خبراء أميركيون: واشنطن ليست مضطرة لاحتواء بكين

الصين تبتعد عن نهج سياسة خارجية متساهلة ومريحة.
الأحد 2022/11/27
لا تقاطع عدوّك وهو يرتكب الأخطاء

واشنطن - تعود ملاحظات المحلل السياسي الأميركي ستروب تالبوت إلى الواجهة بعد أن قدّمها في العام 1990، حين قال إن النظام السوفييتي “انهار بسبب قصور وعيوب في جوهره، وليس بسبب أي شيء فعله العالم الخارجي، أو لم يفعله أو هدّد بفعله”. وهذا يعني أن المشكلات التي كان على السوفييت مواجهتها كانت أساسا نتيجة مباشرة لسياسات داخلية وخارجية خاطئة، وأن تلك المشكلات كانت ستحدث مهما كانت السياسة التي كان يتبعها الغرب.

وبدأت الصين تبتعد عن نهج سياسة خارجية متساهلة ومريحة منذ قرابة 15 عاما، وهو تغير تبناه الرئيس شي جين بينغ ويقوم بتسريعه. وبالإضافة إلى ذلك، أصبحت الدولة استبدادية تماما وتبنت بصورة متزايدة إجراءات تخنق التفكير المستقل والاقتصاد الخاص. ونتيجة لذلك دخلت، أو ربما تدخل في القريب العاجل في فترة ركود اقتصادي.

ويبدو أن هناك شيئا مماثلا لما جرى مع الاتحاد السوفييتي يتكرّر اليوم في ما يتعلق بالصين، وفقاً لجون مولر، وهو عالم سياسي بجامعة ولاية أوهايو وأحد كبار الباحثين بمعهد كاتو الأميركي في تقرير نشرته مجلة “ناشونال إنتريست”.

الأنباء التي تتردد عن فساد صيني وفضائح مرتبطة بمشروعات الحزام والطريق أدت إلى شعور بالرهاب تجاه الصين

وهذا يشير إلى أنه رغم أنه لن يكون هناك ما يدعو كثيرا إلى توقع انهيار كما حدث للسوفييت بعد عامين تقريبا من مقال تالبوت، يبدو بصورة متزايدة كما لو أن الصين لا تمثل حقيقة تهديدا كبيرا. وبقدر ما قد ينظر إلى الصين على أنها تمثل تهديدا، فإن جهود ما وصفه تالبوت بـ”العالم الخارجي” لاحتواء الصين نادرا ما تبدو ضرورية.

ويتمثل الدليل المبكر على التغيير في أن الصين أصبحت أكثر “حزما” بالنسبة إلى العلاقات الدولية مع نمو اقتصادها. لكن في الواقع، لم تؤدّ السياسة الجديدة إلى المزيد من النفوذ للصين، لأنها كانت في الغالب شديدة الوطأة، وحتى اللجوء إلى التنمر، فقد أغضبت الشعوب والأنظمة في أنحاء العالم بما في ذلك دولا مجاورة مهمة مثل اليابان وكوريا الجنوبية وإندونيسيا والهند واستراليا.

وكان الملفت للأنظار بوجه خاص النوبة الهستيرية العسكرية للصين في وقت سابق من هذا العام بسبب زيارة قصيرة قامت بها رئيسة مجلس النواب الأميركي السابقة نانسي بيلوسي إلى تايوان. وهذا الغضب من جانب الصين أدى إلى زيادة الوعي في تايوان بشأن الدفاع، وإلى عدد كبير من الزيارات إلى تايوان من جانب برلمانيين من أنحاء العالم يتوقون إلى التعبير عن دعمهم.

وهناك نهج أكثر ضعفا لزيادة مركز الصين ونفوذها وهو مبادرة الحزام والطريق التي لم تحقق نجاحا أفضل. فقد أعلن شي بتفاخر أن هذه المبادرة سوف تكون “مشروع القرن” عندما خصص نحو 75 مليار دولار كقروض عام 2016، ولكن الكثير منها ثبت أنه خاطئ اقتصاديا، وتم خفض الميزانية إلى 4 مليارات دولار في عام 2019. وترددت أنباء بأن قصصا عن فساد صيني وفضائح مرتبطة بمشروعات البنية التحتية الخاصة بمبادرة الحزام والطريق أدت إلى زيادة الشعور بالرهاب تجاه الصين أو ما يمكن تسميتها بـ”صينوفوبيا”.

ومن ناحية أخرى، واصلت الصين اتباع خطوة قوية نحو اقتصاد موجه يتم فيه محاباة مشروعات الدولة التي لا تتسم بالكفاءة على حساب مشروعات القطاع الخاص ذات الكفاءة، وهو النهج الذي يكون فيه الاهتمام بحكم الحزب الشيوعي الفاسد تحت حكم رجل واحد أكثر من الاهتمام بالنمو الاقتصادي.

الرئيس شي يحكم بحكم رجل واحد
الرئيس شي يحكم بحكم رجل واحد

وعموما، فإن السياسات المتغيرة أدت، أو تؤدي أيضا إلى احتمال حدوث ركود شديد وممتد في الاقتصاد الصيني، رغم أن هناك عدم اتفاق في الدراسات بشأن ما إذا كانت الصين تدخل الآن في هذا الحال الذي تعيش فيه منذ عشر سنوات، أم أنها سوف تبدأ في ذلك في غضون عشر سنوات أخرى. وتشمل المشكلات التي تواجهها الصين زيادة الديون وانخفاض الانتاجية، وسرعة شيخوخة السكان، والتقارير الإحصائية الزائفة، والحمائية الخارجية، والفساد المنتشر، والتدهور البيئي، وقمع الحريات المدنية، والرقابة الكثيفة على الإنترنت. ويمكن القول إن مثل هذه التطورات ليست إلى حد كبير بسبب المخططات الأجنبية، ولكنها ترجع إلى تغييرات في العمليات والضغوط الداخلية.

ويبدو أن الرئيس شي ماهر في تمهيد طريقه بأن يكون هناك حكم رجل واحد بدون منازع. ومع ذلك يبدو أنه يفعل كل شيء بطريقة خاطئة. إذن في ظل هذه الظروف، نادرا ما تكون هناك حاجة إلى سياسات الاحتواء. والبديل هو الانتظار، ربما لفترة طويلة من الوقت، حتى تعود الصين إلى مسارها بينما تستفيد بحذر من حجمها الاقتصادي إلى الدرجة الممكنة، والحفاظ على التمثيلية الأوبرالية الهزلية المستمرة منذ عقود والتي تظل فيها تايوان مستقلة طالما لا تقول ذلك، وربما إصدار شكاوى من حين لآخر، حتى لو كانت غير مثمرة عن الحريات المدنية في الصين.

وطالما كانت سياسات الصين رد فعل على ما تعتبره استفزازات عدائية من الغرب، وخاصة من جانب الولايات المتحدة، سوف يتقلص ذلك الحافز أو المبرر لسياستها.

وأشار مولر في ختام تقريره إلى أن نابليون قال ذات مرة “لا تقاطع عدوك مطلقا وهو يرتكب خطأ”. ورغم أنه ليس من الواضح ضرورة اعتبار الصين “عدوا”، فإن المشاعر الأساسية يبدو أنها تصدق في هذه الحالة.

7