دور إقليمي محوري يعيد المغرب إلى الاتحاد الأفريقي

قرر المغرب أخيرا العودة إلى الاتحاد الأفريقي بعد غياب دام 32 عاما علق فيها المغرب عضويته في الاتحاد بعد أن اعترف بدولة في الصحراء المغربية، الأمر الذي يمس جوهر سيادة دولة عضو في الاتحاد. هذا القرار أعلن عنه العاهل المغربي في رسالة وجهها إلى رئاسة الدورة الحالية لاتحاد دول القارة السمراء، وهي خطوة تكشف تغيرات كثيرة في السياسة الخارجية المغربية.
الثلاثاء 2016/07/19
هناك فراغ ما لا يملأ سوى بعودة المغرب

الرباط - “إن أصدقاءنا يطلبون منا، منذ أمد بعيد، العودة إلى صفوفهم، حتى يسترجع المغرب مكانته الطبيعية، ضمن أسرته المؤسسية وقد حان الوقت لذلك”، بهذا التصريح أكد العاهل المغربي الملك محمد السادس أن عهد القطع مع الاتحاد الأفريقي قد انتهى وأن العودة إلى هذه المنظمة القارية قد باتت خيارا إستراتيجيا للمغرب في ظل ما شهدته العلاقات بين المغرب وعدد من الدول الأفريقية من تطور ملفت للانتباه وفي مجالات عديدة أهمها الاقتصادي والديني والأمني والسياسي.

فقد أجرى وفد مغربي رفيع المستوى، الإثنين، لقاء مع رئيس الدورة الحالية للاتحاد الأفريقي رئيس تشاد إدريس ديبي، على هامش القمة الأفريقية المنعقدة في العاصمة الرواندية كيغالي، نقل خلالها رسالة من الملك محمد السادس إلى القادة الأفارقة.

وقد أكد مصدر أن الوفد المغربي برئاسة رئيس مجلس النواب، ضم وزير الخارجية صلاح الدين مزوار، ومستشار الملك الطيب الفاسي الفهري. وكشفت مصادر دبلوماسية أن “المغرب بدأ بنشاط دبلوماسي مكثف أحدث اختراقات دبلوماسية”، في مسألة عودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي.

واعتبر مراقبون رسالة العاهل المغربي للقادة الأفارقة بأنها نقلة نوعية في العلاقات بين المغرب والاتحاد الأفريقي، فتوجيهه رسالة إلى القادة الأفارقة يعد تحولا كبيرا يمهد لعودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي.

السياق الذي يأتي فيه إعلان المغرب العودة إلى الاتحاد يكشف أن إعلان العودة إلى هذا التكتل القاري يأتي في إطار إستراتيجية انتهجها المغرب منذ عدة سنوات ترتكز إلى تمتين العلاقات بشكل ثنائي مع عدد من مراكز القوى الأفريقية قبل العودة بشكل رسمي. فقد صرح العاهل المغربي قائلا إن “المغرب يتجه اليوم، بكل عزم ووضوح، نحو العودة إلى كنف عائلته المؤسسية، ومواصلة تحمل مسؤولياته، بحماس أكبر وبكل الاقتناع”.

وهذا ما يؤكد أن الإشكالات التي دفعت المغرب إلى تعليق العضوية سنة 1984 بسبب اعتراف ما كان في تلك الفترة “منظمة الوحدة الأفريقية” بما يسمى الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية قد انتهت. إذ تقول المعطيات إن المغرب لا يمكن أن يتخلى عن الحاضنة الأفريقية كخيار جيوسياسي إستراتيجي يضمن امدادات اقتصادية هامة كما تمثل أفريقيا بالنسبة إلى المغرب مجالا للأمن القومي ومساحة للتبادل المعرفي والثقافي.

خالد شيات: الرسالة الملكية الموجهة للاتحاد الأفريقي تذكر بمسؤولية القارة تجاه المغرب

النظرة إلى أفريقيا

السنوات الثلاث الماضية احتوت على العديد من المؤشرات التي تشير إلى تركيز السياسة الخارجية المغربية على قراءة جديدة للساحة الأفريقية وفق التوجه العام للمملكة الرامي إلى العودة بقوة إلى الاتحاد الأفريقي. فقد قام الملك محمد السادس في ثلاث سنوات بثلاث زيارات لعدد من الدول الأفريقية كانت تهدف بالأساس إلى توقيع عدد من الاتفاقيات الهامة في مجالات تجارية واقتصادية ومالية من ناحية، ولكن من ناحية أخرى لتعزيز العلاقات التاريخية الطويلة التي تجمع بين المغرب ودول مثل ساحل العاج ومالي وغينيا والغابون.

لقد دعم المغرب مسارات سياسية وعسكرية في العديد من الدول الأفريقية في سبيل تحقيق الاستقرار داخل تلك الدول، نظرا لمصلحة شعوبها الداخلية في ضمان الاستقرار السياسي الذي يصب في مصلحة باقي الدول الأفريقية، وأيضا لانفتاح المغرب على الفضاء الأفريقي للمزيد من البحث في فرص الاستثمار والتعاون الثنائي.

ولعل آخر تلك التدخلات تتمثل في إرسال تعزيزات عسكرية ضمن الوحدات الأممية لمساعدة البلدان الأفريقية على استتباب الأمن والاستقرار، على غرار دور المغرب المحوري في إرساء عملية السلام في مالي.

عودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي تمثل مواصلة لهذه الإستراتيجية التي رسمها الواقع الاقتصادي والسياسي والأمني في المغرب والمحيط الأفريقي، وما يحدث في أوروبا بدوره ساهم في اتخاذ قرار العودة. ففي الحين الذي تشهد فيه القارة الأوروبية تراجعا واضحا في الاندفاع الوحدوي نتيجة خروج بريطانيا وصعود اليمين المتطرف القومي والأزمة الاقتصادية وأزمة اللجوء والتهديد الثقافي وغيرها، تقوم مؤسسات الاتحاد الأفريقي بإعادة قراءة واقعها السياسي والجغرافي والاقتصادي وتنتهج سياسة تصعيد نحو الاندماج المطلوب، وهو هدف قد يجعل القارة الأفريقية محطة مهمة في العالم من ناحية الطاقة والثروة البشرية والفلاحية والأهمية الجيوسياسية.

تجاوز الخلافات الجوهرية

تعرض المغرب لمظلمة تاريخية من قبل الاتحاد الأفريقي تمثل في تهديده بالانتقاص من سيادته على أراضيه بعد أن اعترف الاتحاد الأفريقي بما يسمى دولة الصحراء المغربية. وبالرغم من كون رئيسة مفوضية الاتحاد الأفريقي نكوسازانا دلاميني- زوما قد جددت في اليوم الأول من قمة الاتحاد في كيغالي الأحد الماضي تأكيد دعم الاتحاد لاستقلال الصحراء المغربية، إلا أن المغرب لا يزال عازما على العودة إلى الاتحاد.

عاد الملك محمد السادس في رسالته الى واقعة انسحاب الرباط من المنظمة القارية في 1984 قائلا “إن فرض أمر واقع لا أخلاقي، والانقلاب على الشرعية الدولية دفع المملكة المغربية، تفاديا للتجزئة والانقسام، إلى اتخاذ قرار مؤلم يتمثل في الانسحاب من منظمة الوحدة الأفريقية”.

وأضاف أنه “من المؤلم أن يتقبل الشعب المغربي الاعتراف بدولة وهمية كما أنه من الصعب أيضا القبول بمقارنة المملكة المغربية، كأمة عريقة في التاريخ، بكيان يفتقد لأبسط مقومات السيادة، ولا يتوفر على أي تمثيلية أو وجود حقيقي. وقد عبر الشعب المغربي، بإجماع قواه الحية، عن رفضه لانضمام كيان فاقد للسيادة إلى منظمة الوحدة الأفريقية، عن طريق التحايل والتواطؤ”.

السنوات الماضية احتوت على علامات تشير إلى تركيز السياسة الخارجية المغربية على قراءة جديدة لأفريقيا

ويؤكد مراقبون أن هذه اللهجة التي توجه بها الملك محمد السادس إلى الاتحاد الأفريقي، لا تعكس موقفا حادا من الاتحاد بالقدر الذي يريد فيه الخطاب أن يظهر أن العلاقة بين المغرب والاتحاد الأفريقي لم تشهد تطورها الطبيعي بعد حرمان متبادل دام أكثر من ثلاثين عاما، وهي مدة طويلة كانت بمثابة قطيعة عبثية سببها موقف الاتحاد الأفريقي غير المبرر من الصحراء المغربية.

واعتبر العاهل المغربي أن “التاريخ سيسجل هذه المرحلة كخداع وتحريف للمساطر القانونية وهو تصرف يمكن مقارنته بالتغرير بقاصر، لأن منظمة الوحدة الأفريقية لم تكن وقتها قد تجاوزت مرحلة المراهقة”.

وأكد الملك المغربي في رسالته أن قرار العودة إلى الاتحاد الأفريقي “تم اتخاذه بعد تفكير عميق وهو قرار صادر عن كل القوى الحية بالمملكة”، مضيفا أنه “من خلال هذا القرار التاريخي والمسؤول، سيعمل المغرب من داخل الاتحاد الأفريقي على تجاوز كل الانقسامات”.

تكشف هذه التصريحات أن المغرب يملك إستراتيجية واضحة للعودة إلى الاتحاد الأفريقي، بما في ذلك خارطة سياسية توضح توازن المواقف من الصحراء المغربية والتي على ضوئها سوف يتم تعاطي المغرب داخل الاتحاد مرة أخرى.

ويؤكد عدد من المراقبين أن مشكلة الصحراء المغربية لا تمثل أرقا بالنسبة إلى السياسة الخارجية المغربية، لأن الملف المغربي كامل من ناحية إثبات سيادته على أراضيه في مقابل ضعف حجة الانفصاليين.

ومن جهة أخرى فإن ما سيشهده المغرب من فرص لتطوير اقتصاده وقوته ووزنه الإقليمي ضمن الاتحاد الأفريقي، يستحق فعلا خوض المعركة الدبلوماسية داخل الاتحاد الأفريقي بكل مؤسساته.

وأكد العاهل المغربي في هذا الإطار أن الرباط “تثق في حكمة الاتحاد الأفريقي، وقدرته على إعادة الأمور إلى نصابها، وتصحيح أخطاء الماضي”، وأضاف أن “الوقت قد حان للابتعاد عن التلاعب وتمويل النزعات الانفصالية، والتوقف عن دعم خلافات عفى عليها الزمن”، مشددا على وجوب “رفض وإدانة أخطاء ومتاهات الماضي، وشجب التصرفات التي تسير ضد مجرى التاريخ”.

وفي تصريح لـ”العرب” أكد خالد شيات، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة وجدة، أن الرسالة الملكية الموجهة للاتحاد الأفريقي تذكر بمسؤولية القارة اتجاه المغرب والخطأ الذي ارتكب في حقه قبل حوالي 32 سنة، والذي يرتبط بمفهوم الهيمنة الذي تحاول بعض الدول أن تفرضه كموقف قار للاتحاد الأفريقي اتجاه قضية الوحدة الترابية للمملكة، في حين أن الواقع يشير عدديا وديمقراطيا إلى كون أصحاب هذا الاتجاه هم أقلية عددية.

وأكد أن عودة المغرب إلى هذه المنظمة مسألة طبيعية وعادية، وأمر يدخل في خانة المطلوب باعتبار الترابط التاريخي والحضاري والجغرافي للمغرب مع القارة، لكن المشكل يبقى في مستوى قانوني أو مسطري. مشيرا إلى أن وجود المغرب داخل الاتحاد الأفريقي رهن إعادة الأمور إلى نصابها ورد الاعتبار للمغرب دولة وشعبا وتصحيح الخطأ الذي ورطت من خلاله بعض الدول المنظمة في السابق.

نقطة الخلاف بين المغرب والاتحاد الأفريقي واضحة في خطاب العاهل المغربي، وهذا الوضوح له تأثير إيجابي على كيفية إدارة هذا الخلاف من خلال استعداد المغرب على ما يبدو لمسار طويل من العمل الدبلوماسي لإثبات الخطأ الذي ارتكبته مؤسسات الاتحاد الأفريقي في حق المغرب.

7