دعوة أوجلان إلى نزع السلاح قد تفشل دون ضامنين خارجيين

الشكوك تحاصر المسار المحتمل للمصالحة الكردية - التركية.
الاثنين 2025/03/10
بانتظار الزخم

لاقت دعوة عبدالله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني من سجنه الجماعة التي يتزعمها إلى إلقاء السلاح ترحيبا دوليا، كما أثارت أملا وشكوكا. ولا يزال الغموض يلفّ مسار حل القضية الكردية مع امتناع تركيا عن الخوض في أيّ نقاش حول ملامح الحلّ المفترض.

ديار بكر ( تركيا) - ستواجه دعوة زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان إلى إلقاء السلاح تمهيدا للدخول في مفاوضات سلام مع تركيا تحديات، أبرزها الفشل، ما لم تعززها ضمانات خارجية. ودعا أوجلان الحزب إلى إلقاء السلاح وحل نفسه. وتم توجيه رسالة في 27 فبراير من سجن أميرالي في تركيا حيث لا يزال محبوسا. وفي الثالث من شهر مارس الجاري أعلن حزب العمال الكردستاني وقفا لإطلاق النار.

وقال وينثروب رودجرز، وهو زميل مشارك في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد تشاتام هاوس، والمعروف رسميا باسم المعهد الملكي للشؤون الدولية، إنه تم الترحيب بهذه الأحداث بحماسة، ووصفها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأنها “فرصة لاتخاذ خطوة تاريخية صوب هدم جدار الإرهاب. ولكنْ هناك أيضا خوف بشأن ما يعني هذا بالنسبة إلى الأكراد ليس فقط في تركيا وإنما في العراق وسوريا أيضا.

وأضاف رودجرز، وهو أيضا باحث وصحافي، في تقرير نشره المعهد أنه ليس من الواضح أن أي عملية جديدة يمكن أن تحقق نهاية دائمة لصراع دائر منذ أربعين عاما أزهق أرواح أكثر من 40 ألف شخص. وكان هناك العديد من الإخفاقات وبدايات لم يحالفها التوفيق.

وكل عمليات السلام مختلفة وليس هناك نهج واحد يصلح تطبيقه عليها جميعا. غير أن هناك سمة مشتركة تتمثل في نوع ما من ضامن مؤسسي يحافظ على استمرار المفاوضات ويوفر منصة للتعامل مع المشاكل المتوقعة وغير المتوقعة ويضمن التزام كل الأطراف المعنية بها.

ومن دون فاعل قوي وموثوق به بشكل متبادل يظل عدم توازن القوة محددا للنتائج وتبقى القضايا الأساسية دون حل ويتم غرس بذور صراع في المستقبل. وتعد دعوة أوجلان فرصة تاريخية ولكن في هذه المرحلة المبكرة قد تثير الكثير من الشكوك في ما سيحدث بعد ذلك. وهناك خلافات بشأن التسلسل السياسي والعملي لنزع سلاح حزب العمال الكردستاني.

من دون فاعل قوي وموثوق به بشكل متبادل يظل عدم توازن القوة محددا للنتائج وتبقى القضايا الأساسية دون حل
◙ من دون فاعل قوي وموثوق به بشكل متبادل يظل عدم توازن القوة محددا للنتائج وتبقى القضايا الأساسية دون حل

وتابع رودجرز أن هناك تفسيرات متضاربة بخصوص ما تعنيه بيانات تركيا وحزب العمال الكردستاني، والتي تم إصدارها أحيانا بحسن نية وأحيانا لا. وبالفعل تثار أسئلة حول ما إذا كان بيان السابع والعشرين من شهر فبراير ينطبق على قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وهي تحالف عسكري يهيمن عليه الأكراد ويضم مجموعات رئيسية لديها روابط أيديولوجية بأوجلان.

وهناك عدم يقين بشأن ما إذا كانت الدولة التركية ستغير تعاملها مع السياسيين والمجموعات المدنية الكردية، الذين يواجهون بشكل روتيني اتهامات قانونية تمنعهم من تنفيذ عملهم الديمقراطي. وسوف يساعد ضامن مؤسسي على تسهيل عملية تتم فيها الإجابة عن هذه الأسئلة وإدارة الخلافات حتى لا تتصاعد إلى عنف أو تدفع العملية إلى الانهيار. وهناك أمثلة إرشادية موجودة من جميع أنحاء العالم، تتراوح بين حفظ السلام المكثف وعملية تسهيل نشطة ولكنها محايدة.

ويضم البعض منها فاعلا عالميا مثل الأمم المتحدة ودولة قوية مثل الولايات المتحدة أو كتلة إقليمية مثل الاتحاد الأفريقي. وتقود عمليات أخرى ترتيبات محلية مثل لجنة الحقيقة والمصالحة في جنوب أفريقيا.

وهناك أمثلة تاريخية حيث تم استخدام مثل هذه الآلية في كردستان. ومنذ عام 1994 في منطقة كردستان العراق أسفرت حرب أهلية مريرة بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني عن وفاة أكثر من 5 آلاف شخص. وانتهى الصراع باتفاق واشنطن الذي توسطت فيه إدارة الرئيس الأسبق بيل كلينتون في 17 سبتمبر عام 1998.

وبينما لم يمح الاتفاق العداوة المتغلغلة بين الحزبين، فإنه وضع أساسا لهما للعمل معا من أجل بناء مؤسسات حكومة كردستان الإقليمية بعد عام 2005 . وسبقت أيضا عملية السلام في الفترة من عام 2013 حتى عام 2015 بين الدولة التركية وحزب العمال الكردستاني مفاوضات سرية معروفة بـمحادثات أوسلو.

وساعدت تلك المحادثات على تسهيل المراحل المبكرة مما يسمي “الانفتاح الكردي”. غير أنه لم يتم إضفاء الطابع المؤسسي على الإصلاحات الثقافية والديمقراطية للانفتاح الكردي، وطغت عليها الأحداث الإقليمية مثل الحرب الأهلية السورية التي أسهمت في انهيار عملية السلام في عام 2015. ولم يسفر أي من هذه الأمثلة عن أي شيء مثل نتيجة مثالية. ومع ذلك يوفر ضامن مؤسسي شكلا جوهريا لعمليات السلام وبصفة خاصة عندما يكون هناك عدم توازن في القوة بين الخصوم.

◙ من الصعب تصور قيام أنقرة بالسماح لقوة عالمية بالتدخل في موقف حساس مثل القضية الكردية التي تعتبرها تركيا قضية محلية في الأساس

ومن الصعب تصور قيام أنقرة بالسماح لقوة عالمية بالتدخل في موقف حساس مثل القضية الكردية التي تعتبرها تركيا قضية محلية في الأساس. ويعطى الوضع الجيوسياسي لتركيا أولوية لاستقلالها كقوة فاعلة دولية، وتنخرط بنشاط في الشؤون الدولية ولكنها تكافح حتى لا تسيطر عليها أي قوة.

وعلى سبيل المثال تركيا عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو) بينما لها علاقات نشطة مع روسيا وتقوم غالبا بدور الوسيط. وتركيا ليست عضوا في الاتحاد الأوروبي ولكن لها صلات مع بعض المؤسسات في جميع أنحاء أوروبا مثل المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. ومن المحتمل أن تتم صياغة ترتيب محلي ليكون ضامنا مؤسسيا، ولكن الاحتمال ضعيف.

وتوضح تجربة جنوب أفريقيا وأماكن أخرى أن هذا النوع من الترتيب يتطلب التزاما سياسيا شديدا لإعادة صياغة العقد الاجتماعي الأساسي للدولة. ومن المؤكد أن تحاول المجموعات الكردية أن تحقق هذا، مع إعلان السياسي التركي سيري سورييا أوندور عن هدف الجمهورية التركية – الكردية المشتركة. وهذا بوضوح ليس ما يدور في ذهن الرئيس أردوغان أو سياسيين قوميين أتراك آخرين.

وسوف يتعارض ذلك مع الأيديولوجيا الأساسية للدولة التركية. وعلاوة على ذلك فإن أحد أهداف أردوغان من التواصل مع حزب العمال الكردستاني هو تعزيز وضعه محليا وتأمين تعديلات دستورية سوف تسمح له بالبقاء في السلطة لما بعد عام 2028.

وفي ظل غياب ضامن مؤسسي يبدو من المرجح أن يثبت عدم التوازن الأساسي بين الدولة الكردية والشعب الكردي وممثليهم أنه معضلة. ولا تملك الدولة التركية كل الأوراق، ولكن لديها اليد العليا؛ حيث أنه إذا رأت أن الانخراط مع الجماعات الكردية لم يعد يخدم مصالحها، فإنها ربما ببساطة تنسحب من العملية، ما يؤدي إلى استئناف العنف. واختتم رودجرز تقريره بالقول إن أي ضامن مؤسسي سوف يخفف من حدة ذلك الخطر وسوف يساعد على ضمان ألا تذهب الفرصة الجديدة التي قدمتها دعوة أوجلان أدراج الرياح.

6