حوار استراتيجي جديد بين مصر والولايات المتحدة لهندسة العلاقات الثنائية

واشنطن تسعى لعدم التفريط في الاعتماد على القاهرة كقوة إقليمية مهمة يمكن التنسيق معها في العديد من القضايا الإقليمية التي تلبي لكل طرف جانبا أساسيا من أهدافه.
الأحد 2021/11/07
مصر شريك حيوي للولايات المتحدة

القاهرة- توجه وزير الخارجية المصري سامح شكري والوفد المرافق له إلى واشنطن للمشاركة في جولة جديدة من الحوار الاستراتيجي مع الولايات المتحدة يومي الاثنين والثلاثاء، والتفاهم حول هندسة العلاقات ورسم معالم واضحة لها الفترة المقبلة.

وقالت مصادر مصرية لـ”العرب” إن هذه الجولة مهمة باعتبارها الأولى التي تعقد في عهد إدارة الرئيس جو بايدن، وتم الإعداد لها جيدا منذ اللقاء الذي عقده شكري مع نظيره الأميركي أنتوني بلينكن على هامش اجتماعات الأمم المتحدة في سبتمبر الماضي، حيث جرى الاتفاق على التحضير الجيد لهذه الجولة.

وأكدت المصادر أن الوفد المصري ذهب إلى واشنطن وفي جعبته تقدم ظاهر في ملف حقوق الإنسان الذي يمثل منغصا لبايدن في إدارة علاقته مع الرئيس عبدالفتاح السيسي، حيث رفع الأخير حالة الطوارئ في مصر منذ نحو أسبوعين، ودشن قبلها ما يعرف بـ”الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان”، وأفرج عن عدد من المعتقلين السياسيين، وبدأت عناصر من المعارضة تظهر في بعض وسائل الإعلام بمصر.

عبدالرؤوف الريدي: زيارة تؤسس لعلاقة قائمة على المكاشفة والمصارحة

وكشفت المصادر ذاتها أن هذه الخطوات غير كافية بنظر واشنطن، وجاءت نتيجة مطالب أميركية متكررة ترى ضرورة في تحسن حقيقي لأوضاع الحريات حملها مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان خلال زيارته إلى القاهرة في التاسع والعشرين من سبتمبر الماضي ضمن رزمة مطالب للحفاظ على وتيرة جيدة من العلاقات بين البلدين.

وأعلنت واشنطن في سبتمبر الماضي حجب 130 مليون دولار من المعونة العسكرية لمصر إلى أن تتخذ خطوات إيجابية محددة تتعلق بتحسين أوضاع حقوق الإنسان، وهو ما قابلته القاهرة بتجاهل أوحى بأن هذه الطريقة لن تجدي معها.

وتحاول القاهرة تحسين سجلها في مجال الحريات وحقوق الإنسان على طريقتها التي لا تحصره في الملف السياسي وتبدو غير متجاوبة بشكل كامل مع الضغوط الأميركية، مستفيدة من رغبة بايدن في الاعتماد عليها كحليف بمنطقة الشرق الأوسط.

وتعهدت إدارة الرئيس جو بايدن بأن يكون ملف حقوق الإنسان محورا مهما في سياسته الخارجية، ويضغط المدافعون عن هذا الملف لإبداء نهج أشد مع نظام الرئيس السيسي لتغيير تعامله في مجال الحريات عموما على الرغم من تحسن العلاقات معه بعد وساطة ناجحة قامت بها إدارته لوقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل في مايو الماضي.

وقال عبدالرؤوف الريدي سفير مصر الأسبق في واشنطن لـ”العرب” إن ميزة الحوارات الاستراتيجية أنها تؤسس لعلاقة قائمة على المكاشفة والمصارحة وتبادل الرؤى والأفكار بشكل يحقق مصالح البلدين، وتتكفل بإزالة الشوائب العالقة بين الجانبين، بعد أن وصلا إلى مرحلة من عدم الاستغناء عن بعضهما.

وأشار إلى أن الوفد المصري ذهب إلى واشنطن وهو مدرك لمدى قناعة إدارة بايدن بحتمية أن تكون العلاقة مع القاهرة أكثر قوة لارتباط ذلك بمصالح مشتركة، لأن مصر تمتلك أوراقا عدة بالمنطقة ولن يشكل ملف حقوق الإنسان عائقا لتكون علاقة البلدين مؤسسية ولا تتأرجح بسبب الخلاف في أي ملف.

وأعلنت وزارة الخارجية الأميركية أن الوزير أنتوني بلينكن سيستقبل شكري والوفد المرافق له يومي الثامن والتاسع من نوفمبر الجاري بهدف عقد الحوار الاستراتيجي بين البلدين كفرصة للنهوض بجميع مجالات التعاون.

ويشير عقد هذه الجولة من الحوار في هذه الأجواء إلى أن إدارة بايدن قطعت شوطا في التفاهم مع القاهرة وعلى استعداد للتعاون والتنسيق معها في العديد من القضايا الإقليمية التي تلبي لكل طرف جانبا أساسيا من أهدافه.

وتسعى الولايات المتحدة لعدم التفريط في الاعتماد على القاهرة كقوة إقليمية مهمة يمكن التفاهم معها وتحقيق شراكة متينة بينها وإسرائيل، وهو ما تتكفل به الجولة الجديدة من الحوار الاستراتيجي في واشنطن، وتستكمل ما بدأه سوليفان خلال زيارته إلى القاهرة بشأن القضايا الرئيسية التي تضمن تحقيق المصالح المشتركة.

عمرو عبدالعاطي: جولة الحوار ستنجح في تجاوز الخلافات الجوهرية

ومن المقرر خلال الحوار مناقشة ملفات دولية وإقليمية مشتركة، وحقوق الإنسان، والتعاون الثنائي في القضايا الاقتصادية والقضائية والأمنية والتعليمية والثقافية.

ويلتقي شكري عددا من مسؤولي الإدارة الأميركية، ويجري اجتماعات مع أعضاء في مجلسي النواب والشيوخ، ويعقد لقاءات مع عدد من مراكز البحث والفكر.

وأكدت الخارجية الأميركية أن مصر شريك حيوي للولايات المتحدة، معربة عن التزامها بتقوية الشراكة بين البلدين المستمرة منذ أربعين عامًا.

وأوضح الباحث المصري المتخصص في الشؤون الأميركية عمرو عبدالعاطي أن هذه الجولة من الحوار تعكس وصول العلاقة بين الطرفين إلى مرحلة متقدمة من التحالف، لأن واشنطن لا تعقد مثل هذه اللقاءات إلا مع ممثلي الدول التي تربطها بها علاقات قوية على مستوى المؤسسات وليس الأشخاص.

وأضاف لـ”العرب” أن واشنطن تواجه تحديات كثيرة في منطقة الشرق الأوسط، وفي مرحلة إعادة ترتيب علاقتها بالإقليم، وتبحث عن حلفاء يحققون لها مصالحها بناء على الرؤى المشتركة، ووجدت أهمية في تقوية علاقاتها بالقاهرة لهذا الغرض، وهو ما يحقق للطرفين ما يريدان ويجعلهما أكثر تقاربا وتفاهما من أي وقت مضى.

ولدى إدارة بايدن قناعة بتقليل انخراطها في صراعات الشرق الأوسط وتبحث عن شركاء أقوياء للوقوف في وجه قوى أخرى مناهضة لمصالحها مثل تركيا وإيران، وتبحث عن توازن صلب ضد القوى المعارضة لها.

وتجد في مصر بقوتها المادية ونفوذها المعنوي ما يمكن أن يحقق لها هذا الغرض بحكم دورها الحيوي للمساعدة في إطفاء بعض النيران في منطقة الشرق الأوسط.

وتوقع عمرو عبدالعاطي في تصريح لـ”العرب” أن تنجح جولة الحوار في تجاوز خلافات جوهرية بين البلدين بعد تعليق واشنطن سابقا لجزء من المساعدات المقدمة للقاهرة وربطها بتحسين ملف حقوق الإنسان، ومع إلغاء حالة الطوارئ تكون القاهرة مهدت الأجواء لجولة هادئة ومثمرة، ونجحت في أن تكون علاقتها بواشنطن قائمة على التعامل بين المؤسسات وليس الأشخاص.

6