دعاة مزيفون لا تنفع أقوالهم ولا أفعالهم

"استهداف الوطن في عقيدته وأمنه ولُحمته الوطنية؛ جريمة يؤخذ على يد مرتكبها، ولا تقبل هوادة في ذلك” هذا ما أكدته هيئة كبار العلماء في السعودية، مشيدة بالخطوات الأمنية الشجاعة التي قامت بها السلطات الحكومية عند اعتقالها مجموعة من الشخصيات المتعاملة مع جهات إرهابية وأجنبية مشبوهة، وتتستر باسم الدين مثل سلمان العودة وعلي العمري وعوض القرني، وغيرهم. وهو ما يشجع على ضرورة المضي قدما نحو كشف حقيقة هؤلاء الأدعياء من الدعاة المشعوذين الذين ما انفكوا يتكاثرون في عالمنا العربي وسط تراجع وسكوت واعتكاف الفئات التنويرية وتقاعسها عن أداء دورها.
الأربعاء 2017/09/13
بوق الإخوان أمام ميكروفون نافذة الإخوان

مع تزايد الهوس الديني وتعاظم شأن الأصولية التي نشرها الإخوان المسلمون خلال العشرات من السنين في كل أنحاء العالم العربي ثم تكريس حضورها وتغلغلها عن طريق الفضائيات الإسلامية المتكاثرة منذ عقدين من الزمن، ومع شبه انهزام العقل وتقلصة عدد أنصار الحداثة، أصبح يخيّل للشيخ الأصولي المعتلي منبر المسجد أوالذي يظهرعلى شاشات التلفزيونات الفضائية أنه الناطق الرسمي باسم الإسلام والمسلمين أجمعين.

في كل مسألة له باع شرعي، يتدخل في كل صغيرة وكبيرة وفي كل الميادين، كأنه يملك العلم المطلق. لا تكاد وسيلة إعلامية واحدة تفلت من خدماته الفقهية والإرشادية. يجيب هنا عن أسئلة القراء حول صلاة الاستسقاء والشورى، وهناك يردد على مسامع المستمعين والمشاهدين فضائل الجهاد وشروط تكفير فاعل هذا الأمر أو ذاك، وكيف يتربص بنا الغرب الكافر، فكأن لا شغل للغربيين سوى محاولة إيذاء المسلمين والتربص بهم في كل كبيرة وصغيرة.

في كل مسألة يخرج من تحت عباءته رأيا فقهيا جاهزا، وهكذا يجد المعجبون التابعون الذين خدعهم الإخوان منذ نعومة أظافرهم في جعبة الشيخ، حلولا وهمية لمشاكلهم الدنيوية والأخروية الآنية منها والمستقبلية، إذ لا تطرح الحياة أمرا جديدا إلا وأفتى فيه فتوى. فكأنه يتلقى الإلهام عبر رسائل إلكترونية شارحة لا نعرف من أين تصله على الدوام. وليس هذا فحسب بل تعددت مواهب الشيخ، فبالإضافة إلى امتهانه الورع والفتوى والتقوى، يمارس أيضا العمل الطبي التشخيصي والعلاجي تحت عنوان الطب النبوي، فيكتب الحروز (الحجب) ويأمر بتعليق التمائم وتناول الأعشاب مدعيا أنها تشفي أرواح وأجساد إخوانه في الدين.

القرضاوي كان يطل عبر نافذة الإخوان المسلمين 'الجزيرة' معلما ومرشدا ومناضلا من أجل تطبيق الشريعة كاملة دون نقصان

و لم يسلم من توجيهاته حتى أولئك الذين يعيشون في الغرب، أولئك الذين تخلصوا من هيمنته المباشرة، فيحثهم الإمام ـ ولو من بعيد ـ على العمل دون هوادة لافتكاك حقهم في تطبيق ما يسميه شـريعة إسلامية كالزواج والطلاق والميراث وارتداء الحجاب والنقاب.

ولا يضيع الإمام النجم فرصة إلا وحذّر ونفّر من قيم الحداثة الذهنية والرمزية، مؤكدا بالصوت المرتفع ـ والمهدد أحيانا ـ أن تلك القيم متناقضة مع التقاليد الاسلامية بل هي في حرب صليبية ضد كل ما هو إسلامي. ويختلق الشيخ غربا وهميا واحدا موحدا، لا يفتأ يتآمرعلى العرب والإسلام والمسلمين. وكثيرا ما يختم درسه بنداء يحذّر فيه من مغبة السقوط في جحيم الأفكار المستورة من الغرب.

ولئن ردّد الامام المفلس، المقولة الشهيرة “ديننا دين يسر وليس دين عسر”، فإنه يكاد أن يحرّم كل ما هو دنيوي من كثرة تشديده على تفاصيل الآخرة وعذاب القبر وناكر ونكير.

في كل يوم سبت كان يطل يوسف القرضاوي عبـر نافـذة الإخـوان المسلمـين قناة “الجزيرة” القطـرية معلمـا ومـرشدا ومناضلا من أجل تطبيـق الشريعة كـاملـة دون نقصان في كل أرجاء العالـم العربي ما عدا الدوحة التي يتعيش فيها ومنها إذ كان يتجنب حتى الحديث عن طاعة الـوالدين خـوفا من أن يُغضب أميره الذي أطاح بوالده ذات عام.

وما يحيّر فعلا هو التعبير عن فرحته بحصول قطر على تنظيم كأس العالم لكرة القدم التي ستقام سنة 2022، وهـو الذي حرّم لعب الكرة على موقعه الرسمي بضع شهور قبل ذلـك!

وقد قرأنا أيضا رسائل الحب الملتهبة التي كان يرسلها وهو في الثمانين إلى الشابة الجزائرية وأشعار الغزل التي كتبها مستجديا رضاها قبل أن تسقط في فخه، وفي نفس الوقت كان يطلب من ذوي العشرين من العمرأن يفكروا في الآخرة ويبتعدواعن الاختلاط ومغريات الدنيا.

أما عائض القرني المتبجح بالأخلاق الإسلامية الحميدة ليلا نهارا على القنوات الفضائية والملتقيات التي نصب فيها نفسه داعية، فقد قضت لجنة حقوق المؤلف بوزارة الإعلام السعودية بتغريمه مبلغ 330 ألف ريال سعودي عقابا له على سرقة أدبية كانت ضحيتها الكاتبة السعودية سلوى العضيدان، إذ قام بالسطو على أكثر من 85 بالمئة من محتوى كتابها “هكذا هزموا اليأس” وأعاد نشره بوقاحة منقطعة النظير باسمه تحت عنوان “لا تيأس”، واضطر إلى الاعتذار للكاتبة على صفحات الجرائد وسحب الكتاب من الأسواق، وهي سرقة موصوفة، فلو طبقت عليه حدود الشريعة التي ينادي بتطبيقها على عامة الناس في كل البلدان الإسلامية لكانت يده مبتورة اليوم.

وما يثير الاستغراب هو مشاهدة الشيخ محمد العريفي والشاب عمرو خالد وهما يستغلان شهرتيهما في الدعوة الإسلامية لترويج أنواع من العطور والبخور على القنوات الفضائية، وليت العريفي اكتفى بذلك، ألم يسرق نصا منشورا لمحمد موسى الشريف، ويلقيه كخطبة في مسجد حينما دعي إلى مصر تحت عنوان “فضائل مصر”؟

في الجزائر كثيرا ما يُردّد مثل شعبي يقول عن رجل الدين “استمع إلى أقواله ولا تفعل أفعاله”، يبدو أن مع هذا الصنف من الشيوخ لا ينفع لا هذا ولا ذاك.

13