خطوات تصعيدية تقوّض جهود الكاظمي في تشكيل الحكومة الجديدة

بغداد- لا يحظى رئيس الوزراء المكلف مصطفى الكاظمي في الوقت الحالي بتأييد الحراك الشعبي داخل العاصمة بغداد، بعد تسريب قائمة مرشحين للتشكيلة الحكومية المرتقبة، بينهم وزراء حاليون وسابقون وآخرون رشحتهم الأحزاب الحاكمة، وهو ما يرفضه المحتجون الذين بدأوا يعودون تدريجيا إلى ساحة التحرير.
وأوّل ما قام به المحتجون في ساحة التحرير، تعليق العشرات من صور الكاظمي، وعليها إشارة "اكس" حمراء، تعبيراً عن رفض الحراك الشعبي لجهود الكاظمي في تشكيل الحكومة الجديدة.
ويواصل رئيس الوزراء المكلف مشاوراته مع الكتل السياسية لإكمال المرشحين لتشكيلته الحكومية المرتقبة قبل تقديمها للبرلمان لمنحها الثقة.
ولا تبدو مهمته يسيرة في ظل مساعي الأحزاب الحاكمة تمرير مرشحيها في الحكومة، وإلا فستقف حجر عثرة في طريقها بالبرلمان، في حين يلوح المتظاهرون بالتصعيد ضد أي حكومة تشارك فيها الأحزاب الحاكمة.
والكاظمي من بين أسماء قليلة كانت تحظى بدعم شريحة واسعة من المحتجين، إذ جرى اقتراح اسمه لخلافة رئيس الوزراء المستقيل عادل عبدالمهدي، إلا أن هذا الواقع تبدل كلياً.
ويقول الناشط غسان عدل، إن "أي حكومة انتقالية تأتي بمحاصصحة حزبية مرفوضة، ليس في ساحة التحرير فحسب، بل في كل ساحات الاحتجاج بالبلاد".
ويرى عدل، وهو أحد المعتصمين في ساحة التحرير منذ أشهر، أن "الجماهير أقوى من الطغاة والأحزاب والسياسيين".
وتوعد بالقول "هذه الحكومة لن تمرر وفي حال تم تمريرها سنقوم بإسقاطها بخطوات تصعيدية".
وبدأت الاحتجاجات المناهضة للحكومة والأحزاب النافذة، في أكتوبر 2019، وتخللتها أعمال عنف واسعة النطاق خلفت ما لا يقل عن 600 قتيل وفق رئيس الجمهورية برهم صالح ومنظمة العفو الدولي.
واستمرت الاحتجاجات لغاية منتصف مارس، قبل أن تتوقف بفعل حظر التجوال المفروض للحد من تفشي جائحة كورونا.
وخففت السلطات العراقية قيود الحظر بدءاً من 21 أبريل الجاري، وسمحت بتجوال السكان خلال ساعات النهار من 6 صباحاً و7 مساء، إلا أن التجمعات لا تزال محظورة، وهو ما يعيق تنظيم أي احتجاجات كبيرة في الوقت الحالي.
ويقول محمد دياب، وهو أحد المعتصمين بساحة التحرير إن "الكاظمي يعمل على تشكيل حكومة من الأحزاب الفاسدة لاستمرار نهب البلد". ويتابع "نحن بلد الحضارات ولن نقبل بعد الآن أن يحكمنا الجهلة والسراق".
ومنذ إسقاط النظام العراقي السابق بزعامة الرئيس الراحل صدام حسين عام 2003، يجري تشكيل الحكومات العراقية عبر توزيع المناصب بين المكونات الاثنية والطائفية في نظام غير دستوري يُعرف باسم المحاصصة.
ويصب المحتجون جام غضبهم على هذا النظام، ويعتبرون أنه أوصل حزبيين غير أكفاء إلى سدة الحكم حرصوا بالدرجة الأساس على مصالح أحزابهم، ما تسبب بشيوع الفساد وسوء الخدمات والتوترات الطائفية.
ولا يزال العراقيون يشكون من قلة الخدمات الأساسية مثل الكهرباء ومياه الشرب وخدمات التعليم والصحة، رغم أن البلد يتلقى عشرات مليارات الدولارات سنوياً من بيع النفط، فالعراق ثاني أكبر مصدر للخام في منظمة "أوبك" بعد السعودية.
واحتج العراقيون مراراً على الفساد وسوء الخدمات خلال السنوات الماضية، إلا أن الاحتجاجات الحالية هي الأكبر من نوعها على الإطلاق، ونجحت في الإطاحة بحكومة رئيس الوزراء المستقيل عادل عبدالمهدي في ديسمبر الماضي.
وقال محمد رضا أحد ناشطي ساحة التحرير "نرفض كل كابينة حكومية يجري تشكيلها بناء على المحاصصة الحزبية والطائفية، حيث يعاني البلد الويلات بسببها من سنوات طويلة".
وأضاف أن الاحتجاجات ستستمر حتى تحقيق أهدافها بتشكيل حكومة من المستقلين الأكفاء، بعيداً عن الأحزاب "الفاسدة"، ومحاسبة كل المتورطين بالفساد وقتل المحتجين.
وأشار إلى أن النشطاء في مختلف ساحات الاحتجاجات سيتباحثون لاتخاذ الخطوات التصعيدية المناسبة بشأن الكاظمي وحكومته المرتقبة.
ومع اقتراب عقد الجلسة العامة للبرلمان العراقي للتصويت على الحكومة بدأت تتضح الصورة تدريجيا، حيث تشير كل التوقعات إلى تخلي الأحزاب والميليشيات الشيعية الموالية لإيران عن الكاظمي الذي رشحته في البداية لهذا المنصب.
ويشير مراقبون إلى أن تخلي الكتل البرلمانية الموالية لإيران عن الكاظمي في هذا الظرف يؤكد أن ترشيحه لا يعدو أن يكون ترشيحا شكليا للتخلص من رئيس الوزراء المكلف السابق عدنان الزرفي، ومن ثمة الانقلاب عليه للإبقاء على الحكومة المستقيلة التي يقودها عادل عبدالمهدي.
واتبعت القوى السياسية العراقية الخاضعة لإيران تكتيكا مألوفا، يقوم على التشكيك التدريجي في آلية مفاوضات المكلفين بتشكيل الحكومة، وصولا إلى لحظة التصعيد النهائي ضدهم.
وتذرعت هذه الأحزاب بأن الكاظمي اختار وزراء الحقائب الشيعية بحرية، لكنه قبل بإملاءات الكتل الكردية والسنية.
وتخشى هذه القوى أن يستخدم رئيس الوزراء المكلف وزارتي الدفاع والداخلية، في حال عين فيهما وزيرين مستقلين عن نفوذ الأحزاب، لضرب الميليشيات الموالية لإيران، ما يعني خسارة طهران لأهم أذرعها في العراق.
والكاظمي ثالث رئيس وزراء مكلف منذ استقالة حكومة عبدالمهدي في ديسمبر الماضي، حيث فشل المكلفان السابقان محمد توفيق علاوي وعدنان الزرفي في حشد الدعم المطلوب لتشكيل الحكومة.
وكان الرئيس العراقي برهم صالح قد كلف الكاظمي في 9 أبريل الجاري بتشكيل الحكومة الجديدة خلال مهلة 30 يومياً.
والكاظمي مستقل لا ينتمي إلى أي حزب سياسي، تسلم منصب رئيس جهاز المخابرات الوطني، في حزيران 2016، خلال فترة تولي حيدر العبادي رئاسة الحكومة.