خطة الطريق العراقية جريئة لكنها مليئة بالمخاطر

ضمان التمويل الكافي والإدارة المالية السليمة من التحديات الحرجة.
الثلاثاء 2025/03/11
مشروع طموح يستوجب معالجة الإخلالات السياسية والمالية

يوفر مشروع طريق التنمية في العراق محفّزا لتحقيق ازدهار اقتصادي مع إمكانية جنْي فوائد مشتركة للمنطقة بأكملها، نظرا لقدرة المشروع على التكامل وترابطه مع الموانئ والبنى التحتية الموجودة أصلاً. لكن تحقيق ذلك لا يخلو من عقبات.

بغداد - تبدو خطط طريق التنمية الذي أطلقه العراق جريئة إذ يتجاوز الطريق كونه مجرد تطوير للبنية التحتية القديمة في العراق، فهو يهدف إلى الاستفادة من موقع البلاد الإستراتيجي بصفتها ممرا تجاريا مستقبليا لمعالجة العديد من القضايا الملحة، كالبطالة والفساد والبنية التحتية القديمة. لكن الطريق مليء بالمخاطر.

وأعلن العراق عن طريق التنمية في مايو 2023. ويتمثل هذا في مشروع خط سكة حديد وطريق سريع بقيمة 17 مليار دولار، يمتد من ميناء جديد في الفاو جنوب العراق إلى تركيا، بهدف ربط آسيا وأوروبا.

ونال المشروع دعما تركيّا، ومن المرجح أن تشارك قطر والإمارات العربية المتحدة كمصرفيين محتملين.

ويقول الباحث جيمس دورسو في تقرير نشره موقع أويل برايس الأميركي “إن مشروع طريق التنمية في العراق يبقى مبادرة طموحة وجريئة ذات فوائد محتملة عديدة.”

فوائد محتملة

رغم تراجع الفساد المستشري، إلا أنه لا يزال متواصلا بدرجة قد تعيق نتائج المشروع
رغم تراجع الفساد المستشري، إلا أنه لا يزال متواصلا بدرجة قد تعيق نتائج المشروع

يهدف المشروع إلى تحويل العراق إلى مركز رئيسي للنقل، وتعزيز الرخاء الاقتصادي والحد من اعتماد البلاد الشديد على صادرات النفط.
ومع اعتماد الحكومة العراقية الشديد على عائدات النفط، يمكن أن تفرض التقلبات في أسعار النفط تعديلات ميزانية كبيرة، ما يؤثر على الإنفاق العام على البنية التحتية والصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية.

ويبقي هذا الاعتماد اقتصاد العراق عرضة لتقلبات أسعار النفط، مع ارتباط الاستقرار الاقتصادي بديناميكيات سوق النفط العالمية، إذ تعقّد هذه العوامل التخطيط المالي.

ويطمح العراق إلى استغلال طريق التنمية لمكافحة الانخفاضات المستقبلية في الطلب على النفط. كما تلعب السيطرة على الموارد النفطية دورا حيويا في السياسة الداخلية العراقية، فهي تؤثر على الديناميكيات التي تمتد إلى العلاقات الجامعة بين الحكومة المركزية في بغداد وحكومة إقليم كردستان شبه المستقلة.

ويعني هذا الاعتماد أن أسعار النفط التي لا يستطيع العراق السيطرة عليها تؤثر على السياسات الاقتصادية العراقية، وتخطيط الميزانية الوطنية، والاستقرار الاجتماعي.

ويبقى تنويع الاقتصاد حيويا للاستقرار على المدى الطويل والمرونة في مواجهة صدمات أسعار النفط.

وتشمل المبادرة مشاركين مثل تركيا وقطر والإمارات، وتهدف في السيناريو المثالي إلى تعزيز التكامل الاقتصادي الإقليمي والتعاون والترابط الاقتصادي.

ومن المتوقع أن تبقى التوترات بين الأطراف قائمة، فقد تقاوم الكويت المجاورة أي خطوة تهدد ميناء مبارك الكبير، الذي يجري بناؤه على جزيرة بوبيان (جزء من مبادرة الحزام والطريق الصينية). كما قد تنظر إيران إلى الطريق باعتباره منافسا لموانئها الرئيسية الثلاثة: تشابهار، وبندر عباس، وبندر الخميني.

وقد تحاول وقف المشروع عبر الاستعانة بحلفائها في بغداد باستخدام القنوات السياسية أو قد تلجأ حتى إلى التخريب، وإن كان ذلك تكتيكا محفوفا بالمخاطر.

واقترحت طهران ربطا بالسكك الحديد من إيران عبر العراق إلى ساحل البحر المتوسط السوري، على الرغم من أن العراق كان ينظر تقليديا إلى الجزء الرابط من الشلامجة إلى البصرة باعتباره مجرد طريق للحجّاج، وليس من منظور التجارة الإقليمية أو لدعم حلفاء طهران “المقاومة” في بلاد الشام. لكن بغداد قد تختار شراء السلام بالموافقة على ربط هذا الجزء بالطريق عبر خط سكة حديد الشلامجة – البصرة (الذي ستموله إيران).

الفساد المستشري قد يعيق نتائج المشروع، ويثبط عزيمة المستثمرين، وينفر المقاولين والمورّدين
الفساد المستشري قد يعيق نتائج المشروع، ويثبط عزيمة المستثمرين، وينفر المقاولين والمورّدين

وفي هذا السياق قد تكون القوة المزعزعة للاستقرار هي الولايات المتحدة، التي قد تستهدف التطبيع الاقتصادي بين العراق وإيران ضمن حملتها الأوسع ضد طهران، ما يفرض فعليا كلفة على العراقيين باسم مواجهة إيران.

ومن التطورات البارزة الأخيرة موقف عبدالله أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني المتمركز في العراق، الذي حث الجماعة على نزع سلاحها وحل نفسها والتصالح مع تركيا.

وقد يتردد صدى هذا التحول الإيجابي في جميع أنحاء العراق وإيران وسوريا، ما يقلل من العنف السياسي ويحسّن الآفاق الاقتصادية الإقليمية، وإن كان الكثير يتوقف على القادة السياسيين الحاليين الذين عليهم أن يحدّوا من الخطاب الانتصاري وأن يتعاونوا مع أعضاء حزب العمال الكردستاني السابقين واستيعابهم في المشهد الاقتصادي والسياسي.

ومن شأن المشاركة الشاملة من جميع الفصائل والطوائف العراقية أن تطمئن الممولين المحتملين مثل قطر والإمارات، وربما الصين، وتبين لهم أن التنافسات الداخلية أو استبعاد بعض أصحاب المصلحة العراقيين لن يعرّضا المشروع للخطر.

وشهد حوار بغداد الدولي السابع الأخير تأييد رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني مشروع الطريق، مؤكدا أن الاستقرار السياسي والاقتصادي في العراق “مصلحة وطنية مشتركة”.

وقد واجه الطريق انتقادات بسبب تجاوزه للمنطقة الكردية شبه المستقلة، باستثناء الكيلومترات الخمسة عشر الأخيرة بالقرب من الحدود التركية. ولكن بغداد أوضحت في 2023 أن اختيار هذا الطريق كان بسبب التضاريس الصعبة في المنطقة الكردية الجبلية، التي كانت ستزيد من الكلفة ووقت البناء.

وأشار مسؤول عراقي كبير مؤخرا إلى أن الطريق سوف يتبع مسار خط أنابيب النفط إلى تركيا، مستفيدا من البنية التحتية الأمنية القائمة.

وتُظهِر الخريطة الطبوغرافية امتدادا ضيقا وأقل جبالا في محافظة دهوك الغربية داخل المنطقة الكردية، ما يترك للمخططين (مثل مخططي خط الأنابيب) خيارات توجيه محدودة.

وقد تقرر بغداد تقييم جدوى وجود خط ربط من أربيل، عاصمة كردستان، إلى الطريق الرئيسي.

وقد يسمح هذا لخط السكك الحديد المقترح بين إيران وكردستان وتركيا بالتكامل مع الطريق، ما يمنح كلا من طهران وأربيل حصة في المشروع ودافعا لدعم نجاحه.

وتتضمن المبادرة استثمارات كبيرة في البنية التحتية كالسكك الحديد والنقل البري. ويمكن أن يساهم هذا في تحديث نظام النقل العراقي. كما أنها ستعمل على تنويع البنية التحتية العراقية خارج قطاع المحروقات.

العراق قد يعزز دوره الجيوسياسي بكونه حلقة وصل تجارية حاسمة بين الشرق والغرب. كما قد يجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية غير النفطية

وقد تستفيد بغداد من الدعوات الدولية للشفافية والرقابة من أجل تعزيز تغيير الثقافة السياسية التي تعاني المحسوبية والفساد.

وقد يدعم الطريق أيضا البنية التحتية للألياف الضوئية، ويشكل طريقا آمنا للمعلومات، وهو نسخة احتياطية مفيدة نظرا للأضرار التي لحقت بالألياف الضوئية في البحر الأحمر مؤخرا بسبب هجمات الحوثيين التي استهدفت سفن الشحن في 2024. وعطلت الهجمات حوالي 25 في المئة من حركة البيانات في البحر الأحمر.

وقد يجذب إدراج السكك الحديد عالية السرعة الصين الرائدة عالميا في تطويرها. وستتطلب الشاحنات ذاتية القيادة شبكات لاسلكية متطورة مثل الجيل الخامس والسادس وحتى ما بعد ذلك.

وهذا مجال تقوده الصين أيضا. ومن شأن ذلك أن يعزز النشاط الاقتصادي على طول الطريق، بمساعدة شركات الاتصالات المحلية مثل آسيا سيل وسوبر سيل.

ومع احتمال تسريح حزب العمال الكردستاني، قد تقل حدة العنف والمخاطر السياسية، ويحرز العراق تقدما في الحد من الفساد وتعزيز الشفافية المالية، ويشارك زعماء أكراد مثل نيجيرفان بارزاني رؤية رئيس الوزراء بشأن الفوائد الشاملة للطريق التي ستشمل جميع العراقيين.

وقد يساهم إنشاء بنية تحتية جديدة وصيانتها في توليد العديد من فرص العمل للعراقيين.

وتتضمن فوائد المشروع الموعودة 100 ألف وظيفة و4 مليارات دولار من العائدات السنوية، وهو أمر حيوي حيث من المتوقع أن يصل عدد سكان العراق البالغ 46 مليون نسمة إلى 50 مليونا بحلول 2028.

ويبقى 56 في المئة من سكان العراق دون سن الـ24، وتسجل البلاد 250 ألف خريج جامعي سنويا.

ويتوقع العديد منهم شغل وظائف في القطاع العام بينما يتراجع التوظيف في القطاع الخاص.

ووافق البرلمان العراقي في 2023 على ميزانية قدرها 153 مليار دولار، معظمها لرواتب القطاع العام وتوظيف أكثر من نصف مليون عراقي (يوظف القطاع العام اليوم حوالي 4.5 مليون شخص). وسترى بغداد أن هذا الإنفاق يصبح غير مستدام ماليا بمرور الوقت.

وبلغ معدل البطالة 16.5 في المئة، وهو أعلى بين النساء والسكان الريفيين. وكانت البطالة أحد المحركات الرئيسية لاحتجاجات 2022.

وقد يعزز العراق دوره الجيوسياسي بكونه حلقة وصل تجارية حاسمة بين الشرق والغرب. كما قد يجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية غير النفطية، على الرغم من أن المشاركة الصينية والإيرانية قد تستدعي التدقيق من جانب الولايات المتحدة.

عقبات

العراق يطمح إلى استغلال طريق التنمية لمكافحة الانخفاضات المستقبلية في الطلب على النفط. كما تلعب السيطرة على الموارد النفطية دورا حيويا في السياسة الداخلية العراقية

رغم وعود الطريق الإيجابية، إلا أن نجاحه يواجه عدة حواجز. ويشكل غياب الاستقرار السياسي مخاطر كبرى في العراق بسبب السياسة المضطربة والنزاعات المتواصلة بين مختلف الفصائل السياسية. ورغم تراجع الفساد المستشري، إلا أنه لا يزال متواصلا بدرجة قد تعيق نتائج المشروع، وتثبط عزيمة المستثمرين، وتنفر المقاولين والمورّدين.

ومن المؤكد أن مشروعا بهذا الحجم سيخلف تأثيرات بيئية واجتماعية أيضا، بما يشمل النزوح المحتمل أو الضرر البيئي، وهو ما قد يثير معارضة عامة إذا أسيء التعامل معه.

ويُهدد أمن المشروع واستمراريته وجود جماعات مسلحة (بعضها مدعوم من إيران) واحتمال تجدد الصراع.

ورغم أن حزب العمال الكردستاني قد يتفكك قريبا، يظل تنظيم الدولة الإسلامية (وإن كانت مساحته الجغرافية قد تضاءلت) يشكل تهديدا.

وارتفعت تقديرات الكلفة من 17 مليار دولار إلى أكثر من 24 مليار دولار. واتُّهمت بغداد بعدم كفاية التخطيط للجدوى. لكن البنك الدولي سيقدم دراسة بحلول فبراير 2026 (بعد ثلاث سنوات من الإعلان عن المشروع). كما يبقى ضمان التمويل الكافي والإدارة المالية السليمة من التحديات الحرجة.

وقد تثير المشاريع المتنافسة في المنطقة (مثل الحزام والطريق، والممر الأوسط، والجسر البري السعودي من الخليج إلى البحر الأحمر، والممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، وميناء مبارك الكويتي في شرق جزيرة بوبيان) معارضة من الجيران.

وقد تؤدي علاقات العراق مع الدول المجاورة (وخاصة إيران التي تقرر استبعادها من المشروع) إلى عرقلة التقدم، لكن إدراجها قد يستدعي التدقيق من جانب الولايات المتحدة.

المشروع يهدف إلى تحويل العراق إلى مركز رئيسي للنقل، وتعزيز الرخاء الاقتصادي والحد من اعتماد البلاد الشديد على صادرات النفط

ويجب أن تؤكد بغداد لجيرانها والصين أن الطريق سيكون مكمّلا وليس منافسا لطرق التجارة القائمة وأنه سيعزز المرونة الاقتصادية وبالتالي السياسية.

وينطوي بناء ميناء الفاو الكبير وشبكات النقل واسعة النطاق على عقبات تقنية ولوجستية كبرى.

وبصرف النظر عن النفط وأهميته لمستقبل العراق، يشكّل الماء موردا حيويا آخر للطريق. ويحتل العراق المرتبة الـ23 بين الدول التي تعاني من الإجهاد المائي.

وانضم إلى اتفاقية الأمم المتحدة للمياه في 2023، وهي معاهدة تعزز التعاون بشأن موارد المياه المشتركة. لكن تركيا، مصدر نهري دجلة والفرات، ليست موقعة على الاتفاقية، ما يجعل المحادثات الثنائية ضرورية.

ومع اقتراب موعد دراسة الجدوى التي تجريها الأمم المتحدة، حان وقت التفاوض العراقي والتركي على اتفاقية مياه مشتركة، ربما مع التزام العراق بتحديث أنظمة الري وتغيير المحاصيل لإقناع أنقرة بالجلوس إلى طاولة المفاوضات.

وسيستفيد كثيرون من الطريق إذا نجح. وستنمو الشركات، وستنوع الحكومات الاقتصادات، وسيتلقى الاتصال الإقليمي دفعة قوية. ولكن في نهاية المطاف، سيكون المستفيد الحقيقي هو شباب العراق الذين يتوقون إلى نهاية عقود من الاضطرابات والتدخل الأجنبي، ويحلمون برؤية بلدهم يتحول أخيرا إلى دولة مستقرة وطبيعية.

7