حِبرُ كلمات فيليب سالم أضاء قناديل ثورة تشرين في لبنان

رؤية الدكتور سالم تتلخص في كون موت لبنان مسؤولية اللبنانيين قبل سواهم وقيامته اليوم هي مسؤوليتهم أيضا.
الاثنين 2022/10/24
انتفاضة سعت إلى التغيير الحقيقي

بيروت - يظهر جليا تأثير فكر الدكتور فيليب سالم على من أججوا ثورة تشرين للخلاص من الأزمات التي يعيشها لبنان وتأسيس دولة وطنية قوية ذات سيادة.

ويقول الكاتب والشاعر والنقيب السابق للمعلمين في لبنان أنطوان رعد أن “الثورة التي لا ترتكز على فكر يلهمها ويرسم لها طريق المستقبل تقود غالبًا إلى الفوضى والخراب، وكما ألهم فولتير وديدرو ومونتسكيو من قاموا بالثورة الفرنسية، ألهمت مقالات الدكتور فيليب سالم من قاموا بثورة تشرين في لبنان، فهو الذي استشرف قيام الثورة واحتضنها بعد قيامها، وسعى جاهدًا إلى تسديد خطاها عندما لجأت أحيانًا إلى العنف، وإلى إسداء النصح إليها بعدما شخّص الأمراض التي يعاني منها لبنان، ووصف لها الدواء الناجح فكان حبر كلماته زيتًا أضاء قناديل الثورة التي أرادها ثورة حضارية سلمية تعبر بلبنان من دولة الطوائف إلى دولة المواطنة.

ويضيف الكاتب أن الدكتور سالم رغم إقامته في هيوستن على بعد آلاف الأميال من الثوار الذين احتشدوا في ساحة الشهداء وعلى امتداد ساحات الوطن، كان إلى جانبهم، يبارك خطواتهم السلمية، ويواجه معهم خراطيم المياه والقنابل المسيلة للدموع، وينام في خيامهم، ويحرص كل الحرص على أن تظل شعلة الثورة مضاءة ومتّقدة في الساحات وفي القلوب.

ويتابع الكاتب “يعود الفضل إلى فيليب سالم في رسم خارطة طريق واضحة المعالم للثوار كي تحقق الثورة الأهداف المرجوّة وهذا ما نقع عليه في مقال بعنوان “أيها الثوار هذه رسالتي إليكم” نشره في جريدة النهار بعد سنة على قيام ثورة تشرين”.

فيليب سالم: هوية الثورة يجب أن تبقى لبنانية مع رفض أي تسلّل خارجي
فيليب سالم: هوية الثورة يجب أن تبقى لبنانية مع رفض أي تسلّل خارجي

وينقل الكاتب رعد فقرات من خطابات فيليب سالم إلى المحتجين يقول فيها “ها قد مضت سنة كاملة على اليوم الذى رفعتم فيه شعار الثورة. لم تكن سنة أحلامكم. كانت سنة المرارة. قليل من الانتصارات. الكثير من خيبات الأمل. وبالرغم من أنكم لم تتمكنوا من صنع التغيير، نرجو ألا تنسوا أنكم حققتم نصرا كبيرا. لقد حددتم الطريق، ومشيتم الخطوة الأولى. وها قد جِئْتُ اليوم أكتب هذه الرسالة لكم لكي يبقى لبنان صاحب «الرسالة»، ولكي تبقوا أنتم حماة هذه «الرسالة»”.

ويضيف فيليب سالم في كلمته للمحتجين”أنا واحد منكم أيها الثوار. أنا مثلكم لقد تعمدت بالألم، كما تعمدت أيضا بالفشل. إلا أنني تعلمت شيئا مهما، شيئا كبيرا. لقد تعلمت ألا أخاف الفشل وألا أسمح له بأن يجعلني إنسانا فاشلا. هذا بعض ما تعلمت. ورسالتي هي بعض الكلام الذي أود أن أقوله لكم. أقوله لأنني خائف عليكم وخائف أن تضلّ الثورة الطريق”.

وتتلخص رؤية فيليب سالم لتفعيل دور الثورة في لبنان وفق الكاتب أنطوان رعد في كون “موت لبنان مسؤولية اللبنانيين قبل سواهم وقيامته اليوم هي مسؤوليتهم أيضا. فوحده التمرد يقيمه من موته. عدوّان يتربّصان بنا: الإحباط والخوف، وعلينا أن نتعلم كيف نتغلب عليهما”.

كما يعتبر فيليب سالم أن الثورة هي خيار اللبنانيين الوحيد. وأنها الطريق إلى قيامة لبنان.

ويؤكد أن الثورة أصيبت بمرض عضال وهو التشرذم “فانقسم الثوار بعضهم على بعض. فصارت الثورة مجموعات مختلفة تتكلم لغات متعددة. وصار من الصعب أن نميّز بين من هو ثائر حقيقي ومن هو ثائر مزوَّر. علينا التواضع لكي نتمكن من أن نعمل بعضنا مع بعض كقوة واحدة”.

وطالب فيليب سالم وفق الكاتب رعد بإعلان قيادة تنظيمية للثورة وأن تحدّد رؤية واضحة لها.

ويقول في هذا الصدد “لئن كان مهمًا أن نعرف ماذا لا نريد، فإن الأهم هو أن نعرف ماذا نريد. وليس كافيا أن نحدد الرؤية بل يجب أن نحدد الطريق الذي يأخذنا إليها”.

ويحدد فيليب سالم أهم الأخطاء التي وقعت فيها الثورة وهي “اللجوء إلى العنف ردًا على عنف السلطة”. مضيفا “نحن ننبذ العنف بكل أشكاله، ونؤمن بالتمرد الحضاري”.

وحده التمرد يقيم لبنان من موته
وحده التمرد يقيم لبنان من موته

ويشدد سالم على “تبقى هوية الثورة هوية لبنانية مع رفض أي تسلّل من قوى إقليمية أو دولية إليها”، مشيرا إلى أن “مسؤولية الثورة هي تفعيل اللبنانيين مقيمين ومنتشرين في العالم لإخراج لبنان من أزمته الخانقة”.

كما طالب سالم وفق الكاتب رعد بالسعي إلى عقد مؤتمر دولي حول لبنان لتحقيق الأهداف المتمثلة أساسا في “وضع خطة شبيهة بخطة مارشال بعد الحرب العالمية الثانية”.

ودعا إلى وضع لبنان تحت مظلة دولية بإشراف الأمم المتحدة لمرحلة انتقالية.

وأوضح “يجب أن نطالب مجلس الأمن بوضع إطار لحياد لبنان، فهو فريسة لأطماع دول إقليمية تسعى للسيطرة على قراره السيادي الحر”، مضيفا “إن الحياد الفاعل يصب في مصلحة لبنان العليا، وهو لا يعني الحياد بين الفلسطينيين والإسرائيليين فنحن مع حق الفلسطينيين في بلادهم، إنما نحن نصرّ على الحياد بالنسبة إلى الصراعات الإقليمية والدولية”.

ويقول سالم ردا على الذين يريدون أن يتجه لبنان إلى الشرق “يسألوننا لماذا لا نذهب شرقًا؟ وأنا أسألهم: هل تعرفون أنتم شخصًا واحدًا مات في طريقه هربًا إلى الشرق؟ كلهم ماتوا وهم في طريقهم إلى الغرب. لم يهرب شخص واحد من هؤلاء المعذبين إلى طهران أو بكين أو موسكو. كلهم هربوا إلى دول الغرب ومدنه، كلهم هربوا إلى الحرية. هربوا إلى دول تحترم الإنسان”.

ويؤكد الكاتب أنطوان رعد أن “ما توجّس منه الدكتور سالم في خارطة الطريق التي رسمها قد حصل، فالثورة تعرف ماذا لا تريد، لكنها للأسف لا تعرف ماذا تريد، وهي تفتقر إلى القيادة الفردية والقيادة الجماعية على حد السواء، ناهيك أنها خاضت الانتخابات النيابية بلوائح متعددة، وحققت نتيجة واعدة”.

الفضل يعود إلى فيليب سالم في رسم خارطة طريق واضحة المعالم للثوار كي تحقق الثورة الأهداف المرجوّة

ويضيف “مع أن الثورة فشلت في تحقيق أهدافها لا يزال الدكتور سالم يصرّ على إعادة إحيائها ودعمها”.

وتابع “الثورة أمر حتمي، وعلينا إعادة تنشيطها، ويجب أن نتذكر أيضًا أنها مسار طويل. قد تستغرق الثورة سنوات لتحقيق أهدافها وبالتالي يجب أن تكون لديها إستراتيجية طويلة المدى. ولا بدَّ من التوضيح أن الثورة ليست الضوضاء التي تحدثها في الشوارع، إنها الغضب والتزام التغيير في قلوب اللبنانيين وعقولهم”.

ويضيف “إن الفوز في انتخابات أيار لا ينبغي أن يكون الهدف النهائي للثورة إنه مجرّد بداية. إن الثورة ضرورية بشكل أساسي لا لتغيير الطبقة السياسية الحالية، ولكن لتغيير العقل السياسي في لبنان ولتثقيف الجمهور حول دور المواطن إزاء دور الدولة. علينا اعتماد فلسفة سياسية جديدة تهدم الحدود بين الأديان وتلغي دور الزعيم لأن الولاء للمذهب الديني والزعيم أدّى إلى دمار هذا الوطن الجميل”.

وحسب الكاتب رعد فإن الدولة المدنية التي بشَّر بها الدكتور سالم تقوم على عدة ركائز من أهمها “أن لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه كما ارتضينا في اتفاق الطائف، ولكن يجب أن نرتضي أن يكون الجميع للوطن. إن الولاء للبنان الأرض والوطن يجب أن يكون مقدّسًا، والولاء لوطن غير لبناننا خيانة”.

ويضيف أن الدكتور سالم في مسألة الولاء للبنان لا يناور ولا يساوم ولا يقبل بالتسويات وأنصاف الحلول، مثلما لا يمكن أن تكون الفتاة نصف امرأة ونصف عذراء.

ويتابع أن “أزمة لبنان الكيانية تكمن في جغرافيته، فسوريا تحده من الشرق والشمال وتعتبره جزءًا سُلخ منها وهي تريد استرجاعه. وإسرائيل تحده من الجنوب، وهي دولة عنصرية لا تريد قيامته لأنه يمثّل نموذجًا حضاريُا مغايرًا لها. إلا أن الفرق بين سوريا وإسرائيل شاسع جدًا، فإسرائيل دولة عدوّة زُرعت في هذا الشرق بإرادة غير إرادتنا، أما سوريا فهي دولة عربية صديقة تجمعنا بها صلات القربى والتاريخ”.

ويؤكد فيليب سالم أنه يجب على لبنان أن يحافظ على سيادته في وجه العدو البغيض، وإزاء مطامع الشقيقة اللدودة.

ويقول الكاتب رعد إن الدكتور سالم يشدد على مفهوم الدولة والسيادة حيث يقول “إنه يأمل في أن يكون اللبنانيون قد تعلموا من آلامهم وحروبهم أنه ليس هناك وطن من دون دولة قوية، وأنه ليس هناك دولة قوية بوجود دويلات فيها”. مضيفا “نرجو أن نكون قد تعلمنا شيئًا واحدًا، من حروبنا، وهو أن الدويلة، لا تقود إلى الدولة، ونقول أكثر من ذلك إن كل من يؤمن بمبدأ الدويلة… يرفض مبدأ لبنان الدولة ولبنان الوطن”.

ويقول الكاتب أنطوان رعد إن ما يطرحه الدكتور ليس تطرفًا ولا استفزازًا، بل هو ألف باء السيادة الوطنية، إذ لا سيادة لدولة فيها سلاحان، ولا سيادة لدولة يتّخذ فيها حزب من الأحزاب قرار الحرب والسلم.

الدكتور سالم يأمل في أن يكون اللبنانيون قد تعلموا من آلامهم وحروبهم
الدكتور سالم يأمل في أن يكون اللبنانيون قد تعلموا من آلامهم وحروبهم

ويؤمن الدكتور سالم وفق الكاتب رعد بأن فصل الدين عن الدولة وعن التربية شرط أساسي لقيام الدولة المدنية أي الدولة التي لا دين لها “دينها هو المواطنة، وأبناؤها مواطنون لا رعايا، متساوون في الحقوق والواجبات. انظروا إلى هذا الشرق كيف يغرق في الحروب الدينية والمذهبية. والحل يكون في فصل الدين عن الدولة، كما يكمن في الاقتناع بأن الإنسان وليس الله هو المسؤول عن تدبير شؤونه”.

ويصرّ الدكتور سالم وفق الكاتب على فصل الدين عن التربية مركزًّا على أن مسؤولية المدارس والجامعات لا تقوم على التلقين فحسب، بل تقضي بتدريب العقل على المناقشة والاعتراض سعيًا إلى صنع إنسان جديد. وقد شدّد على أن النظام التربوي في لبنان مريض لأنه أدّى إلى قيام قبائل ثقافية يتناحر بعضها مع بعض، وإلى تخريج أجيال من الطلاب يدينون بالولاء للطائفة لا للوطن، كما أسهم في تخريج أفواج من الشباب والصبايا يتسكّعون على أرصفة البطالة ويحتشدون أمام أبواب السفارات طلبًا للهجرة.

ويضيف الكاتب أن النصائح التي أسداها الدكتور سالم إلى الثوار والركائز التي تقوم عليها الدولة المدنية هي المواصفات التي يجب أن يتحلّى بها الرئيس اللبناني العتيد، إلى كونها برنامج الرئيس اللبناني الذي يطمح اللبنانيون إلى رؤيته في بعبدا، فهل يتحقق الحلم؟

ويبين رعد أنه في كل ما يدعو إليه، ينطلق الدكتور سالم من المحبة ولذا يقول مخاطبًا حزب الله “على رغم اختلافنا الفكري مع فلسفة الثورة الإيرانية الإسلامية أود أن أتوجّه إلى حزب الله وأقول له إن الأهل قد يختلفون في الرأي فيما بينهم، لكنهم يبقون أهلا. نحن وأنتم أهل هذه الأرض ونصرّ على أن نبقى أهلا، فتعالوا نجلس إلى طاولة واحدة ونتعهد أمام الله بإنقاذ لبنان وإعادته إلى الحياة. أنتم تعرفون جيدًا أنه إذا سقط لبنان هذه المرة لن يكون في سقوطه غالب ومغلوب بل سنكون جميعًا مغلوبين”.

ويضيف “إن حزب الله أمام فرصة تاريخية، يجب أن يغتنمها كي لا يقود اللبنانيين إلى الغرق وإلى الانتحار الجماعي فهل يعود إلى أحضان الوطن ويدرك أن “قُم” ليست أقرب إلى الضاحية الجنوبية من عين الرمانة والطريق الجديدة”.

6