دبلوماسية الرياض تستكمل عزل طهران عن طرق الحرير

تراجع فرص انضمام إيران لأضخم المشاريع الاقتصادية الآسيوية، وإسلام آباد لن تجازف بعلاقتها مع واشنطن والرياض.
الخميس 2019/02/21
التقدم بخطوات ثابتة في منطقة تعج بالمتنافسين

تراهن إيران في محاولة لإحداث نوع من التوازن لاقتصادها المتعثّر بحكم العقوبات الاقتصادية المتواترة التي تفرضها عليها واشنطن أو بفعل الضغوط الداخلية، الانضمام إلى مشروع الممر الاقتصادي الصيني - الباكستاني الذي يعد من أضخم المشاريع في منطقة الشرق. لكن مع إعراب طهران عن تحمّسها للمشاركة في هذا المشروع تصطدم رغباتها بعديد العراقيل التي تجعل حلمها يتبخّر شيئا فشيئا، خاصة مع تفضيل باكستان عدم الخروج عن حلفائها الكلاسيكيين الرياض وواشنطن.

إسلام آباد - تواجه إيران صعوبات شديدة في الانضمام إلى مشروع الممر الاقتصادي الصيني- الباكستاني الذي تصل كلفته للمليارات من الدولارات، وذلك بسبب معارضة قوية من جانب الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، حليفتي باكستان منذ فترة طويلة.

يهدف الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني إلى إنشاء طريق بري يربط بين مدينة كاشغر (في الصين) وميناء كوادر الباكستاني. وهو واحد من المشاريع الرئيسة ضمن مبادرة الحزام والطريق.

وتقدّر التكلفة الإجمالية للمشروع بـ46 مليار دولار. وتعوّل باكستان كثيرا عليه لدفع عجلة اقتصادها وخصوصا في محافظة بلوشستان الفقيرة. وللهند عدد من التحفظات على مشروع الممر، من بينها أن الطريق الجديد سيعبر الجزء من كشمير الواقع تحت السيطرة الباكستانية.

جان اشاكزاي: المملكة العربية السعودية تصنع سياسة قوية في جنوب آسيا
جان اشاكزاي: المملكة العربية السعودية تصنع سياسة قوية في جنوب آسيا

ومن العوامل التي تزيد في عزلة إيران وتبدّد آمالها في الانضمام إلى مشروع الممر الاقتصادي الصيني – الباكستاني أن كل القضايا المطروحة على أجندة زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى الهند، وكذلك زيارته إلى الصين ستقلص النوافذ الاقتصادية الإيرانية على العملاقين الآسيويين إلى جانب ما أسفرت عنه زيارته إلى باكستان.

ويرى مراقبون أن جل التصريحات الإيرانية الغاضبة من نتائج زيارة إسلام آباد تؤكّد حجم قلق طهران من توسيع التحالفات الاقتصادية والسياسية مع الدول الثلاث، والتي يمكن أن تفاقم عزلة إيران الاقتصادية في ظل العقوبات الأميركية القاسية.

ويقول جان اشاكزاي، محلل السياسات الإستراتيجية، مشيرا إلى أنه “ في الوقت الراهن، نجحت باكستان في تأمين تحالف مثالي مع السعودية، مما أدى إلى قلق الهند وجعل إيران متوترة”.

وكتب اشاكزاي، في موقع “غلوبال فيلاج سبيايس”، مؤكدا أنه للمرة الأولى، صنعت السعودية سياسة قوية في جنوب آسيا مع زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، التاريخية لباكستان أولا ثم إلى الهند.

ويضيف أن هذه السياسية تأتي مع تصاعد نفوذ باكستان الإقليمي، وطموحات إيران النووية، واستقرار العلاقات الهندية-الباكستانية، وارتفاع الطاقة الآسيوية وأسواق المستهلكين الواسعة وجهود السلام في أفغانستان، ليضيف قائلا “بعبارة أخرى، السعودية توازن وتغير حساباتها نحو محورية آسيوية، ثم أميركية”.

وكان الأمير محمد بن سلمان اختتم الثلاثاء زيارته إلى باكستان، التي أسفرت عن توقيع 5 اتفاقيات ومذكرات تفاهم بقيمة 18.5 مليار دولار، في مشاريع مشتركة تشمل قطاعات تكرير النفط والطاقة المتجددة والبتروكيماويات والتعدين.

وتشير كل المعطيات الجديدة إلى أن فرص انضمام طهران إلى مشروع الممر الاقتصادي الصيني – الباكستاني أصبحت ضئيلة جدا، وهو ما يُجمع عليه مختلف الخبراء المتابعين بصفة دقيقة لمختلف المفاوضات بشأن المشروع بين الدول المتداخلة.

وبهذا الخصوص، يعلق شهيد حسن صديقي، الخبير الاقتصادي من كراتشي، قائلا إنه “من الناحية العملية، هناك فرصة ضئيلة لإدراج طهران ضمن المشروع، حيث تواجه طهران عقوبات متزايدة باستمرار من جانب الولايات المتحدة”.

ويوضح صديقي “لم تتمكن باكستان من تنفيذ مشروع خط أنابيب الغاز الباكستاني – الإيراني، الذي تبلغ قيمته مليارات الدولارات خلال الـ25 عاما الماضية بسبب الضغط الأميركي، رغم أن طهران أكملت الجوانب الخاصة بها في المشروع منذ فترة طويلة”.

ويتابع الخبير الباكستاني “هذا الأمر كاف ليكشف عن معرفة مصير رغبة طهران في المشروع الجديد” الذي تم توقيعه عام 2014.

يتفق عبدالخالق علي، وهو محلل سياسي وأمني في كراتشي، مع وجهة النظر ذاتها. ويقول “كان من شأن مشروع خط أنابيب الغاز بين باكستان وإيران أن يلبّي مطالب الطاقة المتزايدة في باكستان، إلا أن الضغط الأميركي لم يسمح لإسلام آباد بالوفاء بالتزاماتها مع طهران”.

ممر اقتصادي صيني باكستاني
ممر اقتصادي صيني باكستاني

وسيربط الممر الاقتصادي الصيني – الباكستاني، الذي تبلغ تكلفته 64 مليار دولار، منطقة شمال غرب الصين بميناء غوادر جنوب غربي باكستان عبر شبكة من الطرق والسكك الحديدية وخطوط الأنابيب لنقل البضائع والنفط والغاز. ويوفر المشروع أقصر طريق إلى البضائع الصينية المتجهة إلى الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وأفريقيا.

في المقابل، وقّعت إيران والهند وأفغانستان صفقة بمليارات الدولارات عام 2016، لتطوير ميناء شاباهار جنوبي إيران. كما وقّعت الدول الثلاث اتفاقية عبور ثلاثية لتمديد طريق التجارة إلى العديد من الدول غير الساحلية في آسيا الوسطى.

وبهذا الخصوص، يبيّن صديقي أن “إيران بلد مهم بالنسبة لباكستان.. وسيصبّ ضمها إلى مشروع الممرّ الاقتصادي بالتأكيد في خدمة غرض الربط الإقليمي، إلا أن المشكلة هي أن الظروف الحالية ليست في صالح ذلك”.

ويرفض صديقي فكرة أن يصبح ميناء شاباهار الإيراني منافسا لميناء غوادر، قائلا إن “الميناءين ليسا بحاجة لمنافسة بعضهما، بل إنهما يكملان بعضهما البعض”.

وترتكز علاقة باكستان مع دول الخليج أساسا على المسائل المتعلقة بالاقتصاد. وتتصدر السعودية والإمارات، اللتان تستضيفان معا أكثر من 3 ملايين باكستاني، قائمة الدول التي لديها أعلى معدلات للتحويلات المالية إلى باكستان، وتساهم الدولتان بمبلغ إجمالي يناهز 9 مليارات دولار من إجمالي التحويلات المالية السنوية البالغة 20 مليار دولار، وفقا لبنك باكستان المركزي.

وقدّمت السعودية والإمارات مؤخرا حزمة مساعدات مجتمعة بقيمة 12 مليار دولار إلى باكستان، لدعم اقتصادها المتعثر وسط تراجع احتياطيات النقد الأجنبي. بالإضافة إلى ذلك، ستقوم الرياض باستثمار أكثر من 10 مليارات دولار في باكستان، وبخاصة إنشاء مصفاة للنفط في غوادر.

كما أن السعودية والإمارات هما أكبر شريكين تجاريين إقليميين لباكستان، بصادرات من السلع والخدمات، لاسيما النفط، بأكثر من 7 مليارات دولار إلى باكستان في السنة المالية الماضية.

بتجمع كل هذه المؤشرات، فإن إيران التي زادت في مراكمة خصومها بالمنطقة، خاصة عقب اتهام الحرس الثوري مؤخرا قوات الأمن الباكستانية بالضلوع في الهجوم الانتحاري الذي أوقع 27 قتيلا في محافظة أصفهان، ستزيد في عزلتها في المنطقة لتخسر بذلك أكبر رهاناتها الإقليمية القائمة على خطوة الانضمام لمشروع الممر الصيني- الباكستاني.

6