حيازة السعوديين على أكبر حصة في تليفونيكا يثير الجدل

تسبب تحول السعوديين إلى أكبر المساهمين في عملاق الاتصالات تليفونيكا بعد ماراثون شاق من المفاوضات دام أشهرا في إثارة الجدل في إسبانيا، لكون السلطات التنظيمية تمنع الأجانب من امتلاك حصة، ما قد يؤدي إلى عدم إتمام الصفقة.
الرياض/مدريد - تلقى خوسيه ماريا ألفاريز باليتي، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة تليفونيكا الإسبانية لخدمات الهاتف والإنترنت المثقلة بالديون، مكالمة غير متوقعة هذا الأسبوع عندما كان في وادي السيليكون للقاء مستثمرين ومسؤولي الشركات.
وعلم باليتي أن مجموعة أس.تي.سي، أكبر مشغل اتصالات في السعودية، تسعى لأن تكون أكبر مساهم في تليفونيكا بحصة 9.9 في المئة. وقالت مصادر مطلعة لرويترز إن في غضون ساعات من مكالمة الثلاثاء الماضي كان هذا المسؤول في طريقه إلى الرياض.
وأوضحت المصادر، التي طلبت عدم الكشف عن هويتها بسبب حساسية الأمر، أن أس.تي.سي أمضت أشهرا في بناء حصتها البالغة 2.1 مليار يورو (2.25 مليار دولار).
وتعد الخطوة بمثابة تصويت بالثقة في شركة تليفونيكا، المثقلة بديون بمليارات الدولارات، في الوقت الذي تعكف فيه شركة الاتصالات السعودية على اكتساب خبرات لتحديث البنية التحتية للقطاع في البلد الخليجي.
لكن البعض في إسبانيا يشعرون بالقلق من أن تمنح الصفقة، السعودية نفوذا كبيرا في ما يتعلق بالبنية التحتية للاتصالات والإنترنت في البلاد.
وتعمل السلطات على تحليل الاستحواذ لضمان عدم المساس بمصالحها الإستراتيجية مما ينذر باحتمال وجود عقبة أمام إتمام الخطوة.
وقالت وزيرة الاقتصاد بالإنابة ناديا كالبينيو الأربعاء الماضي في بروكسل إن أس.تي.سي تواصلت مع الحكومة الثلاثاء للإبلاغ بالصفقة التي ستجعل من الشركة السعودية أكبر مساهم في تليفونيكا.
وقالت كالبينيو للصحافيين عندما سألوها عن خطوة أس.تي.سي إن “تليفونيكا شركة إستراتيجية لبلادنا وكحكومة سنطبق كل الآليات الضرورية لإعطاء أولوية للدفاع عن مصالحنا الإستراتيجية”.
وبوسع مدريد أن تعرقل شراء حصة في تليفونيكا، التي تقدم خدماتها لصناعة الدفاع في إسبانيا، ويمكن للحكومة التدخل في عمليات الاستحواذ للحصص التي تزيد عن 5 في المئة.
وقال مسؤول مطلع على تفكير الحكومة إن مدريد “ستمارس سلطتها” للموافقة على العملية أو رفضها حيث تدرك أن لها سلطة رقابية بسبب صلات تليفونيكا بالدفاع الوطني.
وقالت إيوني بيلارا، القائمة بأعمال وزير الحقوق الاجتماعية، على منصة إكس (تويتر سابقا) إن “الرقابة العامة على الشركات الإستراتيجية مسألة ملحة من وجهة نظر ديمقراطية وأمنية”.
وأكدت أنه يتعين على الشركة القابضة الحكومية أس.إي.بي.آي الاستحواذ على حصة عشرة في المئة في تليفونيكا خلال الأعوام القليلة القادمة “لقيادة التحول الرقمي”.
وقال مصدر مطلع إن “معتز العنقري من أهم من عملوا على التوصل إلى الاتفاق”، وهو كبير مسؤولي الاستثمار في أس.تي.سي وكان مصرفيا في مورغان ستانلي.
وأكدت أس.تي.سي مشاركة العنقري في هذه العملية. وفي أثناء عمله السابق في البنك، قدم المشورة بشأن الإدراج القياسي لأسهم عملاق النفط أرامكو السعودية.
وأس.تي.سي مملوكة بنسبة 64 في المئة لصندوق الاستثمارات العامة (صندوق الثروة)، وهو المحرك الرئيسي لجهود ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في رؤية 2030 لبناء حصص في مجموعة متنوعة من الشركات العالمية.
والهدف الأساسي من هكذا خطوات هو إبعاد الاقتصاد السعودي عن اعتماده على النفط الذي جعل البلد واحدا من أغنى دول العالم.
وقال مصدر قدم المشورة لأس.تي.سي لرويترز إنها “تأمل أن تساعدها العلاقات مع تليفونيكا في تطوير مدن رقمية في السعودية وجلب المعرفة التكنولوجية من دول مثل إسبانيا”.
أما بالنسبة لتليفونيكا، التي انخفضت قيمتها إلى ثلث ما كانت عليه قبل ثماني سنوات، فإن هذا الاستثمار يوفر للمساهمين الذين طالت معاناتهم بعض الارتياح.
وبينما خفض منافسو الشركة الإسبانية الأسعار لجذب مستخدمي الإنترنت، اقترضت تليفونيكا بغية الاستثمار في شبكات هاتف محمول وإنترنت جديدة.
وكان من أسباب تفاقم مشكلات تليفونيكا توسعها في أميركا اللاتينية، حيث أدى تراجع العملات المحلية وتشديد القواعد التنظيمية والمنافسة إلى استنزاف أرباحها على مدى العقد الماضي.
الشركة الإسبانية راكمت ديونا بعدما تفاقمت مشاكلها في أسواق أميركا اللاتينية التي قضمت أرباحها على مدى العقد الماضي
وقال محلل لدى بي.بي فورسايت “يوفر ذلك دفعة تشتد حاجة تليفونيكا إليها نظرا للاستثمار الضخم لطرح شبكة الألياف ذات النطاق العريض من الجيل الخامس في الأسواق الأساسية الرئيسية”.
وأقرت نقابة العمال الرئيسية في تليفونيكا الخميس بأن المستثمر الجديد “يجلب الثقة والقيمة”، ووصفت خطوة أس.تي.سي بأنها “تدفق رأسمالي يعزز كل ما يتعلق باستثمارات الشركة المستقبلية مما يضمن مستقبل عمالها”.
لكن أكبر نقابة عمالية في إسبانيا دعت إلى “الحذر و(الشعور) بالمسؤولية” ووعدت بأن تظل منتبهة للإجراءات التالية التي ستتخذها الشركة السعودية.
وقال مصدر مطلع على نهج تفكير إدارة العملاق الإسباني إن “الشركة لا تنظر إلى أس.تي.سي باعتبارها مستثمرا جريئا يسعى إلى إجراء تغييرات في الإدارة”. لكنه أضاف أن السرية التي تعاملت بها الشركة السعودية من أجل زيادة حصتها فاجأت المتابعين.
وكانت التكهنات تتزايد حول قدوم مساهم رئيسي جديد في تليفونيكا، وذكرت مصادر مطلعة أن إدارة الشركة اجتمعت العام الماضي مرتين مع شركات وصناديق أخرى في الشرق الأوسط.
وأكدت تليفونيكا أنها تم إبلاغها الثلاثاء بقرار أس.تي.سي الاستثماري، مشيرة إلى تبادل المزيد من المعلومات على مدى الأشهر الماضية.
ووقعت الشركتان في فبراير الماضي على شراكة إستراتيجية للعمل في مجالات مثل الأمن السيبراني وميتافيرس.
وأكد مصدران مطلعان آخران أن أس.تي.سي عينت في مايو الماضي مستشارين هما بنك الاستثمار مورغان ستانلي وشركة المحاماة لينكلاترز وبدأت في شراء أسهم تليفونيكا في السوق.

وقال أحدهما إنه “عندما اقتربت الحصة من 3 في المئة أوقفت أس.تي.سي شراء الأسهم مؤقتا لتجنب الاضطرار إلى تقديم إفصاح رسمي”.
وأوضح أن الشركة السعودية قررت عدم الكشف عن مسعاها إلى أن تتمكن من شراء ما لا يقل عن 9.9 في المئة من تليفونيكا.
وقال أحد المصدرين إن أس.تي.سي حققت هذا الهدف الثلاثاء بعد استحواذها على حصة إضافية بنسبة اثنين في المئة من مستثمرين لم يكشف عنهم.
ورتب مورغان ستانلي الاستحواذ على خمسة في المئة من أسهم الشركة، لكنها في انتظار الموافقة التنظيمية من الحكومة الإسبانية.
وقالت تليفونيكا “تسافر فرق الإدارة والإستراتيجية والاستثمار لدينا بشكل منتظم للقاء مع المستثمرين المحتملين، ليس فقط في الشرق الأوسط، ولكن في جميع أنحاء العالم”.
السعودية تنظم في أكتوبر المقبل مؤتمرها المالي السنوي بحضور مصرفيين كبار ومليارديرات من أنحاء العالم، والذي يطلق عليه اسم "دافوس في الصحراء"
وفي محاولة لتقليص الديون، باعت تليفونيكا مساحات كبيرة من البنية التحتية للاتصالات، ومن المقرر أن تقدم خطة إستراتيجية جديدة في مطلع نوفمبر المقبل تركز على زيادة التدفق النقدي الحر الذي قال رئيسها التنفيذي إنه قد يصل إلى أربعة مليارات يورو هذا العام.
وقال محللو أسهم لدى المجموعة المالية هيرميس في مذكرة للعملاء إن “لدى أس.تي.سي مخزونا نقديا قدره 22.4 مليار ريال (ستة مليارات دولار) لم يتم استغلاله بالقدر الكافي لسنوات عديدة، لذا فإن الصفقة جيدة بالتأكيد أيضا للشركة السعودية”.
لكنهم حذروا من أن “الصفقات غير الناجحة” التي أبرمتها أس.تي.سي في الماضي قد تثير قلق البعض.
ويستحوذ مستثمرون من دول الخليج العربي منذ فترة على حصص في شركات إسبانية، وهم يتبعون أسلوب اقتناص الفرص الوازنة لتحقيق أعلى عائد.
وتمتلك شركة مبادلة للاستثمار، أحد صناديق الثروة التابع لحكومة أبوظبي، حصصا في شركة النفط سيبسا ومشغل خطوط أنابيب الغاز إيناغاز، بينما يساهم جهاز قطر للاستثمار في إيبردرولا.
وتنظم السعودية في أكتوبر المقبل مؤتمرها المالي السنوي بحضور مصرفيين كبار ومليارديرات من أنحاء العالم، والذي يطلق عليه اسم “دافوس في الصحراء”.
وقال مصرفي خليجي لرويترز “يريدون أن يصبح أبطالهم المحليون لاعبين عالميين. مع مرور الوقت سيصبحون بنفس أهمية فودافون أو تليفونيكا ذاتها”.