"خليها تصدي" احتجاج على غلاء السيارات ينتشر عربيا

حملة "خليها تصدي" في مصر تعود مجددا بعد أن نجحت في الجزائر وتدعو إلى مقاطعة شراء السيارات لحين تعديل الوكلاء للأسعار وتخفيض هوامش أرباحهم.
السبت 2019/02/02
يشاهدون ولا يشترون

ساعدت مواقع التواصل الاجتماعي المصريين والتونسيين والجزائريين على الاحتجاج على الأسعار الجنونية للسيارات، وذلك من خلال إطلاق حملتي “خليها تصدي” و”خليها تسوس” للضغط على التجار ومصانع التركيب لإعادة النظر في هوامش أرباحهم.

القاهرة – يعيش قطاع السيارات في مصر ودول عربية أخرى حالة من الارتباك؛ جراء التوقف شبه الكامل للمبيعات لعزوف شريحة كبيرة من المستهلكين عن الشراء وتأجيل آخرين قرار الشراء لحين استقرار السوق.

تعزز حالة الركود في مصر حملات المقاطعة وأبرزها “خليها تصدي (اتركها لتصدأ)”، والتي يطالب الداعمون لها، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بمقاطعة شراء السيارات لحين تعديل وكلاء العلامات التجارية للأسعار وتخفيض هوامش أرباحهم.

وبدأت حملة “خليها تصدي” في مصر منذ أكثر من ثلاث سنوات، وتحديدا في أكتوبر 2015، ثم توقفت بعد فترة لأنها لم تلق رواجا كبيرا، وبالتالي لم تؤثر في سوق السيارات حينها، لكنها عادت مرة أخرى بعد أن  ظهرت بالاسم نفسه في الجزائر والمغرب وتونس.

تحيّل أصحاب المصانع

في مارس الماضي انتشرت حملة “خليها تصدي” بقوة في الجزائر منادية بمقاطعة شراء السيارات المركبة محليا بعد الارتفاع الجنوني في الأسعار ونجحت في إرباك سوق السيارات، ما دفع بعض التجار وعدة شركات التي تعمل في تركيب السيارات إلى مراجعة أسعارهم، خاصة بعد انضمام نواب في البرلمان الجزائري للحملة.

وذكرت صحف محلية أن حالة كساد وانكماش أصابت سوق السيارات في الجزائر، وكان الهدف من الحملة إرغام التجار على تطبيق أسعار مناسبة واحترام القدرة الشرائية للمستهلكين الجزائريين، وبالفعل انخفضت الأسعار ولا تزال الحملة متواصلة.

وكشفت الحملة عن عملية احتيال واسعة تعرض لها الكثير من الجزائريين الذين اشتروا السيارات المركبة في الجزائر، حيث تبين أن أصحاب مصانع التركيب أجبروا زبائنهم على دفع مستحقات الرسم على القيمة المضافة المقدرة بـ19 بالمئة من قيمة السيارة بشكل غير قانوني منذ 2014، لأن الحكومة الجزائرية أعفت جميع المصانع من الرسوم على القيمة المضافة لمدة 5 سنوات، في إطار الامتيازات التي منحتها للمستثمرين.

وفضحت وزارة الصناعة الجزائرية مصانع التركيب بنشرها الأسعار الحقيقية للسيارات المركبة محليا، والتي كشفت حجم الفارق الكبير مع الأسعار التي فرضتها المصانع، التي وصلت إلى حدود 8 آلاف يورو في السيارة الواحدة كزيادة غير قانونية في الأسعار.

وكتبت وسائل الإعلام المحلية أن أصحاب مصانع تركيب السيارات عملوا طوال هذه الفترة على صياغة فواتير البيع بالسعر النهائي وبكافة الرسوم دون تقديم تفصيل عن تلك الرسوم، في محاولة لإخفاء خانة القيمة المضافة عن الجهات الرقابية.

وتستمر مقاطعة الجزائريين لاقتناء مختلف أنواع السيارات المركبة محليا، الأمر الذي أوقع المصانع في ورطة، جعلت بعضها يقدم تخفيضات كبيرة.

ويؤكد المشرفون على الحملة التي ساهم في انتشارها تفاعل الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة الفيسبوك، أن المشكلة باتت في انعدام ثقة الجزائريين وليس في البحث عن سعر مناسب، داعين الحكومة إلى اتخاذ إجراءات زجرية في حق المصانع المسؤولة عن الارتفاع الجنوني للأسعار.

ولم تنجح الحملة في التأثير على سوق السيارات الجديدة فقط، بل وصل صداها إلى سوق السيارات المستعملة التي تراجعت أسعارها هي الأخرى بصفة ملحوظة على عكس ما كان يتوقعه البعض.

وبعدما فرضت نفسها في الجزائر، انتقلت حملة “خليها_تصدي” إلى دول الجوار، حيث أطلق رواد شبكات التواصل الاجتماعي التونسيون حملة “خليها_تسوس” أي اترك السيارات ينخرها السوس، وذلك بسبب ارتفاع أسعار السيارات الأوروبية في تونس وجشع وكلاء السيارات وتجار السيارات القديمة، لكنها لم تحقق نجاحا يذكر في تونس والمغرب كما حدث في الجزائر.

ويذكر أن ناشطين سعوديين أطلقوا أواخر 2008 حملة “خليها تصدي وموديلها يعدي” على مواقع التواصل الاجتماعي، ووصل صداها إلى الصحف المحلية، لكن وكلاء السيارات رفضوا في البداية إجراء أي تخفيضات في قيمة الأسعار، ولجأوا مع إطلاق الموديلات الجديدة في 2009 إلى أساليب مغرية لم تكن مجدية لجذب الزبائن من قبيل “اشتري سيارة بالتقسيط على مدى ثلاث سنوات ودون فوائد” و”خصم كبير على الشراء نقدا”.

وأدت الحملة إلى اضطراب كبير في سوق السيارات آنذاك، ما دفع بأحد أصحاب شركات السيارات إلى كتابة رسالة إلى وزير التجارة قال فيها “الاقتصاد السعودي يتعرض وبصفة خاصة قطاع السيارات لهجمة شرسة من خلال شبكة الإنترنت يقودها ضعفاء النفوس وفق حملة أطلقوا عليها ‘خليها تصدي'”.

تجدد الدعوات

حملة تفضح مصانع التركيب في الجزائر
حملة تفضح مصانع التركيب في الجزائر

مطلع يناير 2019 تجددت الدعوات في مصر على مواقع التواصل الاجتماعي بشكل واسع لمقاطعة شراء السيارات، ولاقت الحملة انتشارا كبيرا، حتى أصبحت هناك حرب تصريحات بين مؤسسيها والتجار بالسوق.

وظهرت صفحتان للحملة إحداهما “خليها تصدي” يتابعها نحو 215 ألفا والأخرى جديدة حملت اسم “خليها تصدي _ ضد جشع وكلاء السيارات” وصل عدد متابعيها نحو 820 ألفا.

وتؤكد الصفحتان أنه لا تعارض بينهما، والهدف واحد، وهو “الوقوف ضد الغلاء والاستغلال وارتفاع أسعار السيارات”.

وتهدف الحملة إلى “التوصل إلى تحديد معقول لهامش ربح الوكلاء والموزعين والتجار، بهدف ضبط تلك الصناعة والنشاط التجاري الملحق بها”.

ومن التعليقات التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي ما كتبه أحد الناشطين في تغريدة على تويتر قائلا “أنا أضبط عربيتي القديمة وأخليلكم عربيتكم الجديده تصدي عندكم”.

وكتب آخر “في مصر، إما أن تشتري سيارة وإما أن تشتري شقة.. خليها تصدي”، وتوالت التعليقات والتغريدات، حيث كتب ناشط آخر عبر تويتر “مصر يا بلد العجايب.. كل التحية لحملة #خليها_تصدي التي وصلت نسبة مقاطعة العربيات لـ30 بالمئة”.

وبرزت حملات المقاطعة في مصر بشكل أكبر، بعدما فشلت التخفيضات التي أعلن عنها وكلاء عدد من العلامات التجارية في أعقاب تطبيق الشريحة الأخيرة من التخفيضات الجمركية على الواردات الأوروبية، في إرضاء زبائن السوق.

ومع بداية يناير العام الحالي، طبقت الشريحة الأخيرة من التخفيضات الجمركية على السيارات الواردة من الاتحاد الأوروبي طبقا لاتفاقية الشراكة المصرية الأوروبية (دخلت حيز التنفيذ 2004)، لتصل قيمة الجمارك إلى الصفر في يناير 2019.

وبعد صفر الجمارك، تخضع كافة السيارات المستوردة (بما فيها الأوروبية) إلى ضرائب أساسية، وهي ضريبة القيمة المضافة بنسبة 14 بالمئة، و0.5 بالمئة ضريبة أرباح صناعية وتجارية، و3 بالمئة رسوم تنمية موارد، و1 بالمئة ضريبة جدول، بإجمالي 18.5 بالمئة.

الدولار يتحكم في الأسعار

سيارات محلية بسعر المستوردة
سيارات محلية بسعر المستوردة

يبرر تجار في مصر وتونس الزيادات الأخيرة التي طرأت على السيارات، بأنها نتيجة للسياسات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومات منذ تحرير سعر الصرف في نوفمبر 2016 وتضاعف سعر الدولار في مصر وانزلاق الدينار التونسي بصفة متسارعة.

خالد سعد، أمين عام رابطة مصنعي السيارات (خاصة) في مصر، قال إن الحملة ليس لها تأثير كبير، إلا أن ما ساعدها هو حالة الاضطراب والمشكلات التي تشهدها السوق منذ أكتوبر الماضي، جراء اللغط حول التخفيضات المنتظرة.

وأضاف سعد “لم تنخفض أسعار المركبات خاصة التي يتراوح سعرها بين 200 ألف جنيه (11 ألف دولار) إلى 300 ألف جنيه (17 ألف دولار) والتي تمثل نحو 70 بالمئة من القوة الشرائية، بينما طالت التخفيضات الأسعار فوق الـ500 ألف جنيه (28 ألف دولار) وهي شريحة لم تكن تنتظر أي تخفيضات، ما أدى إلى عزوف المستهلك والمشاركة في الحملات الحالية والضغط في محاولة للحصول على أي تخفيض”.

واعتبر أن نسب المكسب التي تتحدث عنها حملة “خليها تصدي” غير حقيقية، وبها الكثير من المغالطات التي تضلل المستهلك؛ كونها تشير إلى فاتورة الجمارك فقط دون التكاليف الإضافية ومنها ضريبة القيمة المضافة والنقل للمخازن والتسويق وقطع الغيار وغيرها.

وأشار إلى أن السبب الوحيد الذي قد يجعل الأسعار تتراجع، هو استمرار انخفاض الدولار وثباته على ذلك لمدة 3 أشهر على الأقل.

ولفت إلى أن الحملة تضر المستهلك لأنه في حال ارتفاع الدولار ستزداد الأسعار أكثر، كما أنها تضر الاقتصاد لأنها تشوهه أمام المستثمرين الأجانب في قطاع السيارات.

وفي بيان لها الأربعاء، قالت شعبة السيارات بغرفة القاهرة التجارية (مستقلة تشرف عليها وزارة التجارة والصناعة)، إن سوق السيارات يمر بحالة تخبط في الفترة الأخيرة.

وأضافت أنه بعد تخفيض الوكلاء لأسعار سياراتهم، والإعلان عنها طبقا لاتفاقية (صفر جمارك) وبنفس نسب التخفيض، فليس هناك سبب حاليا لانخفاض جديد في أسعار السيارات إلا إذا تغير أحد عناصر تكلفة الاستيراد التي على رأسها سعر العملة.

وأوضحت أن السوق يشهد حالة من الركود، نتيجة التراجع الكبير في المبيعات، منذ انتظار تخفيض ما تبقى من الرسوم الجمركية، طبقا لاتفاقية الشراكة الأوروبية والتي بدأت في 2004. وأشارت إلى أنه مع الإفراج الجمركي عن السيارات الأوروبية (صفر جمارك) في يناير الماضي، أصبحت لدى السوق سيارات ذات تكلفة قديمة وأخرى بالتكلفة الجديدة.

وبينت أنه في ظل حالة عدم الاستقرار بالأسواق، بدأت حملات تدعو إلى خفض الأسعار وزادت وتيرتها مؤخرا على منصات التواصل الاجتماعي، إلا أن الشعبة تؤكد أن أسعار الوكلاء المصريين هي نفس أسعار الوكلاء في دول المنشأ والأسواق الخليجية.

رأفت مسروجة، الرئيس الشرفي لمجلس معلومات سوق السيارات “أميك” (خاص يهتم بإحصاءات وتقارير معلوماتية حول السوق)، قال إن قطاع صناعة وتجميع السيارات المحلية، هو أكثر المتضررين من الركود الذي يعاني منه السوق في الوقت الحالي.

وصلت نسبة مقاطعة السيارات في مصر إلى 30 بالمئة
نسبة مقاطعة السيارات في مصر وصلت إلى 30 بالمئة

وأكد مسروجة، في تصريحات صحافية، أن غالبية إنتاج مصانع السيارات المصرية تستهدف السوق المحلية، ولذلك فإن عزوف المستهلكين والدعوة لمقاطعة الشراء، يتسببان في حالة من الارتباك للعاملين بالقطاع وعزوف المستثمرين.

ويبلغ عدد مصانع تجميع السيارات في مصر نحو 19، إضافة إلى 150 مصنعا آخر تعمل في مكونات التصنيع وقطع الغيار، وذلك بإجمالي استثمارات يصل إلى ثلاثة مليارات دولار.

وفرض التراجع المتواصل لسعر صرف الدينار التونسي مقابل عملتي اليورو الأوروبي والدولار الأميركي، ضغوطا إضافية على حركة السوق التي شهدت زيادة كبيرة في أسعار السيارات الجديدة والمستعملة.

وبحسب بيانات رسمية، بلغ حجم مبيعات السيارات الخاصة سنة 2018، 35 ألفا و312 سيارة، مسجلا بذلك تراجعا بأكثر من 10 آلاف سيارة مقارنة بسنة 2017 حيث كان حجم مبيعات هذه النوعية من السيارات يقدر بـ45 ألفا و888 سيارة.

ويقدر خبراء أن أسعار السيارات الخاصة سترتفع بنسبة 32 بالمئة في غضون الأشهر القليلة القادمة بفعل تغير سعر صرف الدينار.

وقال مهدي محجوب عضو غرفة وكلاء بيع السيارات إن السيارة التي كان سعرها في شهر يوليو الماضي 25 ألف دينار سترتفع كلفة اقتنائها نحو 33 ألف دينار في غضون الأشهر القادمة.

هذا الارتفاع في أسعار السيارات الجديدة سيؤثر مباشرة على أسعار السيارات المستعملة، ما يعني أن حملة “خليها تسوس” قد تعود مجددا على شبكات التواصل الاجتماعي، في محاولة للضغط على التجار والحكومة للتخفيض من أسعار السيارات التي أصبح اقتناؤها حلما وحملا في نفس الوقت بالنظر إلى ارتفاع أسعار المحروقات وقطع الغيار.

17