بانتان وبوبينييه.
وتشكل العروض السينمائية هذه حلا بسيطا من ناحية التنفيذ، إذ يمكن لمجرّد شاشة أن تجمع 500 من محبي الأعمال السينمائية. ويصل ارتفاع أكبر نموذج من الشاشات إلى 20 مترا، أي ما يعادل مبنى مكونا من سبع طبقات.
كذلك، استخدمت عائلات سعودية ثرية البعض من الشاشات التي توفرها “إر سكرين” لعرض أفلام وسط الصحراء مع جلوس المتفرجين على سجاد، فيما استخدمت شاشات في كينيا لتوعية سكان المناطق النائية غير المتاحة دور السينما لهم، في شأن حياة الفيلة.
وجرى أخيرا تركيب شاشة في النرويج على قمة جرف يبلغ ارتفاعه 1200 متر لعرض الجزء الجديد من سلسلة أفلام “ميشن إمباسيبل” في الأماكن التي صوّر فيها توم كروز مشاهد من العمل.
وفي فرنسا، تستلزم إقامة عروض سينمائية في الهواء الطلق الحصول على إذن من المركز الوطني للسينما الذي أصدر في العام الفائت 4344 موافقة لعروض سينمائية خارجية، 9 من كل 10 منها مجاني.
وفيما ينتاب أوساط دور السينما قلق في شأن مستقبل صالات الفن السابع المظلمة، يظهر القائمون على العروض السينمائية في الهواء الطلق ارتياحا. وتعمل الجهات المصنّعة على أجهزة مكتفية ذاتيا من ناحية الطاقة وتشحَن بواسطة الأشعة الشمسية أثناء النهار، وعلى شاشات “ليد” التي تتيح عرض الأفلام في النهار، فلا يتعيّن تاليا انتظار أن يحّل الليل لبدء العروض السينمائية.