خطة نتنياهو لـ"اليوم التالي" في غزة لن تنجح

القدس - يرى محللون أنه بدلاً من توفير مسار لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، تهدف خطة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لليوم التالي في غزة إلى سحق التطلعات الوطنية الفلسطينية وضمان استمرار السيطرة الإسرائيلية.
ويقول الباحث في شؤون الشرق الأوسط جيمس دورسي إنه رغم كل الصعاب تفترض الخطة أن إسرائيل سوف تنجح في تدمير حماس وهو أحد أهداف الحرب التي يعتقد أغلبية من الإسرائيليين أنها غير قابلة للتحقيق. ويضيف دورسي إن خطة نتنياهو، بعنوان “خطة لليوم التالي لحماس”، تتعارض أيضًا مع الخطوط الحمراء الرسمية و/أو غير الرسمية التي وضعتها الولايات المتحدة و دول عربية مختلفة، بما في ذلك مصر، وقطر، والمملكة العربية السعودية، والسلطة الفلسطينية.
وتشمل هذه الخطوط الحمراء عدم إعادة احتلال إسرائيل لأي جزء من غزة، وعدم تقليص مساحة أراضي غزة، وعدم رفض الحقوق الوطنية الفلسطينية في دولة إلى جانب إسرائيل. كما تفرض الخطوط الحمراء عملية ذات مصداقية لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وهو مفهوم غائب عن اقتراحات نتنياهو.
وتجعل خطة نتنياهو إعادة إعمار غزة التي دمرتها الحرب والمصابة بصدمة مشروطة بقدرة إسرائيل على تجريد القطاع من السلاح وإعادة تشكيل المواقف والتطلعات الفلسطينية في القالب الإسرائيلي لضمان الامتثال للاحتياجات الإسرائيلية وليس الفلسطينية.
وتسلط خطة نتنياهو الضوء على الفجوة المتسعة بين رؤية إسرائيل للمستقبل ورؤية جميع اللاعبين الرئيسيين الآخرين. ونتيجة لهذا فإن أي جهد يتجاوز إنهاء الحرب وتجميد الصراع لابد أن يشتمل على تغيير كبير ليس فقط على الجانب الفلسطيني، وهو ما يتجسد في عبارة “إعادة تنشيط السلطة الفلسطينية”، بل وأيضاً في إسرائيل.
وفي نهاية المطاف، لابد أن يتضمن هذا التغيير اعتراف الإسرائيليين والفلسطينيين بأن همومهم ومخاوفهم ما هي إلا صور مرآة لبعضهم البعض، ولابد من أن تؤخذ في الاعتبار على قدم المساواة وعلى قدم المساواة. وهذه الفكرة أيضًا غائبة عن اقتراح نتنياهو.
وتنص الخطة أن “إسرائيل ستحتفظ بحرية العمل في قطاع غزة بأكمله، دون حد زمني، لغرض منع تجدد الإرهاب وإحباط التهديدات من غزة”. ويتجاهل نتنياهو هنا حقيقة أن الفلسطينيين يشعرون بالصدمة من سلوك إسرائيل في حرب غزة مثل الإسرائيليين من هجوم حماس في 7 أكتوبر الذي أثار الأعمال العدائية والمذبحة الأخيرة.
وبعبارة أخرى، يشعر الفلسطينيون بالحاجة إلى الحماية ضد العنف الإسرائيلي بقدر ما يشعر الإسرائيليون بالحاجة إلى الحماية ضد العنف الفلسطيني. وتتضمن رؤية نتنياهو فكرة أن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها وضمان أمنها بأي ثمن. ولا تنكر رؤيته على الفلسطينيين نفس الحق فحسب، بل أيضًا، مع ترك طبيعة المقاومة الفلسطينية جانبًا، والحق في معارضة الاحتلال والسعي إلى حقهم في تقرير المصير، وهو حق راسخ في القانون الدولي.
وترفض خطة نتنياهو صراحة الخطوط الحمراء التي وضعها المجتمع الدولي من خلال الإصرار على أن “الفضاء الأمني الذي سيتم إنشاؤه في قطاع غزة في المنطقة المتاخمة لإسرائيل سيظل قائما طالما أن هناك حاجة أمنية إليه”. ومما يزيد الطين بلة أن وزير المالية اليميني المتطرف في حكومة نتنياهو، بتسلئيل سموتريتش، ينوي التأكيد على مفهومه الإشكالي للأمن من خلال المضي قدما في بناء أكثر من 3000 وحدة سكنية جديدة في المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية في الأيام المقبلة.
ومن خلال مطالبته بأن يكون لإسرائيل وجود أمني في غزة، يسعى نتنياهو في الواقع إلى ضمان عدم مشاركة أي دولة أو كيان ثالث في حكم وإعادة تأهيل غزة بعد الحرب.
ويبدو أن نتنياهو يتصور أن الوجود الأمني الإسرائيلي سيكون على طول حدود غزة مع مصر في خطوة تهدف إلى الحفاظ على هذا النوع من السيطرة على ما يدخل ويخرج من القطاع الأمر الذي أعاق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في غزة لقرابة عقدين. وستواصل إسرائيل الحفاظ على “الإغلاق الجنوبي” على الحدود بين غزة ومصر، بهدف منع إعادة تكثيف العناصر الإرهابية في قطاع غزة.
◙ خطة نتنياهو ترفض الخطوط الحمراء التي وضعها المجتمع الدولي من خلال الإصرار على أن الفضاء الأمني الذي سيتم إنشاؤه في قطاع غزة سيظل قائما طالما أن هناك حاجة أمنية إليه
وسيعمل “الحاجز الجنوبي” قدر الإمكان بالتعاون مع مصر وبمساعدة الولايات المتحدة وسيرتكز على إجراءات لمنع التهريب من مصر تحت الأرض وفوق الأرض، بما في ذلك عند معبر رفح. ويشكل إصرار نتنياهو على التجريد من السلاح “بما يتجاوز ما هو مطلوب للحفاظ على النظام العام” يشكل محاولة لتدمير قدرة حماس العسكرية بوسائل أخرى بعد فشل حملتها العسكرية في تحقيق أهدافها.
وإذا تركنا جانباً حماس، التي تصر على إنهاء الكفاح المسلح في نهاية عملية حل الصراع وليس كشرط مسبق، فمن غير المرجح أن يشارك أي طرف عربي أو فلسطيني في حكم الأراضي الفلسطينية تحت الوصاية الإسرائيلية ودون عملية سلام ذي مصداقية. وبالمثل، من غير المرجح أن يشارك أي طرف فلسطيني أو عربي في خطة تهدف إلى مواجهة التطلعات الوطنية الفلسطينية تحت شعار “إزالة التطرف”، ومن شأنها أن تنطوي على حل واستبدال وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) المثيرة للجدل.
وعلى الرغم من الادعاءات الإسرائيلية والأميركية الأخيرة بأن 12 من موظفي الأونروا شاركوا في الهجوم الذي شنته حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر، فإن الحملة الإسرائيلية طويلة الأمد ضد الوكالة تنبع من حقيقة مفادها أن موادها التعليمية وعملها الاجتماعي يسمحان بتعزيز الهوية الوطنية الفلسطينية.
وجاءت خطة نتنياهو وسط تقارير تفيد بأن الولايات المتحدة وقطر ومصر والسلطة الفلسطينية تعمل على خطة للتوصل إلى اتفاق سلام شامل بين إسرائيل والفلسطينيين. وكان كبير مبعوثي الرئيس الأميركي جو بايدن إلى الشرق الأوسط، بريت ماكجيرك، في إسرائيل لمناقشة وقف مؤقت لإطلاق النار في الحرب وتبادل الأسرى بين حماس وإسرائيل عندما أعلن نتنياهو عن خطته.