خطة بريطانية لإعادة الحياة إلى طبيعتها مسودة لبقية دول العالم

تتجه العديد من الدول إلى اتخاذ إجراءات جديدة تعيد الحياة إلى نسقها الطبيعي بعد الحظر الذي فرضه وباء كورونا، ولكن مع مراعاة حماية المواطنين من انتقال عدوى الوباء. وفي هذا الصدد تستعد الحكومة البريطانية إلى طرح خطة على رئيس الوزراء بوريس جونسون هدفها إعادة فتح المدارس ومن ثمة العودة تدريجيا إلى النسق العادي للحياة، شريطة مراعاة مبدأ التباعد الاجتماعي. ويرى الكثير من الخبراء أن هذه الخطة يمكن أن تكون تجربة هامة يقتدي بها العالم أولا لإخراج الناس من العزلة وثانيا لتقادي الأزمات الاقتصادية.
لندن – تتزايد الضغوط في دول كثيرة من العالم ومنها بريطانيا والولايات المتحدة لإعادة الحياة إلى نسقها الطبيعي، وذلك باستئناف العمل وعودة الطلاب إلى المدارس لكن عبر اتخاذ إجراءات جديدة أقلّ تشددا لكنها حذرة من التوقي من الإصابة بفايروس كورونا.
وتستعد الحكومة البريطانية لعرض خطة على رئيس الوزراء بوريس جونسون هدفها إعادة فتح المدارس وإعادة الحياة إلى طبيعتها في البلاد.
وذكرت صحيفة صنداي تايمز البريطانية، الأحد أن الخطة ستعرض على جونسون المصاب بفايروس كورونا، بعد عودته إلى العمل، وأن الخطة تتضمن إعادة فتح المدارس اعتبارا من 11 مايو القادم، على أن يتم استقبال الطلاب في أيام محددة.
وبحسب نفس المصدر، فإنه في حال وافق جونسون على الخطة، فإن طلاب المرحلة الابتدائية سيعودون أولا إلى المدارس، فيما سيتم فتح المدارس بالكامل في الأول من يونيو أو مطلع سبتمبر القادم.
وفي ما يخص عودة الحياة إلى طبيعتها، تنص الخطة في المرحلة الأولى على فتح مراكز التسوق التي يتم فيها مراعاة مبدأ التباعد الاجتماعي. وكذلك سيتم رفع القيود المفروضة على خدمة المواصلات عبر الحافلات والقطارات.
ضغوط متزايدة
وفق الخطة المذكورة سيسمح مطلع يونيو القادم لجميع العاملين بالعودة إلى أعمالهم، بجانب السماح بتنظيم بعض الفعاليات الاجتماعية الصغيرة.
وتنص الخطة على الانتظار لغاية يوليو من أجل إعادة فتح المطاعم والملاهي وإقامة الفعاليات الرياضية والحفلات الموسيقية. وتشدد على استثناء كبار السن من الخروج إلى الشوارع، على اعتبار أنهم الأكثر تضررا من فايروس كورونا المستجد.
وبلغ عدد وفيات كورونا الجديد في بريطانيا، 15 ألفا و464 حالة، حسب آخر إحصائية رسمية. وحتى صباح الأحد، بلغ عدد مصابي كورونا حول العالم مليونين و232 ألفا و456، توفي منهم أكثر من 160 ألفا، فيما تعافى ما يزيد على 600 ألف، حسب موقع “وورلد ميتر” المتخصص في رصد أعداد ضحايا الجائحة.
وترتفع حدة الضغوط لاستئناف الحياة بشكل عادي لا فقط في بريطانيا، حيث طالب متظاهرون في الولايات المتحدة هم في الغالب من المؤيّدين للرئيس الأميركي دونالد ترامب بدءا من نيوهامبشر إلى كاليفورنيا، مرورا بتكساس وأوهايو بإنهاء إجراءات الحجْر التي فُرضت لاحتواء فايروس كورونا المستجدّ.
وكان ترامب قدّم دعمه للمتظاهرين الذين يحتجّون على أوامر الحجر الصحّي، معتبرًا أنّ بعض حكّام الولايات “ذهب بعيدًا جدًا” في إجراءات الحجر، في وقت باتت الولايات المتحدة أكبر بؤرة في العالم لوباء كوفيد – 19.
وتجمّع نحو 400 متظاهر، بعضهم في سيّارات، أمام برلمان كونكورد، عاصمة ولاية نيوهامبشر الصغيرة (1.3 مليون نسمة) التي ظلّت نسبيًا بمنأى عن الفايروس وسجّلت حتّى الجمعة 1287 إصابة و37 وفاة. وكان الحاكم الجمهوري كريس سنونو أصدر أوامر بفرض حجر حتّى 4 مايو على الأقلّ.
وكُتب على لافتات حملها المتظاهرون “الأرقام تكذب” و”أعيدوا فتح نيو هامبشر”. وبدا أنّ هؤلاء تجاهلوا تعليمات السلطات المتعلّقة بالتباعد الاجتماعي، وكان هناك بينهم رجال مسلّحون ومقنّعون على غرار الميليشيات ومتظاهرون يضعون قبّعات مؤيّدة لترامب، فيما لم يكن هناك وجود للشرطة بحسب مشاهدات وكالة فرانس برس.
ويقول في هذا الصدد، تيلر كوين لوكالة بلومبرج “يعتبر فايروس كورونا أهم القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية. فالأمر لا يتعلق ببساطة بإنفاق تريليونات الدولارات أو تسييل الديون، التي يعتبرها غالبية الأميركيين قضايا ملموسة.
إن السؤال هو متى وكيف نخفف من درجة الإغلاق الحالي. فالإغلاق هو الميزة الأولى لحياة الجميع في الوقت الحالي، حتى في حالات الإغلاق غير الرسمي أو الكامل.
ويضيف “يبدو أن الرئيس دونالد ترمب يعتقد أن لديه السلطة لإعادة فتح البلاد وقد يفعل ذلك الشهر المقبل. وسواء كان القرار حكيماً أو لا، فإن الحكومة الفيدرالية لا يمكنها إعادة فتح البلاد من تلقاء نفسها. فقد صدرت أوامر الإغلاق الفعلية من قبل المحافظين، وسيتعيّن على المحافظين رفعها، وقد يتصرفون بشكل متضافر دون الرجوع إلى الحكومة الفيدرالية.
ويتابع تيلر “علاوة على ذلك، يجب أن تكون الظروف الموضوعية إيجابية بدرجة كافية بحيث يستجيب الناس ويتوجهون إلى المتاجر والمطاعم والأماكن العامة الأخرى مجددا”.
يرى الكثير من المراقبين أن الخطوة البريطانية التي تأتي بالتزامن مع عزم عدة حكومات أخرى في إسبانيا أو الصين لاستئناف العمل يمكن أن تكون نموذجا هاما يحتذى به للحفاظ على التوازنات الاقتصادية بآليات تحفظ صحة المواطنين.
الجهود المطلوبة
قالت في هذا الصدد، صحيفة فاينانشال تايمز، في افتتاحية بعنوان “بعد الإغلاق، علينا الاعتياد على الطبيعي الجديد”. وتشرع الصحيفة بسيناريو يبدأ في فبراير من العام المقبل، 2021. وتقول الصحيفة “دعونا نتخيل العالم في بدايات 2021: لنتخيل عائلة سميث، التي تشعر بسعادة غامرة لحصولها على تذاكر لحضور مباراة لفريق كرة القدم المفضل لها”.
وتضيف قبيل المباراة، تبرز العائلة على هواتفها المحمولة بطاقات إلكترونية تثبت خلوها من فايروس كورونا، ومن لا توجد بحوزته مثل هذه البطاقة يواجه فحصا لدرجة الحرارة أو أي أعراض أخرى للفايروس. في المدرجات الكثير من المقاعد خالية للحفاظ على قواعد التباعد الاجتماعي.
وتؤكد الصحيفة أن هذه الحقيقة الجديدة ستحد كثيرا من الاستمتاع بالمباراة، ولكن ذلك سيكون جزءا من الواقع الجديد الذي فرضه كورونا.
وترى فاينانشال تايمز أن الأمر سيتطلب جهودا ضخمة للحيلولة دون حدوث موجة ثانية من وباء كورونا. وأنه قد توجد دورات متعاقبة من تقليل الإغلاق والقيود ثم تشديدها مجددا لتجنّب موجات جديدة من الوباء، كما أن بعض الحريات التي سلبنا إياها الوباء، قد تعود إلينا، لتسلب منّا مجددا خشية وقوع موجة جديدة.
وتقول الصحيفة إن الدول التي زوّدت نفسها بقدرات واسعة على فحص السكان وتتبع من قد تظهر عليهم أي أعراض ستخرج من الأزمة بصورة أسرع.
وبحسب الصحيفة نفسها فإن بعض القطاعات ستعود إلى العمل أسرع من غيرها، فعلى سبيل المثال ستعود الأعمال التي تحتاج إلى العمل في الشارع مثل أعمال البناء إلى مزاولة نشاطها أولا، بينما قد يبقى الموظفون الذين يؤدون عملا مكتبيا في منازلهم ومزاولة عملهم من هناك.

ويضيف المصدر نفسه أن الذين سيعودون إلى أعمالهم سيجدون بيئة عمل جديدة تختلف عن التي اعتادوا عليها، فقد يتم تطبيق نوبات عمل للحد من وجود جميع العاملين في المكتب في الوقت، وللحدّ أيضا من ازدحام المواصلات في ساعات الذروة الصباحية والمسائية. وبدأت مؤخرا دول أوروبية عدة كالنمسا والدنمارك وجمهورية التشيك في تخفيف قيود التباعد الاجتماعي لاستعادة ما يشبه الحياة الطبيعية وإعادة تشغيل عجلة الاقتصاد تدريجياً مع الإبقاء على الإجراءات الاحترازية مثل مسافات التباعد الاجتماعي وارتداء الكمامات.
وتدفق العديد من العمال في العواصم الأوروبية وهم يرتدون الكمامات ويراعون مسافات التباعد الاجتماعي، كما تدفقوا إلى المتاجر المختلفة مثل الملابس ومحلات الأجهزة ومستلزمات الحدائق التي أعادت فتح أبوابها بعد رفع الحجر الصحي تدريجياً، في خطوة أولية ستلحق بها قطاعات أخرى. لكن مازالت حكومات هذه الدول تفرض على المطاعم والفنادق الانتظار حتى منتصف مايو لإعادة فتح أبوابها ولا يمكن عقد أي أحداث عامة حتى أواخر يونيو على الأقل.
فيما تحافظ جلّ الدول على الإبقاء على تدابير الصحة العامة الأخرى، مثل مطالبة الناس بارتداء أقنعة الوجه في محلات السوبر ماركت والصيدليات ووسائل النقل العام.