"داعش" يبرر سلوكه الدموي باستدعاء قصص الغلو من كتب التاريخ

الممارسات الدموية التي ينتهجها داعش من قتل وإحراق وتنكيل ببني البشر تجد لها سندا تاريخيا في الروايات التي تحويها كتب التاريخ والتفاسير الواقعة تحت سطوة الإسرائيليات التي شكلت في فترة معينة الذهنية العربية الإسلامية في التعامل مع الوقائع التاريخية وفي نحت الوعي الديني قديما والآن أيضا نظرا لعملية التأثير والتأثر بين المتلقي والنصوص التراثية دون إخضاعها لمنطق التمحيص والنقد.
الممارسات الأخيرة التي تقوم بها “الدولة الإسلامية في سوريا والعراق” أظهرت بعدا أساسيا من أبعاد الوعي الديني لدى السلفيين الجهاديين، وهو البعد المتعلق بإشكالية تلقّي التاريخ الإسلامي، كما هو مدون في بطون كتب المؤرخين. هذا بعد منسي في التعامل مع ظاهرة السلفية الجهادية في هذا العصر، وغالبا ما تتم الإشارة إليه عرضا فقط دون الوقوف عنده بما يليق من تمحيص.
بيد أن هذه القضية لا تقتصر فحسب على هذا التيار، بقدر ما هي ظاهرة مبثوثة في الوعي الإسلامي، أو في الجانب اللاواعي منه؛ والجانب اللاواعي، كما هو معروف في الأدبيات السوسيوـ سيكولوجية، هو الأكثر بعدا عن النقد والمراجعة، لأن لا أحد يجرؤ على النبش فيه، باعتباره يعبر عن المشترك العام، وهذا المشترك العام يقوم بترحيله إلى اللاوعي الفردي فقط على سبيل الإعارة دون حقّ التصرف فيه.
يلجأ تنظيم”داعش” إلى التاريخ لتبرير السلوك الدموي الذي ينهجه؛ ولأن أصحاب هذا التوجه لا يأبهون لتمحيص الأدلة فإنهم يعتبرون أن كل ما تحويه كتب التاريخ الإسلامي القديم تستحق أن تُلحق بكتب الصحاح. وفي الثقافة العربية الإسلامية التقليدية التي بنيت على النقل وسلسلة الرواة أصبحت للتاريخ المروي سلطة مرجعية موازية لسلطة الحديث، طالما أن المنهجية في الاثنين واحدة، وهي النقل عن الرواة. وبالرغم من أن علم الحديث تطور في القرون التالية وصارت هناك قواعد للنقد، إلا أن التاريخ الإسلامي ظل مغلقا أمام أي محاولة للتصحيح.
لقد اهتم المسلمون، في ما يتعلق بالتاريخ المكتوب، بما يسمى “الإسرائيليات”، وهي الأمور التي دُست في كتب التاريخ الإسلامي.
الأخطر من ذلك اليوم، مع تزايد أعداد الدعاة الذين يملأون الفضائيات، أن التاريخ يصبح رواية شفوية تروى بحسب المزاج، إذ يشرع “الداعية” في التشخيص والتصوير لبعض الوقائع الممجوجة وكأن ما يقوله نص موحى به.
لنأخذ واقعة شهيرة هي واقعة خالد بن الوليد ومالك بن نويرة. هناك رواية معتدلة لهذه القصة الغريبة في “البداية والنهاية” لابن كثير، وهي رواية لا يمكن الاطمئنان إليها كليا، لأن ابن كثير في تفسيره لم يسلم من الإسرائيليات وهو يفسّر القرآن، فكيف يسلم منها وهو يكتب تاريخا؟ ولكن حتى هذه الرواية تتعرض للتحريف على ألسنة الدعاة، وخاصة من السلفيين. تقول إحدى الروايات إن خالدا قتل بن نويرة و”زنى” بزوجته ـ نعم، هكذا!ـ لأنه مرتد. ويقول بعضهم إن خالدا انتظر العدة قبل أن يبني بزوجة المقتول، لكن آخرين يقولون إنه دخل بها من ليلته.
مثل هذه الوقائع، كما كتب الشيخ محمد الغزالي مرة، يريد توريط التاريخ الإسلامي في عمل إجرامي لتنفير الناس من الدين. إذا كان داعية ينظر إلى تاريخ الإسلام بهذه الطريقة، أفلا يكون شخصا ذا نوايا إجرامية من الأصل؟
لقد كان الاعتقاد السائد أن التاريخ الإسلامي متشابك ومتضارب، ولذا من الخير أن يبقى كما هو، لأنه مجرد قصص، والقصص ليست مصادر للأحكام، ولكنها رؤية خاطئة تغفل العلاقة المتينة بين الفقه والتاريخ.