داعش وحلم إسلاميي تركيا في إحياء الإمبراطورية العثمانية

الوطن العربي ليس بعيدا عن مرمى الطمع التركي في استرجاع أيام الإمبراطورية العثمانية التي كانت جاثمة على صدور العرب في زمن ما قبل الاستعمار الغربي، بل إن المجال العربي يمثل قلب الهدف الاستراتيجي لخلفاء تلك الإمبراطورية الحاكمين الآن، أردوغان وحزبه. ولن تكون الأداة ناجعة في استمالة عناصر سياسية من داخل الأمة العربية إلا إذا كانت الأداة الدينية، نقطة الضعف التاريخية للعرب. فمن خلالها يمكن التلاعب بجماعات الإسلام السياسي والإسلام الحركي المسلح بخيوط غير مرئية.
الأربعاء 2015/12/09
إمبراطور أحلام اليقظة

تستخدم السلطة التركية بقيادة حزب العدالة والتنمية الإسلام السياسي في الوقت الحاضر كورقة للتغطية على تحقيق إعادة إحياء حلم الإمبراطورية العثمانية القديم، ولتحقيق هذا الحلم بدأت مسارا جديدا بإدخالها فوج مشاة مع فوج آلي مدرع من جيشها، إلى الأراضي العراقية، وانتشارهما في منطقة بعشيقة 30 كم عن الموصل قبل أيام قليلة، مخترقة بذلك جميع الأعراف والقوانين الدولية حول استقلال الدول، وحرمة أرض كل دولة في العالم.

وبالطبع هذه القوات التي دخلت الحدود العراقية دون موافقة حكومة المركز العراقية لن تقاتل داعش بل جاءت لتعزيز دور ميليشيات مشكوك في ولاءاتها، وسلّحتها تركيا، ويدربها منذ أكثر من سنة مستشارون أتراك، وهي ستكون البديل "بتخطيط الأتراك" لداعش في حال دحرهم الجيش العراقي أو القوات الحليفة أو انسحبوا بسب الضغوط عليهم إلى الأراضي السورية، وهذه القوات التركية هي أيضا حصان طروادة التركي في الموصل مستقبلا.

الإسلام السياسي الذي اتخذه أكبر أحزاب تركيا كمنهج له، والذي يحكم أردوغان باسمه تركيا، يؤمن بفكرة إشاعة الأراضي للأتباع، وتكفير فرق المسلمين، وإشاعة تحقيق حاكمية الله على الأرض، وهو ذاته ما روج له الفكر الداعشي، ويحلم بضرورة عودة الخلافة العثمانية.

وكما يجيز داعش لنفسه تهجير واستباحة أموال وأعراض كل من لا يدين بدينه ويتبع منهجه المتعصب، فهو من جهة ينادي بحاكمية الله لكنه يطعن في صميم قول الله تعالى "لا إكراه في الدين" و"ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن".

وليس الأمر جديدا على الفكر الذي جاء بتنظيم الدولة الإسلامية، فقد جاء الإعلان عن ذلك بسنة على الأقل قبل احتلال مدينتي الرقة في سوريا والموصل في العراق من قبل هذا التنظيم الإرهابي.وجاء ذلك عبر إعلام منظم وواسع، انطلق في كل وسائل التواصل عبر الإنترنت، باستخدام الإيميل وشبكات التواصل الاجتماعي، وعبر الدعاة المتشددين في الجوامع سواء في الدول العربية، والإسلامية أو في الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية.

ما فعلته تركيا مؤخرا في العراق أشر على تاريخ طويل من التآمر التركي لاقتطاع مناطق عربية وأضافتها إليها

وكانت دعاية تلك الرسائل والمنشورات تصب في مشروع “إعادة إحياء السلطنة العثمانية” إلى الوجود مرة أخرى. وقد اتخذ رواد حلم السلطنة العثمانية من فكر السيد قطب وما جاء في كتابه “معالم على الطريق” مرجعا لهم، وهو المرجع الذي أشار إلى أن المجتمعات المعاصرة بما فيها المجتمعات الإسلامية ارتدت إلى العصر الجاهلي. ولم يكتف بذلك بل كفر الحكومات القائمة في الدول الإسلامية وحرم العمل السياسي في ظلها أو المشاركة معها في الحكم، وأفتى بوجوب الجهاد ضدها، وكفر حب الوطن لدى مواطنيها.

ولم يمض زمن طويل على تلك النداءات حتى تحولت من جماعات دعوية إلى جماعات مسلحة تريد تحقيق ذلك الحلم بقوة السلاح، مستفيدة من الربيع العربي في الكثير من البلدان العربية، وهشاشة الأوضاع الأمنية فيها كتونس ومصر وليبيا والجزائر واليمن وسوريا بعد العام 2011. وتبنت جماعات الإخوان المسلمين هذا الحلم السياسي لبعث فكرة السلطنة الإسلامية، على غرار الخلافة العثمانية، فاتخذت الجماعات الداعية إليه طروحات سيد قطب المشار إليها.

من هنا تبدأ نقطة الالتقاء التي وجدها الإخوان المسلمون مع ما يريده أردوغان رئيس الوزراء التركي بالدعوة إلى التوسع التركي في أرض العرب والمسلمين، وما فعلته تركيا مؤخرا في العراق أشر على تاريخ طويل من التآمر التركي لاقتطاع مناطق عربية وأضافتها إليها، كاقتطاعها لواء الإسكندرون السوري سابقا، ومحاولتها في العهد الملكي العراقي ضم محافظة الموصل إليها، ومحاولاتها الجديدة لضم مدينتي الموصل وكركوك، ومناطق شاسعة من سوريا تمتد إلى عمق ثلاثين كيلومترا، وبطول أكثر من تسعين كيلومترا وضمها إلى تركيا عبر شتى الذرائع.

ومن بين تلك الذرائع المنطقة العازلة في سوريا لمنع الأكراد من إقامة كيان مستقل يهدد تركيا، وذريعة الدفاع عن المواطنين العراقيين من أصل تركي أو من يسمون بـ”التركمان” في مدينتي كركوك والموصل، ومناطق عراقية تابعة لإقليم كردستان محاذية للحدود التركية، وقريبة من المثلث الحدودي بين العراق وإيران وتركيا.

13