خطة تونسية لإعادة الاعتبار إلى المدرسة العمومية

العقد الاجتماعي الجديد للتربية أول خطوات الإصلاح.
الأربعاء 2022/07/13
إصلاح المنظومة التربوية لا ينتظر التأجيل

يسعى الباحثون والمختصون في الشأن التربوي في تونس لإعادة الاعتبار إلى المدرسة العمومية وجعلها قريبة من التلاميذ و جاذبة لهم ومحققة لمبدأ تكافؤ الفرص بينهم، وذلك برسم خطة إصلاح تهدف إلى تغيير مناهج التدريس والتخفيف منها والإنقاص من ساعات التدريس، ويمثل العقد الاجتماعي الجديد للتعليم أول خطوات الإصلاح.

تونس ـ أصبحت المدرسة التونسية اليوم منفرة للتلاميذ بسبب كثافة المواد وصعوبة البرامج المدرسية وطول ساعات التدريس، ما استوجب وضع عقد اجتماعي جديد للتعليم، يستند إلى الحق في التعليم مدى الحياة وتعزيز التعليم بوصفه أحد المساعي المجتمعية.

وقد كشفت الندوة الإقليمية التي احتضنتها جزيرة جربة التابعة لمحافظة مدنين جنوب البلاد، وبتنظيم من المعهد العربي لحقوق الإنسان، وبإشراف وزارة التربية والاتحاد العام التونسي للشغل، وعدة شركاء أمميين عن النسخة الأولى من العقد الاجتماعي الجديد للتربية والتعليم في انتظار صياغة نسخة نهائية للعقد ستعرض بعد موافقة كل المشاركين في إعدادها في اجتماع اللجنة الدولية في شهر سبتمبر المقبل.

وكانت اللجنة الدولية لمستقبل التربية والتعليم التابعة لليونسكو قد دعت إلى إجراء تغييرات جذرية في الأنظمة التعليمية لرسم مستقبل أفضل للجميع.

المدرسة التونسية في حاجة إلى مراجعة على مستوى الزمن المدرسي والبرامج والمناهج لتشمل المراجعات كل المجالات

وقال المندوب الجهوي للتربية بمدنين، محرز نجيب بن حميدة، إن مثل هذا العقد يتنزل في صلب عمل وزارة التربية لإصلاح المنظومة التربوية التي كشفت جائحة كورونا بحدة عن إشكالاتها وهناتها، سواء على مستوى التدريس أو الزمن المدرسي وغيره، ما أكد حاجة المدرسة التونسية إلى مراجعة على مستوى الزمن والفضاء والبرنامج والمناهج لتشمل المراجعات كل مجالات التربية.

وأضاف أن وزارة التربية شرعت في مثل هذه المراجعات بالتنسيق مع الطرف الاجتماعي، مشيرا إلى أن هذه الندوة التي يشارك فيها عديد الأطراف تجعل طرح المسألة التربوية بجانب تشاركي موسع، مهما جدا للخروج بأفكار ومقترحات لتطوير المدرسة التونسية حتى تصبح جاذبة وقريبة تنبض حياة وتلبي طموحات أبنائها، حسب قوله.

كما قدم الأستاذ بكلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بتونس والمستشار العلمي والقانوني للمعهد العربي لحقوق الإنسان، حاتم قطران، تقرير اليونسكو حول “وضع تصورات جديدة لمستقبلنا معا: عقد اجتماعي جديد للتربية والتعليم”، الذي وضعته هذه المنظمة من خلال هيئة رفيعة المستوى من قادة الرأي في العالم، ومن بينهم من تونس رئيس المعهد العربي لحقوق الإنسان.

وأوضح قطران أن تونس هي إحدى الدول التي أصبح فيها التعليم المجال الذي تظهر فيه تفاوتات في التحصيل المعرفي ومنها تفاوتات في كل صيغ التنمية، وهو ما يستوجب إعادة التفكير بعمل تشاركي يضطلع فيه المجتمع المدني والقطاع الخاص والمربين بدور أساسي في إعادة النظر في مؤسسات التربية انطلاقا من هندستها وشكلها وطريقة التعامل داخلها واتخاذ القرارات صلبها والعلاقات داخلها، وكل ذلك عبر عقد يكون مصدر التزامات محددة يلزم الدولة ومختلف المتدخلين ضمنه.

تونس هي إحدى الدول التي أصبح فيها التعليم المجال الذي تظهر فيه تفاوتات في التحصيل المعرفي ومنها تفاوتات في كل صيغ التنمية

ولفت إلى أن من أبرز ملامح التقرير حول مستقبل التربية والتعليم، التعليم للجميع مدى الحياة والتعليم منفعة مشتركة، وهو ما يتطلب إعادة نظر في المناهج التربوية وإعطاء مجالات أوسع لمنظومة التكوين المهني ورفع أشكال التمييز بين التلاميذ من حاملي الإعاقة أو الأطفال في حالة الهجرة واللجوء، مضيفا أن من أبرز أهدافه التربية على حقوق الإنسان وعلى مفاهيم الديمقراطية.

ولدى استعراضه مشروع العقد الاجتماعي التونسي، تنفيذا لتوصيات تقرير اليونسكو، أبرز المتفقد العام المميز للتربية والخبير لدى المعهد العربي لحقوق الإنسان، هشام الشابي، أن هذا العقد مهم كفكرة إيجابية تجمع أغلب الناس حول قضايا التربية في عمل تشاركي.

ويعاني قطاع التعليم في تونس من أزمة حادة عقب اندلاع ثورة يناير 2011، في ظل تراجع المنظومة التربوية خاصة على مستوى المناهج وبسبب النقص في عدد المدرسين، إضافة إلى تدهور البنية التحتية وتداعيات المطالب النقابية على سير الدروس، ما جعل البلاد تحتل مراكز غير مطمئنة في التصنيفات الدولية لقطاع التعليم.

ويقول خبراء إن السياسات الخاطئة وراء تدني هذا القطاع، إذ أنهم حذروا من تراجع جودة التعليم في تونس، خاصة في الآونة الأخيرة بسبب استمرار تعليق الدراسة توقيا من الجائحة. وتستدعي هذه المخاوف الحاجة إلى خطط إصلاح للنهوض بالقطاع وإنقاذه حماية لحق الأجيال الناشئة في التعليم.

ولطالما عانت الأسر التونسية المتعبة من الدروس الخصوصية والمدارس الخاصة من تبعات رداءة المنظومة التربوية وطالبت في كثير من المناسبات بضرورة الإصلاح كما رحبت بمشروع العقد الاجتماعي الجديد للتربية في تونس.

وقالت هناء حمادي، أم لتلميذتين يدرسان بالابتدائي والإعدادي، إنها تبذل ما في وسعها من أجل نجاح بنتيها مشيرة إلى أنها لا تقدر على الاستغناء عن الدروس الخصوصية ودروس الدعم والتدارك خصوصا أمام تقاعس المدرسين عن أداء دورهم على أكمل وجه.

Thumbnail

وأكدت حمادي أن التلاميذ يعانون ضعفا فادحا في اللغات كما أنهم لا يجيدون القراءة.

وقال عربي هداوي البالغ من العمر 50 عاما إن المنظومة التربوية في تونس بحاجة أكيدة إلى إصلاح جذري آملا في أن يكون العقد الاجتماعي الجديد حاملا لمشروع تربوي من شأنه أن يحبب التلميذ في مدرسته ويقضي على التمييز بين التلاميذ، وأهم من ذلك أن يدعم دور المدرسة العمومية بما لا يجعل الأسر التونسية رهينة للدروس الخصوصية ولاستغلال بعض المدرسين المتمعشين من فشل التلاميذ.

وسبق أن أكدت تقارير دولية ومحلية أن عدد ضحايا نظام التعليم في تونس يتجاوز بكثير أعداد الناجحين، وأشار تقرير للبنك الدولي حول فقر التعلم إلى أن حوالي 65 في المئة من التلاميذ التونسيين لا يجيدون القراءة.

و”فقر التعلم” هو النسبة المئوية للأطفال في سن العاشرة ممن لا يستطيعون قراءة قصة بسيطة وفهمها.

كما أكدت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في إحصائيات صادرة عنها أن 70 في المئة من تلاميذ تونس لا يجيدون الرياضيات و70 في المئة لا يجيدون العلوم.

وأكد البنك الدولي في تقريره حول رأس المال البشري في العام 2018 أن تلميذ السنة الأولى من التعليم الابتدائي الذي يبلغ من العمر 6 سنوات يتوقع أن يخسر 50 في المئة من قدراته ومدخراته بسبب رداءة التعليم في تونس.

17