داعش أفريقيا.. فرع قوي أم دعاية لخلق بوابة بديلة للإرهاب

هل تحوّل واشنطن وجهتها نحو أفريقيا بعد سوريا وأفغانستان، وبوكو حرام تتمرد على تكتيكات داعش متبعة خطى القاعدة.
السبت 2019/04/06
الخطر باق

وجّهت القوى العالمية المكافحة للإرهاب نيرانها في الأربع سنوات الأخيرة لضرب داعش في أبرز معاقله في سوريا والعراق، ولئن نجحت في هذه المهمة مؤخرا بعد القضاء على آخر فلول التنظيم المتطرف في سوريا، لكن كل هذه النجاحات العسكرية لم تنه بصفة تامة وجود التنظيم أو التخوفات من الأشكال الجديدة التي قد يُطل بها مرة أخرى وفي مناطق مغايرة، لينصب كل الحديث مؤخرا عن بداية زحف مقاتلي داعش إلى أفريقيا وخاصة إلى شمال القارة، ما يدفع وجوبا إلى التساؤل عن التركيز اللافت حول هذه الظاهرة وعن المخاطر التي قد تلقي بظلالها على أمن القارة السمراء وأمن العالم.

باماكو - نجحت قوات سوريا الديمقراطية مدعومة بقوات أميركية في كسر شوكة داعش في سوريا، ليتم الإعلان عن نهاية التنظيم الذي روّع أمن المنطقة والعالم طيلة سنوات، لكن الأخبار الجديدة تأتي من غرب أفريقيا حيث نجحت تنظيمات بين الأحد والخميس الماضيين في قتل 62 شخصا في بلدة آربيندا في شمال بوركينا فاسو قرب الحدود مع مالي.

مثل هذه الأنباء، التي تؤكّد ما قدّمته تقارير متواترة عن تزايد قوة التنظيمات الإرهابية في القارة الأفريقية وخاصة محاولة بقايا داعش البحث عن ملاذات جديدة تمكّنها من إعادة ترتيب أمورها، تستدعي الوقوف عند هذه التحوّلات وخاصة في ما يتعلق بتركيز قوى دولية مثل الولايات المتحدة على هذه المتغيّرات في منطقة تعج بصراعات بالجملة خاصة في شمال القارة.

تحذيرات دولية

مايك بومبيو: مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية سيزحفون من سوريا إلى دول أفريقية
مايك بومبيو: مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية سيزحفون من سوريا إلى دول أفريقية

ليس جديدا، على القارة الأفريقية أن تكون ساحة ملتهبة بنيران التنظيمات الإرهابية، فعلى مدار عقود كانت بعض دولها حاضنة لعدة تنظيمات مثل جماعة بوكو حرام في نيجيريا وأنصار الدين في مالي وشباب المجاهدين في الصومال، أو تنظيم القاعدة في شمال أفريقيا أو كذلك في مالي والنيجر وموريتانيا، لكن المطروح اليوم وبقوة ليس تناول الجانب التاريخي لتغلغل هذه الجماعات بل هو تركيز الضوء على تواتر التقارير الغربية وخاصة الأميركية المحذرة من أن تصبح القارة السمراء البوابة الخلفية لتنظيم داعش المهزوم في منطقة الشرق الأوسط.

منذ أن أعلنت واشنطن، عن نهاية داعش في سوريا وخاصة بعد طلبها المتكرر بوجوب إعادة المقاتلين إلى بلدانهم الأصلية، كثفت من تحذيراتها من أن تكون أفريقيا الملجأ المناسب للتنظيم المتطرف الساعي لتنشيط فروعه لإحياء الروح في جسده المتشظي.

هذه التصورات لا تخفيها الولايات المتحدة، حيث أكد وزير خارجيتها مايك بومبيو مؤخرا أن مقاتلي داعش سيزحفون من سوريا إلى دول أفريقية. ولفت إلى أن مقاتلي التنظيم يحاولون منذ فترة الهروب والتمركز في أفريقيا، وخصّ بالذكر شمال ليبيا كوجهة أولى.

يذهب البعض إلى أن تأكيد هذه التحذيرات يصب في خانة عمل واشنطن التي تقود التحالف الدولي ضد داعش، لكن تفسيرات أخرى تشير إلى أن ما تقدمه الولايات المتحدة معلوم، وإلى أن تركيزها اللاّمتناهي حول هذه النقطة لا يخرج عن سياقات محاولتها الساعية لتوظيف المسألة للتمركز في أفريقيا ومنافسة قوى أخرى كفرنسا وإيطاليا خاصة في دول شمال أفريقيا.

ويعيد كل الحديث عما تواتر من معطيات أكدتها وسائل إعلام أميركية وفي مقدّمتها “نيويورك تايمز″ التي أكدت أن قوات من المارينز الأميركي شاركت في عملية أمنية سرية على الحدود التونسية الجزائرية عام 2017 ضد عناصر تنظيم القاعدة في عملية شاركت فيها عناصر من الجيش التونسي.

هذا التركيز اللافت على استراتيجيات فروع داعش في القارة الأفريقية تناوله بالشرح، تقرير نشره موقع “فورين بوليسي” الأميركي الذي شدد على أن تنظيم داعش يتبع خطى القاعدة في أفريقيا.

ويستدل التقرير على ذلك بتأكيده أن جماعة بوكو حرام في نيجيريا- التي بايعت تنظيم الدولة الإسلامية لتصبح فرعا منه- تستلهم من تجربة الجماعات المتطرفة الأخرى، مسببة كارثة في حوض بحيرة تشاد.

ومع احتضار الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، يشدد التقرير على أنه حان الوقت للنظر في أوضاع الفروع التابعة له في أنحاء أخرى من العالم ودراسة استراتيجياتها باعتبارها المجموعات التالية من التهديدات العالمية التي يتعين التصدي لها.

وبعيدا عن الهزيمة، تزداد قوة فرع التنظيم في غرب أفريقيا. ومن الواضح أن المجموعة المنشقة، التي انفصلت عن بوكو حرام في عام 2016، تعمل بشكل مختلف عن المنظمة التي أقسمت بالولاء لها.

وتكتسب جماعات داعش في غرب أفريقيا قوتها في منطقة حوض بحيرة تشاد (الممتدة من نيجيريا إلى تشاد والنيجر) باتباع النهج الذي عزز التنظيمات المتوافقة مع منافس تنظيم الدولة الإسلامية الرئيسي، تنظيم القاعدة.

وعلى عكس داعش في منطقة الشرق الأوسط، فإن فروعه في أفريقيا تمكنت عبر تفضيلها النهج الذي اتبعه المنتسبون الآخرون للقاعدة، مثل جبهة النصرة في سوريا وحركة الشباب المجاهدين الصومالية، تجنب نقاط ضعف تنظيم الدولة الإسلامية وخاصة في ما يتعلق بالاستمرار مهما حدث لقادتها.

وبينما ركزت الدولة الإسلامية على افتكاك الأراضي في المناطق التي تنشط بها، حاولت بوكو حرام تأسيس مفهوم الاشتراك في الأراضي بدلا من القتال لكسب مساحات ومحاولة التمسك بها عبر الحكم الوحشي، كما فعل داعش في بلدات عراقية مثل الفلوجة والموصل.

إقتداء بالقاعدة

بوكو حرام آخر أذرع داعش القوية
بوكو حرام آخر أذرع داعش القوية

ركزت فروع داعش في غرب أفريقيا، مثل الجماعات التابعة لتنظيم القاعدة، على تنمية العلاقات مع المجتمعات المحلية والاستفادة من هذه الروابط لخلق تأثير أوسع على المحيطين بها.

ويؤكد موقع “فورين بوليسي” أن مجموعة جبهة النصرة وتركز على إنشاء علاقات مع جماعات المجتمع المدني والسياسي في سوريا. وبنفس الطريقة تقدم حركة الشباب في الصومال، خدمات اجتماعية لكسب دعم الصوماليين.

ولاستقطاب مقاتلين جدد، قدّم فرع داعش في غرب أفريقيا قروضا لأصحاب المشاريع الشباب في المنطقة. وبنفس الطريقة التي تطرقت فيها القاعدة إلى الحروب في اليمن وسوريا، خاض الفرع نزاعا في شمال شرق نيجيريا بين رعاة الماشية المسلمين من الفولاني والمزارعين المسيحيين.

ويشدد التقرير على أنه بات من الضروري لمواجهة فرع التنظيم في غرب أفريقيا، فهم استراتيجياته، مقدما بعض المعطيات التاريخية التي انتهجتها جماعة بوكو حرام التي بايعت في 8 مارس 2015، تنظيم الدولة الإسلامية، على لسان زعيم بوكو حرام أبوبكر شيكاو.

ويعرف شيكاو بعنفه الشديد إلى درجة ابتعاد بعض حلفائه الإسلاميين السابقين عنه. ولم يكن متعاونا مع تنظيم الدولة الذي بايعه، فقد رفض الامتثال للتعليمات ما أثار استياء قيادة داعش وأعلن أبومصعب البرناوي زعيما جديدا. وقد تعهد الأخير بمواصلة القتال ضد حكومات دول غرب أفريقيا. لكن رغم ذلك، بقي أحد الفصائل مواليا لشيكاو وتحمل فقدان دعم الدولة الإسلامية.

كما بحث البرناوي على الدعم من شخصيات مألوفة عرفها في أيامه الأولى في بوكو حرام. ارتبط العديد منها بتنظيم القاعدة. منذ البداية، أعلن البرناوي أنه سيحدث تغييرات كبيرة. على عكس شيكاو، الذي اكتسب سمعة سيئة بسبب استهدافه للمسلمين الذين لم يوافقوا على رؤية بوكو حرام لمستقبل نيجيريا، وأكد أنه سوف يمتنع عن استهداف المسلمين.

وفي خطابه الافتتاحي، تحدث عن حاجته إلى الدعم المحلي، لشنّ حرب ضد نيجيريا والغرب. وعلى الرغم من أن فرع الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا لم يؤكد ذلك، راجت أخبار تفيد بأن القيادة المركزية للدولة الإسلامية قد جردت البرناوي من منصبه في مارس ضمن انقلاب هادئ.

Thumbnail

ويؤكّد الخبراء أن تواصل بقاء جماعات تنظيم داعش في غرب أفريقيا هو متأت بالأساس من اقتداء الفرع بتجارب الجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة.

وعلى عكس داعش الذي مني بهزيمة في الشرق الأوسط، استمرت الجماعات الإسلامية التابعة للقاعدة التي تنشط مثلا في الجزائر جنوب شرق البلاد على الرغم من أن زعيمها أبوبكر بشير محتجز منذ 2010 للاشتباه بارتباطه بالإرهاب.

كما تواصل نشاط جماعة أنصار النيجيرية الإسلامية المنشقة عن جماعة بوكو حرام بعد أن أعلن الجيش النيجيري اعتقال زعيمها خالد البرناوي. في المقابل، بعد مقتل الأعضاء المؤسسين لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، تدهورت المجموعة، حيث تركت شخصيتان فراغا لم يتعاف التنظيم منه بعد، هما أبومحمد العدناني وزعيم التنظيم، أبوبكر البغدادي، لتظهر في غياب قيادة مركزية، انقسامات بين خلايا الجماعة الإرهابية.

وفي خضم هذه التحولات، فإن فرع داعش في أفريقيا مازال يصارع رغم نهاية قبضة التنظيم في معاقله بالشرق الأوسط مستفيدا من خطوات تنظيم القاعدة، وكل هذا يوحي بأن أفريقيا ربما ستكون ساحة حرب جديدة وبديلة لعدة قوى منها الولايات المتحدة التي تعتزم سحب قواتها من سوريا وأفغانستان بعقدها محادثات مع حركة طالبان.

6