خوارزميات المساعدات تشبه نظام يانصيب عشوائيا

مع التطور التكنولوجي ازداد أمل الفقراء في أن تنصفهم الخوارزميات المعتمدة في نيل نصيبهم من المساعدات بعيدا عن الفساد السياسي والمحسوبيات، خاصة وأن المشروع ممول من البنك الدولي، لكن معاناتهم مازالت قائمة على اعتبار أن التطبيق المعتمد لا يخضع لتحيين المعطيات التي تمكنهم من الرعاية الاجتماعية.
بيروت/القاهرة - تعيش أسماء إبراهيم العاطلة عن العمل في كوخ ضيق في محافظة عكار شمال لبنان، وهي لا تعرف سبب حرمانها من إعانة الرعاية الاجتماعية المخصصة لأشد الناس فقرا في البلاد. هذه الإعانة التي من شأنها أن تحمي أطفالها الخمسة من الجوع.
وقالت عبر الهاتف “لا يتلقى المحتاجون أي شيء”، مضيفة أنها كانت تتصل بالخط الساخن الحكومي مرتين في الأسبوع لتسأل عن سبب رفض طلبها بعد تقديمه منذ أكثر من عام. ولم تتلق أيّ تفسير. وتشعر بالغضب لأن بعض جيرانها يتلقون المساعدات، متسائلة “كيف من المفترض أن يجعلني هذا أشعر؟”.
ويُعد لبنان واحدا من تسع دول عربية تعتمد صيغة لتقييم الفقر تعتمد على الخوارزميات بتمويل من البنك الدولي والتي تصنف المتقدمين للحصول على الرعاية الاجتماعية وفقا لبيانات مختلفة.
ويأخذ البرنامج، المُسمى الاختبار بالوسائل غير المباشرة لقياس مستوى الدخل، في الاعتبار عوامل مثل عدد أفراد الأسرة، والعنوان، وملكية الماشية أو السيارات.
ويهدف استخدام مثل هذه الأساليب إلى جعل الإعانات أكثر عدالة وكفاءة من خلال استهدافها لمن هم في أمسّ الحاجة إليها، لكن الناشطون والباحثون يقولون إن الخوارزميات غالبا ما تستبعد الأشخاص بشكل خاطئ.
ناشطون وباحثون يقولون إن الخوارزميات غالبا ما تستبعد الأشخاص الفقراء الذين يستحقون الإعانة بشكل خاطئ
وقال عاموس توه، الباحث الأول في الذكاء الاصطناعي وحقوق الإنسان في منظمة هيومن رايتس ووتش، “تلتقط هذه الخوارزميات صورة ثابتة لما يمرّ به الناس في وقت واحد، ولكن هذه ليست الطريقة التي يعاني بها الناس فعليا من الصعوبات”.
وحدد بحث نشرته المجموعة في يونيو أن العديد من الأشخاص في الأردن لا يتلقون دعما ماليا في إطار برنامج تكافل في البلاد لأن “معاناتهم كانت خارج نموذج الفقر الخاطئ الذي تعتمده الخوارزمية”.
وقال المستشار الدولي الذي يعمل في برامج الحماية الاجتماعية تشاد أندرسون إن جزءا من المشكلة هو أن البيانات التي تطّلع عليها الأنظمة غالبا ما تكون قديمة، مما يسبب قرارات تعسفية.
ووجد الباحثون أن برامج المساعدات القائمة على اختبار بالوسائل غير المباشرة لقياس مستوى الدخل في لبنان واليمن تستخدم بيانات التعداد السكاني التي يعود تاريخها إلى أكثر من عقد. ويقول الخبراء إن المستويات المتقلبة لدخل الأسر واستهلاكها يمكن أن تقوّض تقييمات الفقر.
وقال أندرسون “لا تحدّث البلدان في الكثير من الأحيان قوائمها لعدة أشهر أو حتى سنوات”، مضيفا أن مثل هذه المشكلات تعني أن الخوارزميات تشبه “نظام يانصيب عشوائيا”.
وقالت إبراهيم، إنها لا ترى أي سبب لرفض عائلتها. ويحق للعائلات المكونة من سبعة أفراد والتي تعيش في فقر مدقع مثل أسرتها الحصول على 145 دولارا شهريا بموجب البرنامج الوطني لاستهداف الفقر في لبنان.
كما أن زوج إبراهيم عاطل عن العمل بسبب مشكلة في عينه بينما لم تكن الأسرة قادرة على تحمل تكاليف العلاج. وقالت ” حكومتنا ليست عادلة”. ولم تستجب الحكومة اللبنانية لطلب التعليق.
وقال البنك الدولي إنه عمل مع الحكومات لتصميم برامج تعتمد على اختبار بالوسائل غير المباشرة لقياس مستوى الدخل لتلبية احتياجاتها. ودافع عن الأنظمة المنتشرة في المنطقة لأكثر من عقد، لكنه اعترف بحدودها.
وحدد في تقرير لسنة 2020 أن 40 دولة حول العالم تستخدم أنظمة الاختبار بالوسائل غير المباشرة لقياس مستوى الدخل، بما في ذلك المغرب والجزائر والسعودية وتونس.
وقال البنك الدولي “توجد طريقة استهداف مثالية، سواء كانت الرعاية الاجتماعية أو على أساس العمر أو الاعتماد على معايير أخرى”، مضيفا أنه يأخذ الحالات الواضحة للقرارات غير العادلة “على محمل الجد وسيتبعها مع الفرق المعنية”.
وصرّح “توجد لحسن الحظ إجراءات موحدة قوية للتعامل مع مثل هذه الحالات”، مضيفا أن الدول ضخت استثمارات كبيرة في آليات التظلّم والمراجعة.
ويواجه المتقدمون للحصول على الرعاية الاجتماعية عقبات أخرى. ويمكن تقديم الطلبات عبر الإنترنت في الأردن، لكن العديد من الأشخاص قالوا إنهم يفضلون الذهاب إلى مراكز التسجيل المحلية لنيل المساعدة التي يحتاجونها في ملء نموذجهم ولتقليل مخاطر الأخطاء التي قد تؤدي إلى الرفض.
وذكر آخرون أن الافتقار إلى المعرفة الحاسوبية منعهم من تقديم طلبات إلكترونية.
وقال بعض الأشخاص، إن طلباتهم رُفضت حتى بعد اتخاذ مثل هذه الاحتياطات على الرغم من استيفائهم للمعايير الأساسية.

ولا يحمل أطفال ميساء الخمسة الجنسية الأردنية لأن زوجها البالغ من العمر 38 عاما مصري، حيث لا يُسمح للنساء في الأردن بنقل جنسيتهن إلى أزواجهن وأطفالهن.
وقالت المرأة، التي طلبت عدم ذكر اسمها الكامل، إنها تعتقد أن طلبها للتكافل رُفض لأن وضع أطفالها يعني معاملتها كفرد يطلب المساعدة وليس كعائلة محتاجة.
وقال تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش نقلا عن صندوق المعونة الوطنية الحكومي المكلف بتنفيذ برنامج تكافل إن الخوارزمية تحسب المساعدات بناءً على عدد الأردنيين في الأسرة.
وتنتظر ميساء النافذة لتقديم طلب آخر، وهي عاطلة عن العمل، ولا ترى أيّ خيار أمامها سوى ترك الديون تتراكم. وقالت عبر الهاتف، “يحتاج أطفالي إلى الحليب، وإلى حفاظات، وإلى الأكل والشرب”. ولم تستجب الحكومة الأردنية لطلب التعليق.
وفي مصر، رُفض طلب المتقاعد المقيم بالقاهرة حجاج أبوياسر مرتين من برنامج تكافل وكرامة، قبل قبوله أخيرا في المرة الثالثة.
ومن المفترض أن يواظب العمال على زيارة المتقدمين لتقييم ظروفهم المعيشية وجمع البيانات التي تغذّي برنامج الاختبار بالوسائل غير المباشرة لقياس مستوى الدخل، لكن أبوياسر قال، إن ذلك لم يحدث أبدا في حالته.
وأضاف “لم يأتوا حتى ليروا ظروف معيشتي ويشاهدوا كيف أعيش مع زوجتي”، معربا عن إحباطه لأن قبوله استغرق خمس سنوات. ولم تستجب الحكومة المصرية لطلب التعليق.
وقالت آية مجذوب، وهي نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية، إن النهج الأفضل والأكثر فعالية من حيث التكلفة للاستهداف الخوارزمي هو أن تتحرك الحكومات نحو أنظمة الحماية الاجتماعية الشاملة.

وتابعت “غالبا ما يكون تنفيذ هذه البرامج مكلفا، مما يعني أن أموالا أقل تذهب في النهاية إلى أيدي المستفيدين”. وكانت تتحدث في إشارة إلى أنظمة المساعدة القائمة على نظام قياس الدخل الاختبار بالوسائل غير المباشرة لقياس مستوى الدخل.
لكن سيكاندرا كردي، وهي زميلة باحثة مشاركة في المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية الذي عينه البنك الدولي لإجراء تقييمات فنية لبرامج مكافحة الفقر، قالت إن الخوارزميات تبقى خيارا معقولا للبلدان التي لا تستطيع تحمل تكاليف الحماية الاجتماعية الشاملة.
وأضافت “بمجرد الاتفاق على أنه لا يمكنك مساعدة الجميع وأن عليك اتخاذ بعض القرارات بشأن الاستهداف، يصبح الاختبار بالوسائل غير المباشرة لقياس مستوى الدخل وسيلة عادلة”.
وترى أن على صناع السياسات أن يدركوا أن الخوارزميات ليست “حلا سحريا تكنوقراطيا”.
ويسلط المسؤولون الضوء على النتائج الإيجابية التي حققها البرنامج.
وقال البنك الدولي في بيان، إن برنامج تكافل الأردني نجح في خفض عدم المساواة والفقر بنسبة 0.7 في المئة خلال 2019 و1.4 في المئة سنة2021.
وحدد في تقرير في يونيو أنه الأكبر في المنطقة، ووصل إلى 220 ألف شخص في عام 2023.
وفي مدينة الكرك جنوب العاصمة عمّان، قال سالم علي البالغ من العمر43عاما إنه تقدم بطلب للحصول على مساعدة تكافل في 2020، وهو يستفيد منها منذ ذلك الحين.
وتتلقى عائلته الآن 85 دينارا أردنيا (120 دولارا) شهريا، وهو مبلغ يعتمده لتغطية نفقات الأسرة الأساسية مثل فواتير الغذاء والمرافق. وقال “إنه أفضل من لا شيء. إنه يساعد أطفالي، وليس لي أيّ دخل آخر”.