دبلوماسيون في فرنسا يتحركون ضد إصلاحات تُقلص النفوذ الدولي لباريس

باريس - يستعد دبلوماسيو فرنسا لإطلاق تحركات تعكس رفض أبناء هذا السلك المتكتمين عادة إزاء إصلاحات يرون أنها ستساهم في تراجع نفوذ باريس على الساحة الدولية وذلك عندما يخوضون إضرابا في الثاني من يونيو.
وكان هذا التذمر كامنا منذ أشهر لا بل سنوات، لكنه خرج إلى العلن بعدما نشر في الصحيفة الرسمية في أبريل المرسوم التطبيقي في وزارة الخارجية، للإصلاح المتعلقة بالوظائف العامة العليا.
ويستحدث هذا الإصلاح الذي أراده الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سلكا جديدا للموظفين المشرفين على إدارة الدولة وينص على أن الموظفين الكبار لن يكونوا مرتبطين بعد الآن بإدارة معينة، بل على العكس هم مدعوون إلى تغيير الإدارة التي يرتبطون بها بانتظام طوال مسيرتهم المهنية.
ويرى الدبلوماسيون الذين يطالهم هذا الإصلاح والبالغ عددهم نحو 700 أن ذلك سيؤدي إلى عملية دمج “واضمحلال” تدريجي بحلول 2023 لسلكين تاريخيين في الخارجية الفرنسية وهما السفراء فوق العادة ومستشارو الشؤون الخارجية.
الدبلوماسيون يرون أن الإصلاحات ستقوض سلكين بالخارجية: السفراء فوق العادة ومستشارو الشؤون الخارجية
ويرى الكثير منهم أن ذلك يعني “نهاية الدبلوماسية المحترفة” في فرنسا التي تملك ثالث شبكة عالمية بعد الولايات المتحدة والصين.
ودعت ست نقابات وتجمع يضم 500 دبلوماسي شاب إلى إضراب في الثاني من يونيو في حركة نادرة الحدوث في تاريخ وزارة الخارجية الفرنسية إذ يعود آخر إضراب إلى العام 2003. ويقول أوليفيه دا سيلفا مسؤول نقابة الكوادر “لم تشهد وزارة الخارجية الفرنسية في تاريخها الكثير من حركات المعارضة”.
وفي خطوة تعكس حجم التململ، أعلن العشرات من الدبلوماسيين الكبار في الأيام الأخيرة عبر تويتر مشاركتهم أو دعمهم للإضراب.
وكتبت سفيرة فرنسا في الكويت كلير لوفليشيه في تغريدة “سأضرب في الثاني من يونيو احتجاجا على إصلاح السلك الدبلوماسي والخفض المتواصل للوسائل المتاحة للأوساط الدبلوماسية”، فيما رأت زميلتها في سلطنة عمان فيرونيك آلونيون “لا يمكن استبدال الدبلوماسيين”.
وملخصا الشعور العام، كتب سفير فرنسا في أذربيجان زاكاري غروس قائلا “الدبلوماسيون الفرنسيون متفانون بالكامل إلا أنهم مرهقون ولا يتلقون أجورا لائقة ولا تتوافر لهم التجهيزات المناسبة”.
ويفيد الداعون إلى الإضراب أن هذا الإصلاح سيؤدي إلى “تعيينات مسايرة” و“تفكك المسيرة المهنية” و”أزمة في إيجاد مرشحين” في الأوساط الدبلوماسية.
وقد أعرب 500 دبلوماسي شكلوا تجمعا في مقال نشرته قبل فترة قصيرة صحيفة “لوموند” عن قلقهم من “خفض هائل في الوسائل (إلغاء 50 في المئة من الموظفين في غضون 30 عاما) و“عقود من تهميش دور الوزارة ضمن الدولة”.
6 نقابات وتجمع يضم 500 دبلوماسي شاب دعت إلى إضراب في الثاني من يونيو في حركة نادرة الحدوث في تاريخ وزارة الخارجية الفرنسية
وتقليديا، تعتبر الدبلوماسية من اختصاص رئيس البلاد لكن هذا التوجه بارز أكثر في عهد ماكرون. ولم يوفر رئيس البلاد الدبلوماسيين وانتقد أمامهم في العام 2019 وجود “دولة عميقة” في وزارة الخارجية.
وقال سفير في هذا التجمع طالبا عدم الكشف عن اسمه “صيت الدبلوماسيين سيء مع أنهم في الواقع موظفون متمسكون جدا بالإدارة الجمهورية”.
ويضيف “نريد أداة دبلوماسية تسمح لفرنسا بالمحافظة على موقعها، لكن لدينا الانطباع بأنه يتم التقليل من شأننا وأننا لا نزود الوسائل الضرورية. ما هي إنجازات الدبلوماسية الفرنسية منذ مؤتمر الأطراف حول المناخ في 2015؟ لا شيء”.
وتؤكد الوزارة التي عينت على رأسها كاترين كولونا وهي دبلوماسية من السلك والتي فسر تعيينها على أنه “رسالة” حيال الموظفين، أنها “أقامت حوارا نوعيا” مع كل النقابات.
إلا أن مصدرا مطلعا على الملف يقر بوجود “قلق فعلي وبإرهاق في صفوف الموظفين”، مشددا على أن التحرك هذا يأتي في “ظل ظروف صعبة للغاية” بعد وباء مستمر منذ أكثر من سنتين وأزمات متتالية وعمليات الإجلاء من كابول بعد سيطرة طالبان في أغسطس 2021 مرورا بالحرب على أوكرانيا وأزمة مالي.
ويضاف إلى ذلك أن المعالم المبهمة حتى الآن لإصلاح الوظيفة العامة العليا لا تسمح بتوفير إجابات للدبلوماسيين القلقين الذين يريدون “ضمانات متينة”، على ما يؤكد المصدر نفسه.
وتظهر أرقام رسمية أن 13500 شخص بعقود مختلفة يعملون في وزارة الخارجية الفرنسية.