خوزستان غنية بالنفط.. والحرمان

سيطرت طهران على ثروات خوزستان من نفط وغاز وأراض زراعية. ونفذت الحكومات الإيرانية المتعاقبة خطة شاملة لمحو الهوية الأحوازية.
الثلاثاء 2018/09/25
نيران كثيرة تستعر تحت الرماد

الأحواز (إيران) - عند الحديث عن الأقليات الغاضبة في إيران غالبا ما يتصدر المشهد الأكراد. وترتبط صورة الأكراد أساسا بالغضب المسلح، في حين أن هناك أقليات أخرى في إيران تعاني في صمت، منذ سنوات طويلة، من هضم حقوقها المادية والمعنوية، من هذه الأقليات عرب الأحواز، المحرومون من كل شيء رغم أن منطقتهم الواقعة في جنوب غرب إيران، تعوم على ثروات هائلة.

في السنوات الأخيرة على صوت سكان الأحواز (عربستان)، وبدأ يسمع بشكل كبير.  إلا أن السلطات الإيرانية تعاملت مع هذا الغضب بسياستها التقليدية القمعية، ما أدى إلى انفجاره مؤخرا في شكل مظاهرات تطورت إلى تبني حركة النضال العربي لتحرير الأحواز، الهجوم على عرض عسكري للحرس الثوري الإيراني في محافظة خوزستان.

 

يعكس رد النظام الإيراني على الهجوم الذي شهدته محافظة خوزستان، غرب البلاد، السبت خلال استعراض عسكري للحرس الثوري، مدى القلق الذي انتابه نظرا لحساسية المنطقة وخصوصيتها؛ فالأحواز التي يحدها من الغرب العراق ومن الجنوب الخليج العربي وبحر عمان من الشرق ومن الشمال إيران بحدود جبال زاغروس، قنبلة موقوتة، بسبب قمع النظام لسكانها، وانفجارها قد يؤدّي إلى فقدان طهران منجم ذهب لا يقدّر بثمن.

وترجح طهران فرضية تورط “انفصاليين عرب” في الهجوم. في المقابل، اتهمت الجبهة الديمقراطية الشعبية الأحوازية، فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني بالوقوف وراء الهجوم الدامي.

رغم التضارب في الجهة التي نفذت العملية التي راح ضحيتها 24 شخصا، إلا أنها تأتي لتسلط الضوء على التحركات الأحوازية، التي وصلت حد الحديث عن مسعى من عرب الأحواز إلى التقدم بملف لطلب الانفصال عن الدولة الإيرانية إلى الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية.

وكان عارف الكعبي رئيس اللجنة التنفيذية لإعادة شرعية دولة الأحواز، أشار في حديث سابق إلى “العرب” إلى “أننا مستعدون لنقل المعركة إلى العمق الإيراني”. وقال الكعبي إن “مقاومة الشعب الأحوازي وصموده أفشلا الكثير من المخططات الفارسية، إذ تعاقبت الثورات والانتفاضات طيلة عقود الاحتلال التسعة وتركزت على تشكيل مجاميع ثورية على اﻻرض ونفذت عمليات فدائية ضد الإيراني المحتل واستهدفت مراكز مهمة ومنشآت ومازالت تمارس عملها بشكل مستمر”.

إذا تأكد فعلا قيام المنظمة الأحوازية بالهجوم، فلن تكون المرة الأولى التي يتطور فيها غضب الأحوازيين إلى ردة فعل تتجاوز المظاهرات ورفع اللافتات. ففي سنة 2005، هزت المحافظة صدامات دامية وتفجيرات عدة. واتهمت طهران بريطانيا والولايات المتحدة بدعم الاضطرابات.

وقبل ذلك بسنوات، احتجز انفصاليون من الأحواز 26 شخصا رهائن في السفارة الإيرانية في لندن. وتعود هذه الحادثة إلى سنة 1980، وقد كان حينها عرب الأحواز مدعومين من نظام صدام حسين. واقتحمت قوات خاصة بريطانية السفارة بعد حصار استمر ستة أيام وقتل إثنان من الرهائن وخمسة من الخاطفين.

وكانت خوزستان أيضا إحدى أبرز ساحات المعارك الرئيسية في الحرب بين إيران والعراق (1988-1980) . وعبر الآلاف من الأحواز الحدود إلى العراق أثناء الحرب وأعطيت لبعضهم أراض لكنهم لم يعودوا موضع ترحيب في ظل حكومة عراقية موالية لإيران.

سكان خوزستان يشكون بشكل منتظم من لامبالاة السلطات في طهران حيالهم وعدم الاستفادة من عائدات النفط بينما يعانون من التلوث الناجم عن استغلاله

كانت الأحواز مشيخة تتمتع بحكم شبه ذاتي حتى عام 1925 عندما أصبحت تحت سيطرة الحكومة الإيرانية بعد صفقة بين الفرس والسلطنة العثمانية. وغير الفرس اسمها إلى خوزستان. وغيروا الأحواز إلى “الأهواز” ضمن ما يصفه الأحوازيون بأنه حملة منظمة لتغيير هويتها.

ويجاور الخليج هذه المنطقة التي يقطنها العرب بشكل رئيسي وأيضا اللور، وهم مجموعة أخرى من الأقليات، وكبرى مدنها الأحواز. وتقع معظم حقول النفط الإيرانية في هذه المحافظة التي مثلت وحدها أكثر من ثلثي الإنتاج الإيراني من الذهب الأسود عام 2016. لكن، يشكو سكانها بشكل منتظم من لامبالاة السلطات حيالهم وعدم الاستفادة من عائدات النفط.

وتمارس السلطات الإيرانية تعتيما كبيرا على ما يجري داخل الأقاليم، وتسلّط على الأقليات الغاضبة يد الحرس الثوري أينما وجدوا من شمال البلاد، حيث الحدود الإيرانية مع تركمانستان وأذربيجان، إلى الغرب المضطرب مع العراق وتركيا، فالشرق حيث تطل على أفغانستان وباكستان.

وسيطرت طهران على ثروات خوزستان من نفط وغاز وأراض زراعية. ونفذت الحكومات الإيرانية المتعاقبة خطة شاملة لمحو الهوية الأحوازية.

وحرمت الأهالي من الدراسة بلغتهم الأم (العربية) وغيّرت أسماء المدن إلى الفارسية. ومنعت أي أنشطة ثقافية عربية. وعوقب النشطاء بالسجن والتعذيب حتى الموت. كما تشهد المنطقة تدهورا بيئيا قاتلا.

وتعاني سهول خوزستان التي كانت خصبة في الماضي، من الجفاف والعواصف الرملية التي تهب من البلدان المجاورة، في ظاهرة طبيعية تزداد اتساعا منذ خمسة عشر عاما. 

وفي مطلع يوليو الماضي، شهدت عبادان، المدينة التوأم لخورمشهر، أياما من الاحتجاجات العنيفة تنديدا بتلوث المياه ونقصها بسبب قيام النظام في طهران بتحويل مجرى نهر الكارون نحو أصفهان والمدن الفارسية.

وأكّد خبراء في الكثير من المناسبات أن الأقليات قنبلة موقوتة، وتواصل الضغط عليهم سيولّد انفجارا خطيرا في إيران. لذلك حاول الرئيس الإيراني الحالي حسن روحاني استمالة الأقليات خلال حملته الانتخابية، مؤكدا على الدور الفاعل للأقليات الدينية في تقرير مصير إيران، إلا أنه سرعان ما تبدّد.

7