دروز الجولان حائرون أمام معضلة التصويت في الانتخابات البلدية الإسرائيلية

مجدل شمس (الجولان المحتل) – تذكر لافتة انتخابية عند مدخل مجدل شمس زوار هذه البلدة الدرزية الواقعة في القسم المحتل من الجولان بأن السكان مدعوون إلى التصويت الثلاثاء للمرة الأولى منذ أن احتلت إسرائيل هضبة الجولان في 1967.
ويفترض أن تنتخب مجدل شمس والبلدات الدرزية الثلاث الأخرى في هضبة الجولان شمال شرق إسرائيل مجالسها البلدية في 30 أكتوبر على غرار مدن أخرى في إسرائيل. لكن في هذه البلدات لا تعقد تجمعات انتخابية وليس هناك منشورات، فالمرشحون يريدون البقاء بعيدا عن الأضواء.
يكتفي أحدهم -يدعى دولان أبوصالح- باستقبال بعض السكان في مقره. ويقول “الموضوع حساس جدا”.
وبعد خمسين سنة على احتلال إسرائيل القسم الأكبر من الجولان السوري، لا يزال كثيرون يخشون أن تكون إسرائيل تسعى عبر هذه الانتخابات، إلى ترسيخ ضم الهضبة الذي قامت به عام 1981 ولم تعترف به أبدا المجموعة الدولية.
ويقيم حوالي 23 ألف درزي في القسم الخاضع لسيطرة إسرائيل لكن الكثير منهم يرفضون بطاقة الهوية الإسرائيلية.
دعوات لمقاطعة الانتخابات تلاقي أصداء واسعة لدى الدروز
يقر دولان أبوصالح بأن الدعوات إلى مقاطعة الانتخابات ستلقى أصداء واسعة بالتأكيد. وهو مقرب من حزب الليكود الذي يترأسه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ويعتقد أن الانتخابات تشكل فرصة لدروز الجولان الذين تلف قراهم مستوطنات يقيم فيها حوالي 20 ألف إسرائيلي.
وخلال ولايتيه السابقتين، نصب أبوصالح على رأس المجلس البلدي في مجدل شمس، كبرى مدن الدروز، بأصوات أعضاء المجلس المحلي المعينين من قبل وزارة الداخلية الإسرائيلية. وقال “بين التعيين والانتخاب، ليس هناك من شك في أن الانتخابات أكثر ديمقراطية”.
هوية وبراغماتية
يقول وائل طربية، مسؤول البرنامج الثقافي في مركز حقوق الإنسان “المرصد” الذي يوجد مقره في الجولان، إن الدروز الحاملين الجنسية الإسرائيلية فقط يمكن أن ينتخبوا كرئيس بلدية. ويضيف أن الآخرين يحظون بوضع “مقيمين دائمين” ويمكنهم فقط التصويت في الانتخابات البلدية. ويتهم “المرصد” منظمي الانتخابات بانتهاك المادة 43 من اتفاقية لاهاي التي تفيد بأن القوة المحتلة يجب أن تحترم “القوانين السارية في البلاد”. لكن محامين دروزا هم الذين قدموا شكوى أمام المحكمة العليا الإسرائيلية للحصول على قرار إجراء الانتخابات.
وفي الواقع أحدث النزاع السوري تغييرا عميقا في طبيعة علاقات دروز الجولان ببلدهم الأصلي. ورغم أن غالبيتهم كانت تحلم سابقا بالعودة إلى سلطة دمشق والدراسة في الجامعات السورية، فإن البعض من جيل الشباب ينأى بنفسه عن سوريا ما بعد الحرب، وبات يتطلع إلى إسرائيل ببراغماتية.
وتقليديا، فإن المسؤولين الدينيين الدروز هم الذين لهم الكلمة الفصل داخل المجتمع الدرزي؛ فقبل ثلاثة أشهر دعوا إلى مقاطعة الانتخابات. وتحت الضغط، أعلن ثلاثة مرشحين لمنصب رئيس البلدية انسحابهم وكذلك سبعة مرشحين على الأقل على مختلف اللوائح.
هويتنا سورية
في شوارع قرية بقعاتا المجاورة، يغلق بعض السكان أبوابهم الأمامية عند سؤالهم عن الانتخابات. تقول امرأة مسنة وهي تضع وشاحا أبيض “نحن لن نشارك”. من جهته يقول أمل أبوشاهين (47 عاما) “هويتنا سورية” وهو يشير إلى علم سوري رسم على حائط خلفه، مضيفا “هذه الانتخابات ليست لنا”.
أحدث النزاع السوري تغييرا عميقا في طبيعة علاقات دروز الجولان ببلدهم الأصلي. ورغم أن غالبيتهم كانت تحلم بالعودة، فإن البعض من جيل الشباب ينأى بنفسه عن سوريا ما بعد الحرب
ويعترض شاب في الـ24 من عمره رافضا الكشف عن اسمه قائلا “أنا أؤيد الانتخابات، الآن نحن مع إسرائيل، لقد انتهت سوريا!”. لكنه رغم ذلك لن يتوجه إلى الإدلاء بصوته، ويضيف “هناك أشخاص سيتحققون ممن ذهب إلى التصويت وممن لم يذهب”. وبالتالي من الصعب اتخاذ موقف عكس التيار في هذه القرى التي يعرف فيها الجميع بعضهم البعض.
في منزله الكائن وسط حقول التفاح، يقول سامح سماره إنه لا يفهم هذه الدعوات إلى المقاطعة. ويوضح هذا الناشط السياسي أن التصويت ليس سوى وسيلة للحصول على خدمات أفضل، ولا يعني هذا الأمر بأي حال من الأحوال الاعتراف بسيادة إسرائيل.
ويضيف “بالتالي من الأفضل اختيار الشخص المناسب بين أولاد البلد بدلا من أن يفرض أحد غير مناسب وليس من هنا!”. لكن طربية يعبر، وهو يتأمل بلدة مجدل شمس من شرفته والحدود المتنازع عليها التي تبعد 500 متر، عن رأي مخالف؛ بالنسبة إليه تشكل الانتخابات “وسيلة للاعتراف بالوجود غير الشرعي لإسرائيل”.