خفض موديز لتصنيف تونس يفرض تسريع وتيرة الإصلاحات

اعتبر اقتصاديون تراجع النظرة المستقبلية لاقتصاد تونس من قبل وكالة موديز للتصنيف الائتماني، شهادة على بطء وتيرة الإصلاحات التي بدأتها الحكومة قبل عام.
وأعلنت الوكالة الأسبوع الماضي عن خفض تصنيف تونس إلى مستوى بي 1 مع آفاق سلبية بعد أن كان في مستوى بي.أي 3 مع آفاق سلبية.
وقال الخبير أنيس القاسمي لـ“العرب” إن “تغيير موديز للنظرة المستقبلية لتنصيف البلاد كان متوقعا بسبب تراخي الحكومة في تنفيذ العديد من الإصلاحات الاقتصادية الجوهرية”.
وشدد على ضرورة إعادة محركات النمو إلى نشاطها المعهود وتنفيذ كل الوعود التي قطعتها الحكومة باعتبارها المحفز الرئيسي لإنقاذ البلاد من محنتها التي لا يبدو أنها ستنتهي قريبا.
وتم تصنيف ديون البنك المركزي التونسي بالعملة الأجنبية التي تتحمل الحكومة المسؤولية القانونية في سدادها في مستوى بي 1 مع آفاق سلبية، وهو ما يعكس مخاطر استمرار تراجع احتياطيات النقد الأجنبي أكثر مما كان متوقعا.
وبلغ مستوى احتياطي تونس من العملة الصعبة إلى غاية منتصف أغسطس الجاري نحو 11.54 مليار دينار (4.67 مليار دولار)، وهو أدنى مستوى له منذ نحو سبع سنوات حينما كان بحدود 13.5 مليار دولار.
واستند خبراء الوكالة إلى ثلاثة عوامل لاعتماد التصنيف الجديد، تكمن في استمرار التدهور الهيكلي لقطاع الضرائب واستمرار اختلال التوازنات الخارجية المتمثل في عجز الميزان التجاري وضعف المؤسسات والتي أبرزها التأخر المسجل في برنامج تنفيذ الإصلاح المتفق عليه مع صندوق النقد الدولي.
وكالة موديز: النظام الضريبي والعجز التجاري وضعف المؤسسات أثرت على تصنيف تونس
وتعكس الآفاق السلبية، حسب بيان الوكالة، استمرار مخاطر تراجع احتياطات النقد الأجنبي أكثر مما كان متوقعا مع ما يصحب ذلك من ضغوط قد تؤدي إلى تفاقم الدين العام، وهو ما يجعل البلاد في ورطة.
وتحاول الحكومة الاسراع في تنفيذ برنامجها الإصلاحي الذي أطلقته قبل عام، لكن الضغوط تزايدت عليها الأسبوع الماضي، مع استقالة وزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولي محمد فاضل عبدالكافي، الذي شغل حقيبة المالية بالوكالة أيضا بسبب ملاحقاته قضائيا.
ويعتقد خبراء اقتصاديون أن هناك ضرورة الأخذ بعين الاعتبار لمتطلبات التمويل المتزايدة بالنظر إلى عمليات تسديد السندات الدولية القادمة بداية من عام 2019 وسط ضبابية الرؤية بشأن الوصول إلى مصادر التمويل الخارجية.
ولم تكتف موديز بذلك، بل خفضت السندات طويلة الأمد بالعملة المحلية والسندات المصرفية التونسية إلى بي.أي 1 من بي.أي.أي 2، وسقف الودائع البنكية بالعملات الأجنبية طويلة الأجل إلى بي 2 من بي 1، وسقف السندات بالعملات الأجنبية من بي.أي 1 إلى بي.أي 2.
ومع ذلك، أبقت الوكالة تصنيف احتياطات العملات الأجنبية وسندات الإيداع البنكي قصيرة الأجل دون تغيير.
وكانت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني قد خفضت في فبراير الماضي تصنيف تونس درجة واحدة من بي.بي سلبي إلى بي إيجابي وأبقت الآفاق مستقرة، وأرجعت ذلك إلى تراجع السياحة وتباطؤ نسق الاستثمارات.
4.67 مليار دولار، احتياطي تونس من النقد الأجنبي في منتصف الشهر الحالي، وفق بيانات رسمية
وقال خبراء الوكالة حينها إن “تراجع السياحة في أجواء من المخاطر المرتفعة للأمن وتباطؤ الاستثمارات مع تغييرات متكررة للحكومة وفصول من الإضراب، كلها عوامل أضعفت النمو والآفاق الاقتصادية” للدولة.
لكن اعتبار الآفاق مستقرة يستند إلى عناصر إيجابية مثل التقدم في الإصلاحات الاقتصادية لا سيما في القطاع المصرفي رغم أنها تسير ببطء والالتزام ببرنامج دعم لمدة أربع سنوات لصندوق النقد الدولي.
ويقول اقتصاديون إنه طالما تواصل الطلب على العملات الأجنبية لتسديد خدمة الدين والقيام بالتوريد دون تعويضه بعائدات من العملة الصعبة تحت أي شكل من الأشكال مثل زيادة الصادرات وعائدات السياحة والفوسفات، فإن تراجع الاحتياطيات سيتواصل حتما.
وسيكون لهذا التراجع، بحسب الأستاذة الجامعية في الاقتصاد فاطمة مراكشي الشرفي، نتائج وخيمة على ترقيم تونس وحظوظها في الاقتراض من الأسواق الدولية وأيضا على قدرتها على خلاص وارداتها والمحافظة على قيمة الدينار في مواجهة العملات الأجنبية.
ونقلت وكالة الأنباء الرسمية عن الخبيرة التونسية قولها إن “عدد أيام التوريد بالنسبة لأي بلد يعد مؤشرا لتقييم مستوى مدخراته من العملة ويتم استعماله على نطاق واسع لأنه يمكن مقارنته بسهولة بين مختلف البلدان وأيضا متابعته بالنسبة لأي بلد”.
وأضافت أن “الحكومة والأطراف الممولة وحتى وكالات الترقيم الدولية تتابع عن كثب الوضع لأنه يعكس أولا قدرة البلد على تسديد قيمة وارداته والإيفاء بتعهداته والمحافظة على سعر صرف الدينار في مواجهة الصدمات الخارجية السلبية المحتملة”.
وأكدت مراكشي أن توفر العملة الصعبة بحجم معقول يساعد البنك المركزي في المحافظة على مستوى الدينار الذي تراجع لمستويات تاريخية أمام اليورو والدولار مطلع هذا الشهر، فضلا عن ذلك فإنه يمكن استغلالها لمواجهة الصدمات الخارجية.