خمسون عاما على الحرب: "نصر أكتوبر" محطة عابرة في مصر

الجيل الشاب لا يعرف من الحرب سوى ذكراها.
الاثنين 2023/10/02
جدل حرب أكتوبر لم يعد يستهوي الشباب

كثيرا ما تمثل الروايات المتناقضة لحرب أكتوبر 1973 عامل جذب يستثمره أغلب السياسيين المصريين للحشد والتعبئة وتوسيع قاعدتهم الشعبية، إلا أن كل ذلك أصبح الآن بعيدا عن مستهدفات الجيل الجديد الذي يمثل الشباب أغلبيته.

القاهرة - أتاح “نصر أكتوبر” لمصر تحقيق سلسلة من المكاسب السياسية والعسكرية، إلا أن حرب عام 1973 ضد إسرائيل أصبحت أشبه بمحطة عابرة بالنسبة إلى جيل شاب يشكّل غالبية المجتمع المصري ولا يعرف من الحرب سوى ذكراها.

وعلى مدى العقود الماضية كانت حرب أكتوبر 1973 الرحم الذي ولد منه رؤساء الجمهورية المصرية من العسكريين، بدءا من أنور السادات الذي قاد الحرب ثم أبرم معاهدة سلام تاريخية مع إسرائيل، مرورا بخلفه حسني مبارك، ليكون الاستثناء الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي الذي التحق بالكلية الحربية في العام الذي اندلعت فيه الحرب.

استرداد مصر لسيناء ساهم في استعادة البلد العربي الأكبر من حيث عدد السكان، مكانته على الساحة الدبلوماسية

وحوّلت القاهرة انتصاراتها الميدانية، وأبرزها عبور جيشها قناة السويس واختراق صفوف القوات الإسرائيلية في سيناء، إلى مكاسب سياسية ودبلوماسية.

ويرى المحلل في المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية توفيق أكليمندوس أن ما قام به السادات في الحرب وما بعدها منحه “شرعية” قد تحلّ بدلا عن تلك التي تمتع بها سلفه جمال عبدالناصر، العسكري بطل ثورة 1952 التي أنهت العهد الملكي في مصر.

وبعد اغتيال السادات عام 1981 على يد إسلاميين تولى نائبه مبارك الحكم مُعزَّزا بمشاركته المحورية في الحرب كقائد للقوات الجوية، وتوقّع الخبراء أن يكسب “صاحب الضربة الجوية الأولى” مع بدء الهجوم المصري في 1973، شعبية لدى مواطنيه كرئيس للجمهورية.

السياسة والاقتصاد

توفيق أكليمندوس: وحدهم الذين عاشوا الحرب يتذكرون الخوف والقيود
توفيق أكليمندوس: وحدهم الذين عاشوا الحرب يتذكرون الخوف والقيود

كان الإسلامي محمد مرسي الذي انتخب رئيسا لمصر في 2012 الاستثناء الذي كسر قاعدة أن مصر يحكمها عسكريون… لكن سرعان ما أطاح به الجيش بقيادة السيسي في 2013 عقب تظاهرات شعبية ضده.

وفي 2014 أصبح السيسي أول رئيس جمهورية لمصر من خارج نادي العسكريين المشاركين في أكتوبر 1973. وعلى الرغم من ذلك سعى السيسي إلى توظيف الحرب في الإطار السياسي المرحلي.

وأطلق السيسي في العام الماضي على ذكرى السادس من أكتوبر 1973 “يوم العزة والكرامة”، ووجّه إلى المصريين العديد من الرسائل منها أن “النصر سيظل برهانا على إرادة وصلابة المصريين وتمسكهم بسيادة الوطن وكرامته”.

وأراد السيسي بذلك شحذ عزيمة أكثر من 105 ملايين مصري لتحمّل الظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة التي تفاقمت خلال 2022 نتيجة نقص العملة الأجنبية وتراجع قيمة العملة المحلية وارتفاع الأسعار ارتفاعا غير المسبوق. إلا أن الاستناد إلى ذاكرة الحرب يبدو أمرا صعبا في مواجهة الواقع الراهن.

ويوضح أكليمندوس “أصبح كل ذلك الآن بعيدا عن مستهدفات الجيل الجديد”، مرجعا ذلك إلى أن هذا الجيل “ليس لديه إمكانية الوصول إلى كتب عربية جادة حول هذا الشأن”.

وتابع قائلا إن “الأشخاص الذين عاشوا الحرب هم (فقط) من يتذكرون الخوف والقيود التي فرضها اقتصاد الحرب”.

القرار الصحيح

Thumbnail

لئن لم يكن السيسي على الجبهة عام 1973 حين استرد المصريون سيناء، فإنه خاض حربا أخرى في شبه الجزيرة الواقعة بشمال شرق البلاد، ولكن هذه المرة ضد الإرهاب، خصوصا المجموعات الإسلامية المتطرفة التي نشطت في هذه المنطقة عقب الإطاحة بمرسي.

وقبل استردادها نتيجة التقدم الميداني في حرب 1973 واتفاقية كامب ديفيد للسلام بعد أعوام، كانت سيناء تحت الاحتلال الإسرائيلي بعد الهزيمة القاسية التي تكبدتها مصر ودول عربية في حرب يونيو 1967.

وساهم استرداد مصر لسيناء في استعادة البلد العربي الأكبر من حيث عدد السكان، مكانته على الساحة الدبلوماسية.

ويرى الباحث بالمعهد الملكي للخدمات المتحدة في لندن هشام هيلير أنه بعد الحرب “خرجت مصر من النفوذ السوفياتي لتنضم إلى النطاق الأمني الغربي”، خصوصا مع حصولها سنويا على مساعدة عسكرية تتجاوز مليار دولار.

ويضيف أنه اليوم، في “عالم تتعدد فيه أقطاب النفوذ”، أصبحت القاهرة تُوازن علاقاتها لكي لا تفضّل أحد حلفائها على الآخر، سواء لجهة روسيا والصين والهند أو لجهة الأميركيين والأوروبيين والخليجيين.

ويرى الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية عمرو الشوبكي أن حرب 1973 جعلت من الجيش المصري “جيش النصر بدلا من جيش الهزيمة عام 1967”.

وبعد مرور خمسين عاما على الحرب تغيّرت المعطيات في الشرق الأوسط بشكل كبير؛ فقد أبرمت مصر معاهدة سلام مع إسرائيل في عام 1979، تلاها الأردن في سنة 1994. وشهد عام 2020 تطبيع العلاقات بين إسرائيل وكل من الإمارات والبحرين والمغرب.

وعلى الرغم من أن اتفاق السلام مع القاهرة هو الأقدم زمنيا، مازال الشارع المصري غير قادر على التعامل مع هذا التطبيع بشكل كامل، إذ يُنظر دائما إلى إسرائيل على أنها العدو.

ويرى الشوبكي أن السادات الذي أثار مفاجأة واسعة بزيارته القدس عام 1977 ولقاء المسؤولين الإسرائيليين، حتى قبل إبرام معاهدة السلام، “لم يكن ليفاجأ باتفاقات التطبيع الأخيرة”. ويتابع “ففي ذلك الوقت كان مقتنعاً تماماً بأنه اتخذ القرار الصحيح بتوقيع معاهدة السلام”.

6