خان الأحمر تجسيد للفصل العنصري الإسرائيلي

تشرح إليشيفا غولدبرغ، وهي ناشطة يهودية في مجال حقوق الإنسان، الأهمية الإستراتيجية التي تشكلها قرية خان الأحمر في الضفة الغربية وتدعو المجتمع الدولي للدفاع عن الفلسطينيين المستهدفين في المذابح التي يقودها المستوطنون بتشجيع من وزراء اليمين المتطرف في حكومة بنيامين نتنياهو.
تل أبيب - تواجه قرية خان الأحمر الفلسطينية خطر التهجير، حيث تمنح القوانين التي تسعى حكومة بنيامين نتنياهو لتمريرها حججا قانونية لتطبيق قرارات التهدير ومزيد التوسّع في عمليات الاستيطان، وهي سياسة يعارضها عدد كبير من الإسرائيليين ويرون فيها نسفا لكل جهود إحلال السلام وحل الدولتين.
وتوضح إليشيفا غولدبرغ وهي مديرة الإعلام والسياسات في صندوق إسرائيل الجديد أن "خان الأحمر هي قرية صغيرة يبلغ عدد سكانها حوالي 250 نسمة. وتقع شمال القدس مباشرة داخل الضفة الغربية. الذين يعيشون هناك هم من بدو الجهالين، وهم قبيلة عاشت في الأصل في الجنوب في ما يسمّى منطقة تل عراد. كان هؤلاء رعاة يهاجرون خلال الصيف كجزء من نمط حياتهم العادي. وهربوا أو طُردوا من المكان الذي كانوا يقيمون فيه عندما تأسست إسرائيل في 1948. وتشتت عائلات مختلفة في أنحاء الضفة الغربية".
وتضيف “احتلت الضفة الغربية في 1967 ثم شهدت التسعينات نقطة تحول أخرى عند إبرام اتفاقيات أوسلو وتقسيمها إلى مناطق مختلفة. ويعيش بدو الجهالين في المنطقة 'ج'، التي تسيطر عليها إسرائيل عسكريا وإداريا مما يعني تحكمها الكامل في حياة هؤلاء الفلسطينيين. لذلك، فهم ليسوا قادرين على البناء بشكل قانوني. وترفض إسرائيل 98 في المئة من الطلبات الفلسطينية للحصول على تصاريح بناء في المنطقة، مما يؤدي على الفور إلى البناء غير القانوني. وأصدرت السلطات العسكرية الإسرائيلية في 2009 أوامر هدم للقرية بأكملها. وحاول السكان المكافحة وقدموا التماسا إلى محكمة العدل العليا لإبقاء قريتهم. وتردّدوا على المحكمة لمدة عشر سنوات حتى 2018، عندما أيدت قرار الدولة".
وتستدرك “لكن القرار لم يُنفّذ بعد. ويرجع هذا لكون المكان الذي يتواجدون فيه له حساسية، حيث يقع في الممر الذي يربط جنوب الضفة الغربية بشمالها. وتتواجد هذه القرية في منطقة بين القدس ومستوطنة معاليه أدوميم، وتطمح حركة الاستيطان للبناء فيها منذ فترة طويلة جدا. وإذا تمكنت من إزالة هذه القرية، وتمكنت من بناء مستوطنة متصلة من القدس إلى معاليه أدوميم، فسيعزل ذلك الجنوب الفلسطيني عن الشمال. وهذا ما سيجعل حل الدولتين مستحيلا.
وسيمنع ما يسمّى بالتواصل الإقليمي الفلسطيني بين القدس وهذين الجزأين من الضفة الغربية. لذلك، تبقى القرية رمزا للمجتمع الدولي. وعلى الرغم من وجود أوامر لهدم هذه المساحة الصغيرة، إلا أنها بقيت في مكانها".
تخضع المنطقة “ج” بالكامل لسيطرة الإسرائيليين. لذلك يعدّ بتسلئيل سموتريتش، وزير المالية والوزير في وزارة الدفاع، مسؤولا عن الإدارة المدنية في المنطقة. عن ذلك تقول الناشطة الإسرائيلية “يعتبر سموتريتش رجل المستوطنين اليمينيين المتطرفين. ويرد ذكره في الغالب في إطار حديث المستوطن المتطرف إيتمار بن غفير. لكنهما مختلفان تماما. ففي حين يظل بن غفير بلطجيا كهانيا يعيش في الخليل، يبدو سموتريتش منظما أكثر ولكنه عنصري ومعاد للمثليين، ويشكل نسخة متعصبة من اليمين المتطرف نفسه. ويعيش في بؤرة استيطانية بالقرب من مستوطنة كدوميم. ويعدّ منزله غير قانوني من الناحية الفنية، مثل خان الأحمر. وكرّس حياته لتوسيع مشروع الاستيطان وتقويض إمكانية قيام دولة فلسطينية".
وتوضح غولدبرغ التي كانت مساعدة لوزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبي ليفني “لإعطائكم مثالا على ما أعنيه عندما أقول إنه يهودي متعصب، سأذكر أنه خاطب الكنيست في 2021 وقال مباشرة للمشرعين العرب إن عدم إكمال بن دافيد غوريون (أول رئيس وزراء لإسرائيل) للمهمة كان خطأ ويعتقد حقا أن إسرائيل لليهود ولا يوجد مكان لأيّ شخص غيرهم في البلاد. ويُذكر أنه اعتُقل في 2005 على أساس حيازته لـ700 لتر من البنزين. وكان يشتبه في مشاركته في محاولة تفجير طريق أيالون السريع المركزي في إسرائيل، لمنع أو تعطيل فك الارتباط بين المستوطنين والقوات الإسرائيلية عن غزة في ذلك الوقت. وقبع في السجن لمدة ثلاثة أسابيع لكنه لم يتحدث إلى السلطات. وأطلق سراحه دون توجيه اتهام له. وأسس منظمة غير حكومية سمّاها ريغافيم، ومنحته دفعا للوصول إلى الكنيست. وتتخذ الإجراءات القانونية في نظام المحاكم الإسرائيلية ضد الفلسطينيين الذين يبنون بشكل غير قانوني".
وتتابع "يمكن أن يكون ذلك في إسرائيل نفسها، حيث يوجد الكثير من الفلسطينيين غير القادرين، على غرار إخوانهم في الضفة الغربية، على الحصول على تصاريح للبناء مما يجعلهم يبنون بشكل غير قانوني لتهدم إسرائيل منازلهم بعد ذلك. ونتحدث هنا عن منازل مواطنين إسرائيليين. وترسل ريغافيم باستمرار طائرات دون طيار فوق القرى الفلسطينية وتلتقط الصور لتحديد أي بناءات جديدة. قد تكون حظيرة للأغنام، أو مقعدا، أو صهريجا للمياه، ثم تطلب من الحكومة أن تهدمه".
وتضيف الناشطة في حوار نشرته مؤسسة عرب دايجست الاستشارية “ليس هذا الرجل وزيرا للمالية بل هو أيضا من وزارة الدفاع. وله سلطة جديدة على حياة الفلسطينيين في المنطقة ‘ج’ لم تُمنح من قبل لوزير مدني في الحكومة. ويحمل هذا أهمية كبيرة لعدة أسباب. إن الوزير إستراتيجي للغاية في الطريقة التي يفكر بها، ويعلم أن المنطقة هي المكان الذي يريد التركيز عليه، فهي موطن لـ100 ألف فلسطيني. وليس هذا المكان الذي يعيش فيه معظم الفلسطينيين، لكنه المكان الذي يعيش فيه جل المستوطنين. ويكمن هدف سموتريتش في طرد جميع الفلسطينيين من تلك المنطقة أولا. وتتزايد عمليات الهدم والبؤر الاستيطانية غير القانونية التي ظهرت مع هجمات المستوطنين. والحقيقة هي أن المستوطنين أصبحوا أكثر جرأة، فهم يعلمون أن سموتريتش يساندهم. ويضمنون عدم وجود أيّ تداعيات عندما يرتكبون أعمال عنف ضد الفلسطينيين".
هذا ما يعني وفق غولدبرغ أن الفلسطينيين أنفسهم يشعرون بالعجز أمام المستوطنين أكثر من أيّ وقت مضى. ويؤيد سموتريتش فوق ذلك ضم الضفة الغربية. وبينما يبقى هذا الموقف تغييرا إداريا تقنيا صغيرا، إلا أنه مهم في الواقع لأن الضفة الغربية تشهد احتلالا يعتبر على الصعيد الدولي عسكريا. لكن عندما تعيّن وزيرا مدنيا يتحكم في فلسطينيي المنطقة “ج” الذين لم ينتخبوه، فإننا نشهد حالة مختلفة. ولم نعد أمام مجرد احتلال عسكري حيث يحكم الجيش الإسرائيلي الفلسطينيين، بل إن هناك وزيرا منتخبا يحكم الفلسطينيين الذين لم ينتخبوه. وهذا ما يسميه علماء القانون بحكم الأمر الواقع، وحتى بحكم القانون. هذا هو الضم القانوني.
في المقابل، ترى غولدبرغ أنه “لا يوجد سوى أمر واحد إيجابي يمكنك قوله عن نتنياهو. إنه سياسي مُحنّك يمكنه الخروج من أي شيء، ويمكنه الدخول في أي شيء. ويلتف المجتمع الدولي حول خان الأحمر مرارا وتكرارا. وهو يعلم أنه لا يريد المزيد من الضغط. ويدير في الوقت الحالي هذه الحكومة التي سببت له تحديات دولية لا حصر لها. وهو يتمتع اليوم بأهم تحالف يميني شكّله على الإطلاق وأكثر تحالف يميني تشددا شهدته إسرائيل على الإطلاق. ويمثل هذا تحديا كبيرا بالنسبة إليه".
◙ نتنياهو يواجه الكثير من الضغط في الداخل مع الاحتجاجات المستمرة على إصلاحاته القضائية وما يحدث سيقوض نظاما ديمقراطيا ضعيفا
وتعتقد الناشطة الإسرائيلية أن “أحد أسباب تأجيل قرار هدم خان الأحمر يرجع إلى كون هذه القرية الصغيرة معروفة في جميع أنحاء العالم. وتوجد قرى أخرى غير مشهورة يتواصل هدمها جزئيا أو حتى كليا لا يسمع عنها أحد خارج الصحافة الفلسطينية أو تغريدات منظمات حقوق الإنسان مثل ‛يش دين’ و‛بتسيلم’. لذلك فإن تأجيل هدم خان الأحمر، مع هدم عشرات القرى الأخرى وتمكين تدميرها يصبح أمرا ذكيا من الناحية التكتيكية. ويبقي التحالف سعيدا لأن عمليات الهدم تستمر. ويمنع المجتمع الدولي من قول أي شيء".
ويواجه نتنياهو الكثير من الضغط في الداخل مع الاحتجاجات المستمرة على إصلاحاته القضائية التي يعارضها الكثير من الإسرائيليين، ومنهم إليشيفا غولدبرغ التي ترى أن ما يحدث “سيقوّض نظاما ديمقراطيا ضعيفا بالفعل بينما يقوّي الحكومة المشكّلة ويمنحها كل السلطات. ومن المهم بالنسبة إليّ أن أشير، بصفتي عضوا في صندوق إسرائيل الجديد الذي كان يساعد في ضخ الأموال في بعض هذه الاحتجاجات، إلى أن الشعارات تدعو إلى الديمقراطية. وأود أن أقول إن الاحتجاجات تمنح الجمهور الإسرائيلي فرصة تلقي درس جماعي في التربية المدنية. آمل أن تؤدي هذه الاحتجاجات ضد الإصلاح القضائي إلى إثارة المحادثات حول إنهاء الاحتلال".
وفيما يتعلق بالضغوط الدولية وأهميتها في الحفاظ على بقاء خان الأحمر، تذكر الناشطة الإسرائيلية أن ” كل ما يتطلبه الأمر هو بيان. أرى أنه عندما تذكر الأسماء الكبيرة والأشخاص الكبار في المجتمع الدولي اسم قرية، تصبح هذه القرية آمنة لفترة من الوقت على الأقل. كنت أفكر في هذا فيما يتعلق بجنوب تلال الخليل، حيث تبقى 12 قرية في مسافر يطا في الجزء الجنوبي من الضفة الغربية مهددة بالإخلاء، لأن المحكمة العليا رفضت التماس عدم الهدم. وقد تنجو هذه المناطق إذا ذكر شخص مثل أنتوني بلينكن أسماءها". وتضيف "المجتمع الدولي يحتاج أن ينظر إلى الصورة الأكبر. ويجب أن يتحدث عما يحدث على الأرض بالفعل، حتى عن المذابح التي حدثت".
وتتابع “أعتقد أن المجتمع الدولي يمكن أن يساعد بمجرد تسمية الأماكن الفعلية ورؤية الأشخاص الذين كانوا هناك. كما يجب أن يسعى لوضع حد فعلي للإفلات من العقاب الذي يتمتع به المستوطنون. أعتقد أن هذه هي الرسالة التي غفل عنها المجتمع الدولي، وهي أن أمن الفلسطينيين وأمن الإسرائيليين يعتمدان على بعضهما البعض. لا يوجد عالم ينعم فيه الفلسطينيون بالأمن ولا ينعم فيه الإسرائيليون بالأمن أو يتمتع فيه الإسرائيليون بالأمن ولا يتمتع به الفلسطينيون. ولن يكون أيّ منهما آمنا حتى يصبح كلاهما آمنا. ويجب أن يكون ذلك دائما في ذهن صانعي السياسات. نحن في حاجة إلى معرفة أن كلا الشعبين يحتاج إلى الأمان، ولا يمكن أن يكون هناك أمن للإسرائيليين فقط، وبالتأكيد لا يمكن أن يكون هناك أمن للفلسطينيين فقط".