خلية الكويت.. اعتقال إخواني غادر تركيا هربا من تحيّز أردوغان

تخلت الكويت عن جانب كبير من الحذر والليونة اللذين تميزت بهما في تعاملها مع فرع جماعة الإخوان المسلمين الكويتي. وأضحت أقرب من أي وقت مضى للدخول في مواجهة مباشرة مع الفرع والتنظيم الأصل، بعد أن كشف القبض على شبكة لإخوان مصر تنشط من الكويت، في يوليو الماضي، زيف قناع الخصوصية الذي ارتداه فرع الكويت من الإخوان، ليتأكد ذلك مجددا مع قضية القبض على مواطن مصري بمطار الكويت كان قادما من تركيا، وتبين أنه على علاقة بخلية الإخوان التي ضبطتها السلطات بالكويت ورحلت أعضاءها إلى مصر.
القاهرة - تعود أجراس الخطر لتدق في أرجاء تنظيم إخوان الكويت. فالخميس الماضي، أعلنت السلطات الأمنية أنها أوقفت مصريا بمطار الكويت كان قادما من تركيا، التي يبدو أنه لم يجد فيها الملاذ الآمن ما دفعه للمخاطرة بالعودة إلى الكويت. وتم ترحيله للقاهرة السبت، على خلفية علاقته بخلية الإخوان التي ضبطتها السلطات بالكويت ورحّلت أعضاءها إلى مصر منتصف يوليو الماضي، بموجب اتفاق أمني بين البلدين.
لم تكن الأشهر الخمسة الماضية سهلة على التنظيم القديم في حضوره على أراضي دولة الكويت، إذ لم تتوقف ملاحقات أجهزة الأمن عند خلية الثمانية، التي تم تسليمها بعد التحقيق معها للسلطات المصرية، بل أعقبها في أقل من شهرين إلقاء القبض على ثلاثة عناصر آخرين وترحيلهم للقاهرة. وجاءت الحلقة الجديدة لتُشير إلى تتابع مسلسل الملاحقات لعناصر إخوان مصر، انطلاقا من تنسيق أمني كويتي-مصري مشترك.
قواعد الإخوان في الكويت
اكتفت السلطات الكويتية بالإشارة إلى أن الموقوف هو “إسلام.ع. ويعمل طبيب أسنان في الكويت، بعدما كان يعمل سابقا في مستشفى سوهاج (بجنوب مصر)”، بينما تؤكد المصادر التنظيمية أن اسم الطبيب هو “إسلام علي عبدالرحمن، هرب هو وعائلته من مصر في أعقاب ثورة 30 يونيو 2013، حيث استقر بوالده المقام في تركيا، وعمل طبيبا في أحد مستشفياتها، قبل أن يتم إلقاء القبض عليه من قبل السلطات البحرينية أثناء توجهه إليها لحضور عرس ابنته ثم تسليمه للسلطات المصرية”.
وتجزم المصادر التنظيمية لجماعة الإخوان أن إسلام أقام في الكويت على غير إرادة رابطة إخوان الكويت التي نصحت قبل عامين كل الأعضاء ودوائرهم المطلوبين من قبل السلطات الأمنية بمغادرة البلاد أو سيكون بقاؤهم على مسؤوليتهم الشخصية. تزامنت هذه التوصية مع توقيع اتفاقية أمنية بين مصر والكويت في يناير 2017، وتتضمن الاتفاقية التعاون القضائي في الدعاوى الجنائية، وتسليم المجرمين، ونقل المحكوم عليهم بعقوبات سالبة للحرية.
أنقرة تميّز بين إخوان الجماعة الأصل وإخوان جبهة محمد كمال المنشقة
وهي الاتفاقية التي استندت عليها القاهرة في طلبها تسليم المعارضين الذين يقيمون في الكويت بطريقة شرعية.
غير أن اللافت أن الإخواني المضبوط غادر الكويت متوجها إلى تركيا، بعد إلقاء القبض على خلية الكويت مباشرة، لكنه عاد بعدما قيل له من رفاقه في التنظيم ومن بعض المواطنين المتعاطفين مع التنظيم إن ملفه لم يعد تحت الرقابة، وبإمكانه العودة وترتيب بعض الأمور المتعلقة به ثم السفر لاحقا إلى أي جهة أخرى إن شعر بأنه مستهدف.
كانت رابطة الإخوان المصريين بالكويت، الجهة المسؤولة تنظيميا عن إدارة قواعد إخوان مصر هناك، قد نسّقت مع رابطة إخوان مصر بالخارج وأمانة مكتب الإرشاد، بحيث يتم تعميم توصية للقواعد في الكويت وباقي دول الخليج بخروج كل المطلوبين أمنيا لدى السلطات المصرية إلى ملاذات آمنة خارج حدود التنسيق الأمني المتصاعد بين مصر ودول الخليج.
وهو الإجراء الذي بدأ تنفيذه عبر تركيا كمحطة توجيه أولية يقصدها العضو المطلوب، ومنها تتم إعادة توجيهه نحو القُطر الأكثر ملاءمة لإمكانياته الفنية وعلاقاته التنظيمية ومدى رضا القيادة عنه.
معاملة تمييزية

يعد هذا العامل الأخير الأكثر فعالية في الملاذات ذات الامتيازات العالية مثل إنكلترا والسويد، أو الأقل مثل ماليزيا وكوريا الجنوبية وإندونيسيا وجنوب أفريقيا، ثم المستوى الأدنى، مثل السودان والصومال ونيجيريا.
وبحسب المصادر التنظيمية فإن الدافع الرئيس لمُخاطرة إسلام بالعودة من تركيا إلى الكويت، يتجاوز ما أعلنته السلطات الأمنية الكويتية من حصوله على تطمينات زملائه وبعض المواطنين، إلى حالة الصدمة التي يحياها العضو التنظيمي الفار إلى وطن اللجوء (تركيا)، بعد أن أحكمت القيادات الأصيلة قبضتها على التنظيم في مواجهة جبهة القيادي الراحل محمد كمال.
ولأن معظم الهاربين من مصر والمطلوبين على ذمة قضايا كانوا من نشطاء جبهة الأخير، فإنهم عادة يتعرضون لإجراءات تنظيمية تضعهم في خانة المغضوب عليهم، الأمر الذي يستتبعه تضييق في مراتب أوطان اللجوء أو مصادر الدخل في تركيا، وهو ما جعل إسلام قابلا للمخاطرة بالعودة إلى الكويت، أملا في أن يسترد وضعا ماليا ومعيشيا أكثر رخاء واستقرارا، أو وضع حد لنهاية مأساته مع التنظيم بأن يتم تسليمه للسلطات المصرية ليُمضي قادم أيامه باعتباره الأخ الأسير، وهو ما يُتيح لقيادة التنظيم استثماره كرقم في ما تُسميه “قوائم المعتقلين في سجون الانقلاب”.
بالقبض على إسلام يُصبح عدد من سلمتهم السلطات الكويتية إلى نظيرتها المصرية، ثلاثة عشر عضوا، جميعهم من المطلوبين في قضايا أمنية، ليتم التعاطي مع الحدث باعتباره رسالة حزم كويتي في التعامل مع أي مؤشرات لحضور التنظيم الإخواني على أرضه، ودليلا جليا على حسن التعاون الأمني والتنسيق المعلوماتي بين البلدين.
غير أن التوقف عند هذه القراءة يمثل تماهيا مع سطح يُراد للجميع أن يراه هادئا، فالواقع أن تاريخ وحجم الحضور والتأثير الإخواني في مكونات الواقع الكويتي تتجاوز حدود التنسيق في المواقف والتحالف المباشر مع الإدارة، كما هو الحال في نموذج العلاقة بين قطر والإخوان، أو حتى تركيا والإخوان، بحيث عمد التنظيم منذ أربعينات القرن الماضي إلى وضع بذوره داخل المجتمع، وأحال الكويت إلى حاضنة واسعة، قادرة على استيعاب العديد من وجوه التنظيم القيادية وأوعيته المختلفة والعمل كمركز للتوجيه التنظيمي عالميا.
لهذا فإن قراءة المشهد حتى كتابة سطور هذا التقرير، تُشير إلى رهان التنظيم على خفوت الحملة الإعلامية الكويتية بمجرد طي صفحة تسليم المتهم للسلطات المصرية، لتبدأ حملات الضغط الداخلي الإنساني والإسلامي على رأس الدولة، بحيث يتوقف التصعيد ضد الإخوان عند حد من تم إلقاء القبض عليهم وتسليمهم للقاهرة، وحال تكرار الأمر يكون في الحالات الفجة، مع رفع شعارات من عينة “نصرة المستضعفين اللاجئين لحمى آل الصباح”.
طريق مفتوح
يُشدد التنظيم على ضبط أوضاع الوافدين التنظيميين في الكويت، بحيث لا يبقى من عناصر التنظيم من هو مُدان بأحكام قضائية، وحال استمرار بعضهم فسيكون كبش الفداء الذي يذر الرماد في عيون من يرى الكويت حاضنة إخوانية مفتوحة.
ويعمد التنظيم دوليا إلى إعادة ترتيب ملفات الأوضاع الحقوقية والقانونية للمطلوبين أمنيا، من عناصر التنظيم وحلفائه بما يسمح لكل المنظمات والهيئات الأممية والمستقلة بالتشكيك في صحة إجراءات التقاضي، ومن ثم إسقاط مطالبات تسليمهم للسلطات المصرية، بغض النظر عن توقيع القطر على اتفاقية تسليم المتهمين الهاربين.
ويتم استثمار حالة التخلي التنظيمي عن غير أعضاء التنظيم من المطلوبين للقضاء المصري، بما يوسع دوائر الاستعداء على أنظمة دول الاستضافة، ويُخوِّف أعضاء التنظيم الخاملين ويشحذ همم ذئابه الفردية لاستهداف هذه الأنظمة بما يهدد ثباتها، بما يكترث لحالة الاستعداء التنظيمي ضد دول التحالف باعتبارها داعمة لما يسمونه “الانقلاب في مصر على شرعية حكم الإخوان وتأييد الحاكم الخائن وموالاة الظالمين ودعمهم”، ويصب في خانة التهيئة المجتمعية الخليجية للحظة يسوق التنظيم لاقترابها مؤكدا أن منطقة الخليج بأسرها ستتحول إلى “بؤر للصراع والاقتتال”.
ويُمثل القبض على خلية الكويت مُجرد إجراء غير مستغرب على ما تربي عليه الجماعة أعضاءها من فقه المحن والابتلاء على طريق الدعوة، وبالتالي فإن الاحتفاء بخطوة تتحقق على طريق مفتوح المدى سريع الإيقاع لا يمكن أن يمثل النقلة المأمولة على هذا الطريق طالما بقي مجرد إجراء أمني غير مصحوب بإجراءات دعم توعوي وتنويري وتحصيني.
وتؤكد هذه المسألة ضرورة العمل المُتكامل والمنسق لدعم النظام الكويتي في مواجهة ما يتعرض له من ضغوط، ودفعه إلى الربط بين خلية الإخوان ودوائرها التنظيمية داخل الدولة بمستويات الحضور التنظيمي المتشعب وخارجها غير المنفصل عن مؤسسات وأجهزة التنظيم الدولي.