خلاف بين البرلمان والأعلى للدولة في ليبيا حول الموازنة الموحدة

تكالة يعلن رفضه التام لإقرار الموازنة العامة الموحدة بمبلغ وصفه بأنه غير مسبوق ناهز 36.90 مليار دولار، داعيا إلى الطعن فيها.
الخميس 2024/07/11
إقرار أكبر موازنة في تاريخ البلاد

طرابلس – أثار تصويت مجلس النواب الليبي في جلسة رسمية عقدها، الأربعاء، بمقره في مدينة بنغازي، على اعتماد موازنة عامة موحدة بقيمة 179 مليار دينار (36.90 مليار دولار)، بعدما أضاف إليها مخصص بنحو 89 مليار دينار (18.3 مليار دولار)، جدلا واسعا داخل الأوساط السياسية، حيث طالب المجلس الأعلى للدولة بالطعن فيها، فيما شكك عضو بالبرلمان في النصاب القانوني لإقرارها.

ودون ذكر أي تفاصيل أخرى حول أبواب الموازنة، أكد الناطق الرسمي باسم المجلس عبدالله بليحق، في منشور على صفحته الرسمية على فيسبوك، أن التصويت على مقترح الموازنة جرى "بالإجماع" خلال جلسة الأربعاء التي أشار إلى أنها انعقدت برئاسة رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ونائبيه فوزي النويري ومصباح دومة.

وتعد الموازنة التي صوت عليها مجلس النواب هي أكبر موازنة في تاريخ البلاد.

وانتقد رئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة في خطاب لرئيس البرلمان عقيلة صالح اليوم الخميس إقرار موازنة عامة بمبلغ وصفه بأنه غير مسبوق ناهز 179 مليار دينار، معربا عن رفضه التام لها داعيا كل ذي مصلحة إلى الطعن فيها.

وقال تكالة إن جلسة إقرار الموازنة شهدت "مخالفات جسيمة ومتعددة"، عبر عنها أعضاء مجلس النواب أنفسهم عبر وسائط إعلامية مختلفة، وهي في مجملها "عيوب تنحدر بما صدر عن مجلس النواب من أعمال في تلك الجلسة إلى درجة تصل بها حد الانعدام".

وتابع "كل ذلك يضاف إلى عدم الالتزام بإحالة مشروع قانون الموازنة إلى المجلس الأعلى للدولة، لإبداء الرأي الملزم بشأنه، وفقا لما تحدد بنصوص الاتفاق السياسي الليبي بالصخيرات".

وأضاف تكالة أن "تمادي مجلس النواب في تجاوزاته واتخاذه إجراءات وترتيبات إدارة الشأن العام بإرادته المنفردة، لن يقود إلا إلى مزيد الانقسام والهدر للموارد والمقدرات العامة"، محذرا من خطورة هذا الأمر وتداعياته، وحمل القائمين عليه والمشاركين به المسؤولية عن "آثاره السلبية على المجتمع ومستقبل البلد".

وشدد على أن مجلس الدولة "لا يعتد بما نتج عن جلسة النواب الأخيرة من مقررات، ويعدها غير ذات أثر قانوني، لعدم استيفائها لقواعد إقرار قانون الموازن، طبقا للتشريعات النافذة".

وقبل يومين طلب تكالة من عقيلة صالح إحالة مشروع قانون الموازنة العامة للدولة للعام 2024 إلى مجلس الدولة، لدراسته وموافاته بالرأي حياله. ولوح في خطاب وجهه إلى عقيلة، بعزمه "الاعتراض على القانون والطعن عليه حال إقراره دون التشاور مع مجلس الدولة".

وسبق أن أكد رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي في تدوينة على حسابه بمنصة إكس، أن إقرار قانون للميزانية الموحدة يتطلب "ثلاثة اشتراطات دستورية متلازمة"، موضحاً أن أولها ضرورة وجود "مقترح مشروع للقانون مقدم من السلطة التنفيذية لاختصاصها في ذلك".

واشترط المنفي ضرورة تشاور السلطة التنفيذية مع المجلس الأعلى للدولة، قبل إحالة القانون إلى مجلس النواب الذي يجب عليه التصويت لإقرار القانون بعدد 120 نائباً. وطالب بضرورة "التوافق بين ممثلي المؤسسات الوطنية المعنية بتحديد أولويات الإنفاق العام، داعياً إلى مزيد من الحوار بالخصوص".

من جهته، شكك عضو لجنة دفاع بمجلس النواب سالم القنيدي في تصريح تلفزيوني على "قناة الوسط" الليبية في النصاب القانوني لإقرار الموازنة مقدرا "عدد النواب الحاضرين بين 40 أو 45 نائبا"، منتقدا ما أسماه بـ"تلاعب رئيس مجلس النواب عقيلة صالح ومحافظ المصرف المركزي الصديق الكبير بمقدرات الليبيين"، في إشارة إلى لقاء الكبير وعقيلة صالح في القاهرة حول الخطوات المتخذة لاعتماد الموازنة الموحدة للعام 2024.

ودافعت الحكومة المكلفة من مجلس النواب عن مقترح الموازنة، في بيان نشرته على صفحتها الرسمية على فيسبوك قبل التصويت على مقترحها، بأنها موازنة "موحدة" لكل البلاد، وأنها اجتهدت فيها لمراعاة كل "الملاحظات المطلوبة من جميع الأطراف". دون أن توضح ما هي الملاحظات أو الأطراف المطالبة بها.

وفي السياق، قال النائب عبدالمنعم العرفي في تصريح لـ"قناة الوسط" الليبية إن إقرار الموازنة اختصاص أصيل لمجلس النواب، ولا لمحمد المنفي بالموازنة، مشيرا إلى أن "القاعة كانت مملوءة بالنواب"، دون أن يحدد عددهم على نحو دقيق.

ومنذ سنوات، دخلت قضية الإنفاق الحكومي حيز الخلافات، خصوصا بعد تكليف مجلس النواب حكومة أسامة حماد الموازية في بنغازي وسط اتهامات وجهتها لحكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة بطرابلس.

ووسط ازدياد حدة الانقسام الحكومي، دفعت البعثة الأممية، بدعم عدد من العواصم الفاعلة في الملف الليبي، خصوصا واشنطن والعواصم الأوروبية، إلى تشكيل لجنة مالية عليا من ممثلي كل الأطياف الليبية، كمجلسي النواب والدولة وحكومتي البلاد والبنك المركزي وديوان المحاسبة ومؤسسة النفط، على أن تكون برئاسة محمد المنفي.

وإثر عدة اجتماعات للجنة المالية، بعد تشكلها في يوليو من العام الماضي، بهدف الاتفاق على الوصول إلى صيغة للتفاهم لترشيد الإنفاق، وكيفية تقاسم موارد النفط، طرأت خلافات بين أعضاء اللجنة وسط انسحاب ممثلي مجلس النواب من عضويتها، ما أدخلها في حيّز الفشل.

ومطلع الشهر الجاري، انعقد اجتماع في العاصمة طرابلس ضمّ المنفي والدبيبة وتكالة بطرابلس، لمناقشة ضرورة إجراء تعديلات على اللجنة المالية العليا لضمان أداء مهامها، وتنظيم الإنفاق الحكومي.

 ويبدو أن للمجتمع الدولي رؤية أخرى تتعلق بضرورة اتفاق كل الأطراف الليبية على اعتماد موازنة موحدة للبلاد، إذ عقدت مجموعة العمل الاقتصادية المنبثقة من لجنة المتابعة الدولية لمخرجات مؤتمر برلين التي تضم في عضويتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، إلى جانب الأمم المتحدة، اجتماعاً نهاية الشهر الماضي في طرابلس ناقش سبل مساعدة الأطراف الليبية على التوافق حول موازنة موحدة للدولة.

وكان ملف إقرار ميزانية موحدة للبلاد محل اجتماع لعقيلة صالح بمحافظ البنك المركزي، الصديق الكبير، السبت الماضي، بحسب بيان للبنك المركزي، والذي يعد الاجتماع الأول بينهما بعد سنوات من توتر العلاقة بين الجانبين.