خلل المنظومة القضائية يعقّد مهمة محاربة الإرهاب في العراق

بغداد - بلغ عدد الفرنسيين المحكوم عليهم بالإعدام في العراق إلى حدود الأربعاء، سبعة أشخاص أدينوا بالانتماء لتنظيم داعش، فيما الجدل يتصاعد حول هذه السلسلة من المحاكمات منصبّا على سرعتها ومدى سلامة إجراءاتها واستجابتها للمعايير الدولية، وعلى أهلية القضاء العراقي للقيام بها في ظلّ كثرة الانتقادات الموجّهة إليه والشكوك في نزاهته واستقلاليته عن الاعتبارات الجانبية وعلى رأسها الاعتبار السياسي.
وبالنسبة لكثير من منتقدي حملة المحاكمات السريعة في العراق، فإنّ الأمر لا يتعلّق فقط بمطاعن قانونية وحقوقية، بل ينطوي على خلل في مكافحة الإرهاب الذي يستدعي التصدّي له وجود أجهزة أمنية وقضائية متينة وعادلة لا تترك بابا للمظلومية التي قد تستخدمها التنظيمات الإرهابية لجلب المتعاطفين معها وتجنيدهم.
ولم تستثن الانتقادات الموقف الرسمي لفرنسا من القضية والذي وصف بالباهت، وبأنّه انعكاس لرغبة باريس في التخلّص من مواطنيها الذين تورّطوا في القتال إلى جانب التنظيمات الإرهابية ببؤر التوتّر في الشرق الأوسط، نظرا لما ستمثله عودتهم المحتملة من أعباء أمنية وقانونية وحقوقية.
ويقول الخبير القانوني الدولي ناجي حرج “إن ما يبعث على الأسى أن المسؤولين العراقيين يرون أنهم بالتطبيق المستمر لعقوبة الإعدام إنما يؤكدّون على وجود دولتهم، وهو أمر لا يستقيم مطلقا”، مضيفا “وظيفة الدولة أن توفّر الخدمات والتعليم والصحة وأن تكافح الفساد وتوفّر فرص عمل لائقة وأن تحمي المواطن من بطش العصابات والميليشيات الخارجة على القانون وأن تنشر العدل، لا أن تتحول إلى مقصلة”.
ويوجّه حرج نقده للمحاكم العراقية التي “تصدر أحكام الإعدام للعشرات بمحاكمات سريعة لا تنشر تفاصيل عن سيرها، ولا عن إجراءات التحقيق”، مشيرا إلى ظاهرة انتزاع الاعترافات تحت التعذيب استنادا إلى تأكيدات بعثة الأمم المتحدة في العراق “يونامي”.
ويلفت الخبير الدولي إلى عامل السرعة الشديدة في محاكمة الفرنسيين قائلا إنّ “العراق تسلّمهم من قوات سوريا الديمقراطية في شهر فبراير الماضي أي أنّه لم يمضِ على وجودهم في عهدة السلطات العراقية سوى أقل من ثلاثة أشهر، فكيف تسنّى لها استنفاد كل الإجراءات القانونية اللازمة للوصول إلى حكم الإعدام، من تحقيقات وجمع أدلّة والاستماع إلى ردود المحامين وغير ذلك، في ظل تعقيدات وظروف غير طبيعية؟”.
كذلك يستند حرج إلى إحاطة حديثة أدلت بها ممثلة الأمم المتحدة في العراق أمام المنظمة وجاء من ضمنها أن النظام القضائي العراقي مسيّس تماما وينخره الفساد وهو بحاجة إلى إصلاح.
ومن ضمن عيوب القضاء العراقي، بحسب ناجي حرج “إصدار أحكام الإعدام دون تمكين المتهم من الدفاع عن نفسه بمحام يختاره هو، وإن اختار محاميا أو تبرع محام للدفاع عنه فإن ذلك المحامي سيتعرّض للتهديد وربما يتم اغتياله”.
ويدعى سابع فرنسي يحكم عليه بالإعدام في العراق خلال الأسبوع الجاري، ياسين صقم ويبلغ من العمر تسعة وعشرين عاما، وهو متحدر من بلدة لونيل في جنوب فرنسا وقد تسلمه العراق من سوريا في نهاية يناير الماضي.
وسبق للقضاء العراقي أن حكم على أكثر من 500 رجل وامرأة أجانب بتهمة الانتماء إلى تنظيم الدولة الإسلامية، ولكن لم ينفذ حتى الآن حكم الإعدام بحق أي منهم.
وحكم على جهاديين بلجيكيين بالإعدام، فيما خُفض الحكم على ألمانية من الإعدام إلى السجن المؤبد بعد الطعن.
وتلك السلسلة من الأحكام، تعيد الجدل حيال المسألة الشائكة للجهاديين الأجانب، إذ أن عودتهم إلى بلدانهم تقابل برفض قوي من الرأي العام الأوروبي، حيث ترفض دول مثل فرنسا في الوقت نفسه عقوبة الإعدام، وتدعو إلى إلغائها في كل مكان في العالم.
وتظهر فرنسا موقفا مواربا من محاكمة مواطنيها في العراق. ووصف وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان محكمة الفرنسيين السبعة بالعادلة، قائلا “الأمر يتعلّق فعلا بإرهابيين نفذوا هجمات ضدنا وزرعوا الموت أيضا في العراق، ويجب أن تتم محاكمتهم حيث ارتكبوا جرائمهم”، لكن لودريان عاد ليقول في المقابل إن بلاده تكثف الجهود الدبلوماسية لمنع إعدام مواطنيها في العراق.