خبراء أميركيون يسعون لفهم الذاكرة المناعية ودورها في التصدي للأمراض

فهم الذاكرة المناعية ودورها في التصدي للأمراض هو محور دراسة أميركية جديدة ركزت على فهم طريقة تنشيط الاستجابات المناعية والتحكم فيها، مع إيلاء أهمية خاصة لدور الخلايا المناعية “تي” التي تساعد في حماية الجسم من العدوى، وربما تقوم بدور في مهاجمه الخلايا السرطانية. ويرى الخبراء أن هذه الدراسة يمكن أن تساعد مستقبلا في تطوير علاجات لبعض الأمراض مثل السرطان وبعض أنواع الالتهابات المزمنة والانسداد الرئوي المزمن.
سان فرانسيسكو (الولايات المتحدة) – يسعى فريق من الباحثين في الولايات المتحدة لتحليل وفهم طريقة عمل الذاكرة المناعية، ويقصد بها الذاكرة التي يحتفظ بها الجهاز المناعي للجسم في حالة المرض أو تلقي لقاح معين، وطريقة استفادة الجسم من هذه الذاكرة مستقبلا في حالة تكرار الإصابة بنفس العدوى أو المرض.
وتقول الباحثة إيما تكسيرو من كلية طب جامعة ميزوري الأميركية إن “النظام المناعي يدافع عن الجسم في حالة الإصابة بالمرض، وهو نظام معقد للغاية ويتضمن عددا كبيرا من التفاعلات والاستجابات، وإذا ما حدث اختلال لهذه المنظومة، يتعرض الجسم للمرض”.
وأضافت في تصريحات للموقع الإلكتروني “ميديكال إكسبريس” المتخصص في الأبحاث الطبية أن “الدراسة الجديدة تركز على فهم طريقة تنشيط الاستجابات المناعية والتحكم فيها، مع التركيز بصفة خاصة على دور الخلايا المناعية ‘تي’ التي تساعد في حماية الجسم من العدوى، وربما تقوم بدور في مهاجمه الخلايا السرطانية”.
التركيز بصفة خاصة كان على دور الخلايا المناعية {تي} التي تساعد في حماية الجسم من العدوى وتهاجم الخلايا السرطانية
وفي إطار التجربة قام الفريق البحثي بتخليق سلاسل من البكتيريا المسببة للأمراض وحقنها بالجسم من أجل زيادة درجة الالتهاب، بغرض تحفيز دور الخلايا المناعية “تي”، من منطلق أن زيادة درجة الالتهاب تؤدي إلى استجابة مناعية أقوى، وبالتالي تفعيل الذاكرة المناعية بشكل أكبر.
وذكرت تكسيرو أن “بعض العلماء في المجال يعتقدون أن تحفيز الخلايا ‘تي’ يساعد في تحسين اللقاحات المضادة للسرطان ووسائل العلاج المناعي، وبالتالي فإن فهم آليات تفاعل النظام المناعي يساعد في الحد من الأعراض الجانبية للأدوية وأي تبعات غير مرغوب فيها”.
وأضافت “نريد فهم كيفية ضبط الذاكرة المناعية بشكل أفضل أملا في تعزيزها على المدى الطويل وتوفير حماية أفضل ضد الأمراض بمرور الوقت”. ويرى فريق الدراسة أن هذا البحث يمكن أن يساعد مستقبلا في تطوير علاجات لبعض الأمراض مثل السرطان وبعض أنواع الالتهابات المزمنة والانسداد الرئوي المزمن والربو ضمن أمراض أخرى.
وتحدث الذاكرة المناعية بعد الاستجابة المناعية الأولية ضد المستضد. وهكذا يتم تطوير الذاكرة المناعية من قبل كل فرد، بعد التعرض الأولي السابق لعامل خطير محتمل (المستضد) ويشبه مسار الاستجابة المناعية الثانوية الاستجابة المناعية الأولية، ولكنه يكون أسرع وينتج أجساما مضادة بكمية أكبر.

والذاكرة المناعيّة هي استجابة الجهاز المناعي بطريقة فعّالة وسريعة أكثر لمسببّات الأمراض التي تمّت مواجهتها في السابق، وهذا ما يعني وجوداً مسبقاً لمجموعة مستنسخة وموسّعة من الخلايا اللّيمفاويّة النوعيّة ضدّ الأجسام الغريبة التي تدخل الجسم.
وتختلف استجابات الذاكرة، فتكون إمّا ثانويّة، أو ثالثيّة، وهذا الأمر يعتمد على مرّات التعرّض للجسم الغريب نفسه. وهذا الأمر يمكن إيضاحه تحديداً في حالات استجابة الجسم المضاد، ذلك أنّ الخصائص المتعلّقة بالأجسام المضادة المنتجة خلال الاستجابات الثانويّة أو الثالثة تختلف عن الاستجابات المنتجة في المرّة الأولى للتعرّض إلى الجسم الغريب نفسه.
أمّا الخلايا التي تشكّل الذاكرة المناعيّة فهي الخلايا البائيّة والخلايا التائية، وتجتمع في ما بينها لتكوّن مجموعات خلايا الذاكرة المناعيّة. فالخلايا البائيّة تنتج الأجسام المضادة، أمّا الخلايا التائيّة فتتحكّم بمجموعة الخلايا المنتجة لتأمين الحماية اللازمة من المرض.
الذاكرة المناعيّة هي استجابة الجهاز المناعي بطريقة فعّالة وسريعة أكثر لمسببّات الأمراض التي تمّت مواجهتها في السابق
وحسمت دراسة بريطانيّة لجامعة أكسفورد الجدل حول إمكانيّة تكوّن ذاكرة مناعيّة عند المتعافين من فايروس كورونا لمحاربة أي عدوى مستقبليّة. فقد أظهرت أبحاث سابقة أنّ فايروس كورونا يحفّز الخلايا البائيّة كي تنتج أجساماً مضادة.
وهذا أيضاً ما أعلنته دراسة جديدة منشورة في العدد الأخير من صحيفة “نيتشر أميونولوجي”، فقد أظهرت أنّ عدوى فايروس كورونا تنتج استجابة قوية ملحوظة لخلايا الذاكرة التائيّة. أضف إلى ذلك، ملاحظة الباحثين أنّ البروتين الشوكي الخاص بالفايروس، والذي يعطيه شكله التاجي، تعرّفت الخلايا التائيّة عليه عند المرضى المتعافين من فايروس كورونا.
والجهاز المناعي هو جهاز متخصص في الدفاع عن الجسم ضد العوامل الأجنبية، أو العوامل الغازية الخطيرة. وتشمل هذه العوامل الكائنات الحية الدقيقة والتي تُعرف باسم الجراثيم، والبكتيريا والفايروسات والفطريات والطفيليات مثل الديدان والخلايا السرطانية والأعضاء والأنسجة المزروعة.
ولكي يتمكن الجهاز المناعي من الدفاع عن الجسم ضد هذه العوامل، يجب أن يكون قادرا على التمييز بين ما ينتمي إلى الجسم (ذاتي) وما لا ينتمي إليه (غير ذاتي أو أجنبي).
وتعرف المستضدات على أنها أي مواد يستطيع الجهاز المناعيّ التعرف عليها وتحفيز استجابة مناعية ضدها. وإذا جرى التعرف على مستضد بأنه خطير (على سبيل المثال، إذا كان يمكنه التسبب بالمرض)، فيمكنه تحفيز استجابة مناعية في الجسم. وقد تكون المستضدات موجودة داخل العوامل الممرضة أو خارجها (البكتيريا أو الفايروسات أو الكائنات الدقيقة الأخرى أو الطفيليات أو الخلايا السرطانية). كما قد تكون المستضدات قائمة بذاتها، مثل جزيئات الطعام أو غبار الطلع.