دبابة كهربائية في الطريق.. هل تستغني الجيوش عن الوقود

واشنطن - تدرس الولايات المتحدة إمكانية التخلي عن الوقود واللجوء إلى الكهرباء في تشغيل المركبات والدبابات والسفن والطائرات بما في ذلك خلال المعارك، وسط تساؤلات عن نجاح تلك الخطوة مستقبلا في ضوء التنافس بين القوى الكبرى على المعادن ومصادر الطاقة.
فهل حقا بإمكان الجيوش التخلي عن الوقود في تشغيل مركباتها ودباباتها؟ تساؤلات كثيرة ودراسات معمقة حول تلك الفكرة التي ظهرت مع تزايد الحديث عن ضرورة التخلي عن الوقود والنفط بصفة عامة لأضراره البيئية الكثيرة.
تقول مجلة “فورين بوليسي” الأميركية في تقرير لباحثين أميركيين إن وزارة الدفاع الأميركية تفكر الآن في متابعة كهربة خاصة بها على نطاق واسع، وهي أكبر مستهلك للطاقة في الحكومة الفيدرالية الأميركية.
وأطلق البنتاغون في الأشهر الأخيرة دراسات لفحص استخدام الجيش الأميركي المتزايد للكهرباء في المركبات والدبابات والسفن، ودرس إمكانية نشر مفاعلات نووية صغيرة في ساحة المعركة لتوفير الطاقة. ويفكر حلف شمال الأطلسي “الناتو” في نفس الفكرة الأميركية حول زيادة كهربة الجيوش المتحالفة معه.
وتعمل الولايات المتحدة على تشجيع كهربة قطاعات واسعة من الاقتصاد الأميركي كطريقة لاستخدام أكبر للطاقة المتجددة للوصول إلى تقليل انبعاثات الكربون. وترى مجلة “فورين بوليسي” أن تلك الخطوة ستكون لها آثار استراتيجية عميقة من شأنها أن تدفع صانعي السياسات إلى المضي قدما بحذر أكبر.
ووفقا للأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ “ليس من المنطقي وجود المزيد والمزيد من السيارات الكهربائية في شوارعنا بينما لا تزال قواتنا المسلحة تعتمد على الوقود الأحفوري فقط”.
ويرى آلان هوارد وبريندا شافير، وهما عضوان في هيئة تدريس في كلية الدراسات العليا التابعة للبحرية الأميركية، أن ما قاله أمين عام حلف شمال الأطلسي “يبدو بديهيا، لكنه قد لا يكون صحيحا”. وقالا إنه “في كل مرة يشهد فيها الجيش تغييرا كبيرا في نظام الطاقة الذي يعتمده، تتبع ذلك تداعيات جيوسياسية هائلة”.
ويوضح الباحثان، اللذان يعملان على كتاب عن الطاقة التشغيلية لوزارة الدفاع الأميركية، أنه “عندما اتخذ رئيس الوزراء البريطاني السابق ونستون تشرشل قرارا بنقل المصدر الرئيسي للوقود للبحرية الملكية البريطانية من الفحم إلى النفط، أدرك أن للقرار آثارا استراتيجية مهمة، حيث يمكن للبحرية الملكية البريطانية التي يغذيها النفط، تغطية مسافات أكبر دون التزود بالوقود وبسرعة أكبر. ومع ذلك، ستعتمد لندن إلى حد كبير على النفط المنتج في الخارج مقابل الفحم المحلي”.
مصادر الطاقة

يعد مزيج الطاقة في الولايات المتحدة متنوعا بشكل جيد اليوم: النفط والغاز الطبيعي والفحم والطاقة النووية والطاقة المائية والوقود الحيوي وطاقة الرياح والطاقة الشمسية.
ويرى الباحثان آلان هوارد وبريندا شافير أن التنويع في مجال الطاقة يبقى عنصرا أساسيا في أيّ سياسة لأمن الطاقة وحجر زاوية لمرونة النظام. ومن خلال الاعتماد بشكل أكبر على الكهرباء وتنظيم توليده بطرق تتخلص من الوقود الأحفوري تدريجيا، سيتقلص عدد مصادر الطاقة الرئيسية المستهلكة على نطاق واسع في الولايات المتحدة إلى مزيج أقل تنوعا حتما.
وقالا إن ذلك “سيجعل الولايات المتحدة أكثر اعتمادا على الجهات الأجنبية، مع إنتاج الجزء الأكبر من إمدادات الطاقة المستهلكة حاليا في الولايات المتحدة محليا. ويمكن أن تزود الولايات المتحدة كل احتياجاتها من النفط والغاز الطبيعي والفحم وكذلك اليورانيوم للطاقة النووية”.
وتعني سياسة الاعتماد على الكهرباء بشكل أكبر أن الولايات المتحدة ستحتاج إلى استيراد المعادن اللازمة لأنظمة الكهرباء. ويوجد الجزء الأكبر من هذه المعادن في الصين والبلدان التي تلعب فيها بكين دورا مهيمنا في اقتصاداتها وبنيتها التحتية. لكن الوقود الأحفوري متوفر بكثرة ويوجد في أماكن متنوعة حول العالم. ولم يعد هناك سباق جيوسياسي لوضع الأعلام على حقول النفط والغاز لأن هناك ما يكفي للجميع.
ويتوقع الباحثان أن يؤدي اعتماد اقتصاد الطاقة المتجددة الأوسع نطاقا على تربة نادرة محدودة ومعادن أخرى إلى إطلاق لعبة تتطلب اهتمام الحكومة الأميركية. وقالا إن “الولايات المتحدة تدرس منح حوافز للتعدين المحلي لتقليل الاعتماد على المعادن المستوردة، وإن البلاد قد تنتقل قريبا من تعدين الفحم إلى تعدين الليثيوم، لتعوّض تهديدا بيئيا بآخر”.
نقاط ضعف
آلان هوارد وبريندا شافير: هناك ضرورة للتفكير في نقاط ضعف ساحة المعركة العسكرية المكهربة
يزيد التركيز المتصاعد على نظام الطاقة في الولايات المتحدة على إنتاج الكهرباء من احتمالية وقوع هجمات إلكترونية، حيث كلما كان نظام الطاقة أكثر ترابطا، زاد تعرضه للتهديدات الإلكترونية الشديدة. كما أن لمحطات الطاقة الكهرومائية والنووية على الرغم من أنها تصدر القليل من الكربون نقاط ضعف سيبرانية كارثية محتملة لا تؤدي فقط إلى فقدان إنتاج الطاقة ولكن إلى استغلال المصنع، مما قد يؤدي إلى فيضانات هائلة أو التعرض للإشعاع.
ودعا الباحثان، في تقريرهما الذي نشرته مجلة “فورين بوليسي” الأميركية، الولايات المتحدة إلى وضع استراتيجيات حول طرق مكافحة نقاط الضعف المتعلقة بالهجمات السيبرانية، كما أكدا في الوقت نفسه على أن “القفز بسرعة إلى المساهمة في نقاط الضعف تلك عن طريق إلغاء تنويع مزيج الطاقة سيكون بمثابة حماقة كارثية”.
ويقول هوارد وشافير إن هناك ضرورة للتفكير في نقاط الضعف المحددة التي تشكلها ساحة المعركة العسكرية المكهربة، حيث كلما زاد اعتماد معدات الجيش الأميركي وبنيته التحتية وأفراده على الكهرباء، زاد تعرضه للهجمات الإلكترونية من الجيوش الأجنبية.
ويتمتع خصوم الولايات المتحدة بقدرات كبيرة مثبتة في الفضاء الإلكتروني، ويعتبر بعضها متفوقا على قدرات واشنطن. كما سيؤدي الاستخدام الأكبر للكهرباء في ساحة المعركة إلى زيادة تعرض القوات الأميركية للمراقبة الأجنبية.
ويتوقع أن تكون مسألة خطوط الإمداد معقدة بسبب الكهربة أيضا، حيث تشتري الولايات المتحدة جل الطاقة التي يستخدمها الجيش الأميركي اليوم من الكيانات التجارية مع تسليمها على طول خطوط الأنابيب المدنية ووسائل النقل.
ويرى الباحثان أن تلك الأمور ستؤدي بالفعل إلى “تعقيد المهام في مناطق بعيدة عن الولايات المتحدة ودول الناتو، حيث يمكن تقييد الوصول إلى الوقود من الدول الصديقة”.
وقالا إن “الوصول إلى الكهرباء في المعركة سيكون أكثر صعوبة لأن خطوط الكهرباء تكون فعالة على مسافات قصيرة فقط، لكن المخاطر كبيرة إذا وجد المرء نفسه بعيدا جدا عن دولة صديقة. كما ستصبح خطوط الكهرباء هذه، إن وجدت، أهدافا سهلة لخصوم الولايات المتحدة”.
وسيخلق الوقت اللازم لشحن البطاريات مقابل التزويد بالوقود السائل قيدا إضافيا على الجيش. فعلى الرغم من أنه يمكن إعادة تزويد الطائرات والمركبات البرية بالوقود في غضون دقائق، إلا أن شحن بطارياتها قد يستغرق ساعات.
ويرى الباحثان أن كهربة الولايات المتحدة قد تؤدي إلى العديد من الآثار الإيجابية، لكن الأمر يستحق التدقيق في تأثيره البيئي النهائي قبل توسيع الانتقال ليشمل جميع قطاعات الاقتصاد.
وتتطلب أنظمة الكهرباء كميات كبيرة من الموارد والمعادن التي يتم تعدينها، حيث توجد مصادرها الرئيسية في البلدان التي تسبب ممارسات التعدين فيها بأضرار بيئية كبيرة ويتم تشغيلها بواسطة الكهرباء التي ينتجها الفحم أو النفط الثقيل.
ويرجّح أن تقضي عملية التعدين على العديد من الفوائد البيئية المحتملة لانتقال الطاقة إلى الكهرباء. كما سيخلق التحويل من مزيج متنوع من الطاقة الأميركية إلى مزيج يركز على الكهرباء العديد من التهديدات الجديدة للولايات المتحدة، بما في ذلك جيشها. ويعدّ هذا مهما بشكل خاص بالنظر في سياق المنافسة مع الصين، والتي ستكون لها ميزة هائلة في عصر الجديد للطاقة. وتستدعي هذه التهديدات الجديدة مناقشة عامة أوسع قبل أن يتوجه البنتاغون إلى الكهرباء.