درس سقوط الشاه يوجه حكام إيران نحو سحق الاحتجاجات

يتعامل النظام الإيراني مع الاحتجاجات بالكثير من العنف والتضييق والملاحقات، محاولا البحث عن حجج تمنحه المزيد من الحق في قمعها، مما يكشف خوفه من أن أي إظهار للضعف أو اعتراف بالخطأ الحاصل في حق مهسا أميني قد يعجّلان بسقوطه كما حصل سابقا مع نظام الشاه الذي أدى اعترافه بضعفه إلى انهياره.
دبي - تتواصل الاحتجاجات في إيران للأسبوع الثالث على التوالي، وفيما زادت حدتها يبدو أن النظام يصر على مواجهتها بالقوة غير آبه بسقوط قتلي وجرحى، ولا بالأصوات الدولية المتصاعدة والمنددة بالانتهاكات التي تطال المدنيين.
ويرى أربعة محللين أن حكام إيران من رجال الدين سيتمكنون على الأرجح من احتواء الاضطرابات في البلاد في الوقت الراهن، وأن احتمالات وجود فجر نظام سياسي جديد في رحم ما يحدث ضئيلة للغاية، إذا استرشدنا بالتاريخ. ويقولون إن حكام الجمهورية الإسلامية تعلموا الدرس من سقوط نظام آخر شاه لإيران محمد رضا بهلوي.
فقد بدأت الاحتجاجات اعتراضا على وفاة الشابة مهسا أميني (22 عاما) بعد أن احتجزتها شرطة الأخلاق. لكن تلك الاحتجاجات تطورت إلى انتفاضة ضد ما يصفه المحتجون بأنه تنامٍ لدكتاتورية رجال الدين الحاكمين في البلاد.

أليكس فاتانكا: خامنئي يعلم أن الاعتراف بالخطأ بداية انهيار قيادته
لكن فرص أن تتطور الأحداث بسرعة إلى نوع الانتفاضة التي أطاحت بحُكام مُخضرمين في الشرق الأوسط عام 2011 مثلما حدث في مصر وتونس تبدو مستبعدة للغاية في أي وقت قريب، طالما ظل حكام إيران عازمين على الحفاظ على قبضتهم محكمة على السلطة بأي ثمن.
فعلى مدى عقود تستعين المؤسسة الدينية الحاكمة بالحرس الثوري الإيراني المخلص لها لسحق انتفاضات عرقية بعنف وكذلك أي اضطرابات يقوم بها الطلبة أو احتجاجات على المشكلات الاقتصادية. وإلى حد الآن أحجم الحرس الثوري نسبيا عن التدخل في الاحتجاجات الأخيرة، لكن يمكن حشده بسرعة ليتدخل.
ويقول كسرى أعرابي، مدير برنامج إيران في معهد توني بلير للتغيير العالمي، “إذا استمرت الاحتجاجات فستلجأ الجمهورية الإسلامية إلى الحل المعتاد: العنف بلا قيود في التعامل مع مدنيين غير مسلحين لسحق الاحتجاجات هذه المرة أيضا”.
والاحتجاجات مستمرة بالفعل منذ ما يقارب ثلاثة أسابيع، مما يجعلها واحدة من أكبر موجات المظاهرات المعارضة للحكم الإسلامي في إيران خلال سنوات.
ويقول محللون إنه على الرغم من أن نطاق الاحتجاجات لا يمكن مقارنته بالثورة الإسلامية في 1979 عندما نزل الملايين إلى الشوارع، إلا أن التضامن والوحدة بين المحتجين وهم يطالبون بسقوط المؤسسة الدينية الحاكمة يذكّران بالأجواء ذاتها.
وقال أعرابي “التشابه الأساسي المدهش بين الاحتجاجات الحالية وما حدث في 1979 هو الأجواء في الشوارع التي تتسم بثورية صريحة… لا يريدون الإصلاح، يريدون تغيير النظام”.
الضعف مرفوض

سعيد جولكار: الإيرانيون ثائرون على من يستخدمون الدين لقمعهم
تابع قائلا “بالطبع لا يمكن لأحد التنبؤ بأوان تلك اللحظة: ربما بعد أسابيع أو أشهر أو سنوات… لكن الشعب الإيراني اتخذ قراره”.
وفي تحد واضح لشرعية الجمهورية الإسلامية، أحرق محتجون صورا للزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي وهتفوا “الموت للدكتاتور” ولم تردعهم قوات الأمن التي استخدمت الغاز المسيل للدموع والهراوات، وفي الكثير من الأحيان استخدمت الرصاص الحي أيضا.
وتعقد النخبة الحاكمة في إيران العزم، رغم ذلك، على عدم إظهار الضعف الذي تعتقد أنه حدد مصير الشاه الذي كان مدعوما من الولايات المتحدة.
فبالنسبة إلى نشطاء معنيين بالدفاع عن حقوق الإنسان آنذاك، الخطأ الجسيم الذي ارتكبه الشاه هو أنه نفّر الناس بالتعذيب وسفك الدماء، لكن فيما بعد قال بعض المؤرخين إن الشاه كان أضعف من اللازم وتباطأ وتردد في القمع.
وقال أليكس فاتانكا، مدير برنامج إيران في معهد الشرق الأوسط، “نهج هذا النظام يعتمد على القمع أكثر بكثير مما اعتمده نظام الشاه”.
وتقول جماعات معنية بالدفاع عن حقوق الإنسان إن قمع الدولة للاحتجاجات أسفر حتى الآن عن مقتل 150 على الأقل وإصابة المئات واعتقال الآلاف.
وقال مسؤولون إيرانيون إن الكثير من أفراد قوات الأمن قُتلوا على يد “خارجين عن القانون ومثيرين للشغب مرتبطين بأعداء أجانب”، مُرددين تصريحات لخامنئي أدلى بها الاثنين وحمّل فيها الولايات المتحدة وإسرائيل مسؤولية تشجيع “مثيري الشغب”.
وقبل الثورة بقليل ظهر شاه إيران على التلفزيون الرسمي قائلا “بصفتي شاه إيران… سمعت صوت ثورتكم… لا يمكنني إلا أن أسلم بثورتكم”. واعتبر معارضوه ذلك علامة هشاشة.
وقال فاتانكا “تفطن خامنئي للدرس، باعتبار أنه عاصر الثورة، وهو أنك إذا قلت للناس إنك سمعت أصواتهم وإنك مخطئ فإن هذا هو نهاية قيادتك. هو لا يريد أن يفعل ذلك”.
وقال فاتانكا إن خطاب خامنئي غير المتجاوب ينطوي أيضا على مخاطرة.
وأضاف “إذا لم يسمع خامنئي… ولم يتوقف عن هذا الهراء الذي يذهب إلى أن قيادة الاحتجاجات بالكامل أجنبية، فسيكون هناك المزيد من الاحتجاجات”.
وامتدت المظاهرات من محافظة كردستان، موطن مهسا أميني، إلى جميع محافظات إيران، وعددها 31 محافظة، وانضمت إليها جميع طبقات المجتمع بما في ذلك الأقليات العرقية والدينية.
وقال واحد يوسيسوي، المتخصص في الإسلام السياسي والذي يتخذ من كندا مقرا له، “جذبت هذه الاحتجاجات العريضة جميع قطاعات المجتمع تقريبا التي لم يستجب النظام لشكاواها”.
وهناك شعار سياسي كردي شعبي رددته حركة الاستقلال الكردية وهو “المرأة، الحياة، الحرية”، وكان قد رُدد للمرة الأولى في جنازة مهسا أميني يوم 17 سبتمبر في بلدة سقز الكردية، واستُخدم على المستوى العالمي في الاحتجاج على وفاتها.
ويقول المحللون إن المؤسسة السياسية انتابها الخوف من انتفاضة عرقية وتبنّت لذلك قمعا مقيدا عوضا عن القبضة الحديدية التي أظهرتها في الماضي.
ثورة على رجال الدين
قال سعيد جولكار، أستاذ العلوم السياسية المساعد في جامعة تينيسي في تشاتانوجا، إن الاحتجاجات “علمانية، غير أيديولوجية مناوئة للإسلام إلى حد ما”. ومضى قائلا “الإيرانيون ثائرون على رجال الدين الذين يستخدمون الدين لقمع الشعب”.
وارتفع صوت الثورة على الشاه وتردد صداها في المدن والبلدات والقرى بالمحافظات. لكن ما أصاب حكمه بالشلل هو إضرابات عمال النفط الذين أغلقوا الصنابير على معظم عائدات البلاد، وكذلك تجار البازار الذين مولوا رجال الدين الثائرين.
وفي حين أن طلاب الجامعات لعبوا دورا أساسيا في الاحتجاجات الحالية وأضربت العشرات من الجامعات فإن هناك القليل مما يشير إلى أن تجار البازار وعمال النفط انضموا إلى هذه الاحتجاجات.
وقال فاتانكا “كان دور تجار البازار مهمّا خلال ثورة 1979 لأنهم رأوا في ذلك الوقت أن إصلاحات الشاه الاقتصادية ضد مصالحهم ولذلك ساندوا الثورة”.
ومضى قائلا “اليوم البازار ليس لديه ما يدافع عنه في الوقت الذي لم يعد يسيطر فيه على الاقتصاد الذي صار الآن في أيدي الحرس الثوري”. فالحرس الموالي لخامنئي إمبراطورية صناعية إلى جانب أنه قوة عسكرية قوية. إنه يتمتع بنفوذ سياسي ويسيطر على صناعة النفط في إيران.