دمى عائمة تغير فهم العلماء لتيارات المحيطات

هناك حوادث بسيطة تقع صدفة في غالب الأحيان وتحيل العلماء إلى معلومات دقيقة، كما حدث مع الآلاف من دمى البط والسلاحف والضفادع التي سقطت من حاوية على سفينة شمال المحيط الهادئ لتقدم للباحثين رؤى متعددة غير متوقعة حول تيارات المحيطات.
برلين - منذ نحو 30 عاما سقطت حاوية من سفينة مبحرة في المحيط الهادئ، في حادث يتكرر كثيرا ولا يثير اهتمام أحد، غير أن هذه الواقعة ساعدت على إتاحة معلومات قيمة حول المحيطات.
وكانت الحاوية تحتوي على شحنة تضم 29 ألفا من دمى البط والسلاحف والضفادع متجهة من هونغ كونغ إلى الولايات المتحدة، وعندما هبت عاصفة سقطت محتويات الحاوية في مياه المحيط في يناير 1992.
ودفعت الأمواج والرياح الدمى إلى مسافات بعيدة، لتصل إلى السواحل الموجودة في مختلف مناطق العالم، ضمن رحلات استغرقت وقتا أطول مما كانت تتخيله الشركات المصنعة لهذه الألعاب.
والتقط أشخاص هذه الألعاب من على الشواطئ، ومن ثم بدأت رحلات الدمى المطاطية والبلاستيكية تلفت أنظار العلماء.
وبإعادة حساب الوقت الذي استغرقه وصول الألعاب إلى مناطق متفرقة من العالم، ودراسة الطرق التي سلكتها، تم التوصل إلى رؤى متعددة غير متوقعة حول تيارات المحيطات.
وقام عالم المحيطات الأميركي كيرتس إبيسمير بدور بارز في هذه الدراسات، بعد أن جمع بيانات من حادث مماثل تعرضت له إحدى السفن منذ سنوات سابقة.
وتقول جوهانا باهر، عالمة المحيطات في جامعة هامبورغ، إن “حادث الدمى الطافية قدّم إلى الأبحاث كنزا من المعلومات، وهو أمر نادر الحدوث أن يتم جمع مثل كل هذه البيانات مرة واحدة”.
استخدام الأشياء العائمة بلا هدى هو إحدى أقدم الطرق لإجراء الأبحاث العلمية المتعلقة بالبحار
ويقول عالم المحيطات في جامعة أولدنبرغ يورج أولاف وولف إن “استخدام الأشياء العائمة بلا هدى هو إحدى أقدم الطرق لإجراء الأبحاث العلمية المتعلقة بالبحار”.
ففي عام 1864 ألقى جورج فون نيوماير الباحث في علوم البحار زجاجة تحتوي على رسالة، أثناء قيامه برحلة بحرية قبالة كيب هورن بجنوبي تشيلي.
وطلب الباحث في رسالته ممن يعثر على الزجاجة أن يخبره بمكان وزمان عثوره عليها.
ووصلت الزجاجة إلى أستراليا، ويقول وولف “كان ذلك منذ أكثر من 150 عاما، وساعدت هذه الطريقة على تحقيق فهم أفضل لتيارات المحيط الأوسع نطاقا”.
ويستخدم الباحثون اليوم معدات مجهزة بنظام “جي.بي.إس” لتسجيل بيانات دقيقة عن درجات الحرارة وملوحة المياه وضغط الهواء، وإرسال هذه البيانات لاسلكيا إلى الأقمار الاصطناعية.
وتعد البيانات التي تم الحصول عليها من خلال الدمى الطافية للبط والضفادع أقل دقة من هذه الأجهزة إلى حد كبير.
ويوضح وولف قائلا إن “استخدام طريقة الدمى أفضل من لا شيء، خاصة وأنه تم الحصول على البيانات من خلالها مجانا”، مشيرا إلى أن التكلفة العالية لأجهزة القياس الرقمي تعني استحالة استخدامها على مثل هذا النطاق الواسع.
حادث الدمى الطافية قدّم إلى الأبحاث كنزا من المعلومات، وهو أمر نادر الحدوث أن يتم جمع مثل كل هذه البيانات مرة واحدة
بينما تقول باهر “ربما يكون أحد أكثر الاكتشافات إثارة هو أن الدمى ظلت طافية من مياه المحيط الهادئ إلى شمال المحيط الأطلسي، وتم التوصل إلى هذه المعلومة عن طريق استخدام نماذج متماثلة مع تلك الموجودة بالفعل”.
وفي أوائل القرن الحادي والعشرين كان الأفراد الذين يمشطون الشواطئ مستمرين في جمع هذه الدمى، على الساحل الشرقي للولايات المتحدة وأيضا في إسكتلندا وإنجلترا.
واستخدم وولف الألعاب الطافية لمعرفة كيفية توزع المخلفات في بحر الشمال، في إطار فريق متعدد التخصصات تم تشكيله عام 2016.
وألقى الفريق 65 ألف قطعة خشبية صغيرة لتطفو على سطح مياه بحر الشمال، بحيث تحمل كل منها رقما، وطلب أن يتم الإبلاغ عن مكان ووقت العثور على كل منها.
وأتاح هذه المشروع أيضا معلومات ومعرفة غير متوقعة، وأهمها أن تيارات بحر الشمال يمكن أن تعكس اتجاهها تحت ظروف معينة.
ويوضح وولف “تلقينا فجأة تقارير من إنجلترا، بينت أن القطع الخشبية الطافية لم تعد تتحرك بعكس اتجاه عقارب الساعة كما هو معتاد، وإنما في اتجاه عقارب الساعة”، ولم يكن العلماء على دراية بإمكانية حدوث ذلك.
ومثل هذه الدراسات يمكن أن تمكن من الحصول على فهم أفضل لطريقة انتشار المخلفات البلاستيكية، حتى يمكن تطوير أساليب لمعالجة هذه المشكلة.