دروس من مظاهرات المحامين في مصر ضد الحكومة والقضاء

القاهرة - ينطوي تعليق نقابة المحامين إضرابها العام أمام المحاكم المصرية عقب الإفراج عن ستة من أعضائها بمحافظة مرسى مطروح على الكثير من العبر السياسية الموجهة إلى الحكومة والسلطة القضائية، حيث كشفت أن معظم النار يأتي من مستصغر الشرر.
وأدى شجار بين محامين وموظفين في محكمة مرسى مطروح إلى صدور حكم بحبس ستة من المحامين لمدة عامين ووضعهم تحت المراقبة عامين آخرين، إلى استنفار عدد كبير من المحامين.
وكانت الواقعة بسيطة ويمكن تجاوزها، غير أنها استغلت كدافع وليست سببا رئيسيا في الأزمة، لأن الاحتقان بين المحامين والسلطة القضائية ارتفع سقفه، حيث يرى الفريق الأول أن حقوقه باتت مهضومة وأن تغولا كبيرا يقوم به أعضاء في الفريق الثاني. كما أن الأزمة بين نقابة المحامين والحكومة في مصر بسبب الفاتورة الإلكترونية التي جلبت ضرائب جديدة لم تندمل بعد.
◙ القيادة السياسية أوحت للحكومة والقضاء معا باحتواء أزمة وجدت فيها استنفارا غير معتاد يمكن أن يمتد إلى قطاعات أخرى
وفسر مراقبون قرار المحكمة بالإفراج الفوري عن المحامين، وتحديد جلسة محاكمة جديدة في الخامس من فبراير المقبل على أنه قرار "مسيّس" راعى المواءمة العامة ولم يرد من أصدره حدوث المزيد من التصعيد من نقابة اعتبرت حبس محاميها فرصة لتصفية حسابات قديمة.
وجاء التغيير داخل المحكمة مفاجئا، إذ قام موظفو المحكمة الثلاثة الذين اتهموا المحامين الستة بالتعدي عليهم، بتعديل أقوالهم السابقة، وأنكروا وجود اعتداء عليهم أصلا، ووصفوا ما حدث بأنه "تحرش لفظي بعد انتهاء أوقات العمل الرسمية"، وهو ما يبطل الحجج التي استند عليها الحكم في المرة الأولى.
ويشير التعديل في الأقوال إلى رغبة السلطة القضائية في منع التصعيد مع المحامين، خوفا من انحراف الموقف واتجاهه نحو ملفات يمكن أن تؤدي إلى أزمات تصعب معالجتها في توقيت بدا ملغما من جانب محامين وجدوا في مسألة الحبس فرصة لوقفة مؤجلة قد تكون لها إيجابيات في المستقبل.
ويقول المراقبون إن القيادة السياسية أوحت للحكومة والقضاء معا باحتواء أزمة وجدت فيها استنفارا غير معتاد، يمكن أن يمتد إلى قطاعات أخرى، لأن حشود المحامين بدت كبيرة ولا يصلح التعامل معها بخشونة.
وما حدث في مدينة مرسى مطروح يوحي بأن الحكومة أصبحت قابليتها للتجاوب مع الضغوط أكبر من ذي قبل، وهي ورقة حاول النظام المصري تنحيتها كثيرا في السنوات الماضية عندما كان يتعامل بصرامة أمنية مع المظاهرات.
وبعد سنوات من الصمت العام، خرقت نقابة المحامين هذه الحالة من الهدوء التي ظنت الحكومة أنها سوف تستمر على الدوام، ومع أن الخرق جاء نقابيا ومهنيا، غير أن روافده قد تأخذ منحى سياسيا لاحقا، لأن النقابات، وفي مقدمتها نقابة المحامين، لها تاريخ طويل من العمل السياسي.
وتمت معالجة حبس المحامين بطريقة سياسية، لأن التبدل الحاصل في أقوال موظفي المحكمة كفيل بأن يفضي إلى حبسهم بتهمة “تضليل العدالة”، لكن لأن التغيير حصل باتفاق معهم من الممكن أن يتوقف التصعيد عند هذا الحد، إلا إذا قام المحامون الستة، أو أحدهم، بقلب الطاولة على الموظفين.
وانتهى فصل من فصول المحامين في هذه الأزمة، لكن هناك فصولا عدة يمكن أن تظهر في المستقبل، إذ يبدو أن سلوك المحامين “خروج من القمقم” أو “كسر للقيود”، ما يعني أن النظام سوف يواجه منغصات من قبل المحامين أو غيرهم من النقابات التي لديها إشكاليات أو نفور مما يمارس عليها.
◙ الأزمة بين نقابة المحامين والحكومة في مصر بسبب الفاتورة الإلكترونية التي جلبت ضرائب جديدة لا تزال تراوح مكانها
وتمثل هذه الزاوية واحدا من التحديات التي يمكن أن تظهر قريبا داخل بعض النقابات التي تعيش ظروفا شبيهة بالمحامين، مثل الأطباء والمهندسين والصحافيين، وهو ما تحاول الحكومة تطويقه مبكرا من خلال المزيد من الحوافز والإغراءات بعيدا عن سياسة العصا الغليظة.
وتواجه الحكومة تحديا مصيريا، فالاستجابة للضغوط تعرضها للمزيد منها، وتتحول إلى عدوى تنتقل من جهة إلى أخرى، ما يقطع الطريق على قدرتها في التصدي للمطالب الفئوية المتراكمة، وكانت هي الشرارة التي أودت بنظام الرئيس المصري الأسبق الراحل حسني مبارك.
وقد يفضي الرفض واستخدام القبضة الأمنية إلى صدام يصعب توقع نتائجه السياسية، وهو خيار محدود الآن، خشية أن ينفجر الغضب الاقتصادي المكبوت ويخرج إلى الشارع فيلتحم مع آخر نقابي لا يخلو من دوافع اقتصادية.
وفي الحالتين، على النظام المصري استيعاب الدروس الحالية والسابقة، لأن الدولة لا تتحمل وسط الأزمة الراهنة تحويل احتجاجات المحامين حول مطالب فئوية إلى طوفان.