حملة ترامب ضد المسلمين مادة لتصريحات هيلاري كلينتون المضادة

الثلاثاء 2015/12/22
الانتخابات الأميركية: مسار معقد ويصعب فهمه

لم يكن تصريح دونالد ترامب، أقوى مرشح جمهوري للانتخابات الرئاسية الأميركية القادمة، مجرد كلام لملء خطاباته وحملاته الانتخابية، فإن دعوته لـ”منع دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة الأميركية”، تعد نقطة معلنة عن نوايا أخرى قد تكون أكثر خطورة من هذا التصريح.

فقد أدت دعوته تلك إلى استفزاز ردود أفعال في مستويات عديدة داخل وخارج الولايات المتحدة، من ذلك العديد من الجمعيات ووسائل الإعلام ودوائر بحث ودبلوماسيين ومنظمات دولية وغيرهم، ما جعل من تصريحات المرشح الرئاسي دونالد ترامب مادة للجدل العام والحسابات السياسية الداخلية بين الجمهوريين والديمقراطيين خاصة في هذه المرحلة التي تمتاز بحركة سياسية كثيفة تحضيرا للانتخابات الرئاسية في فبراير القادم.

ويؤكد العديد من المراقبين أن نظام الانتخابات في أميركا يعد أحد أعقد الأنظمة الانتخابية في العالم، نظرا للمرحلية الطويلة التي تلازم المسار الانتخابي على المستوى الحزبي الداخلي ثم على المستوى الأميركي الفدرالي.

ويقول جون هوداك، وهو باحث في دراسات الحوكمة بمعهد بروكنجز ومدير تحرير مدونة “فيكس غوف”، “إنه مسار معقد ويصعب فهمه وهو النظام الأكثر عجبا”. وأشار بشكل خاص إلى العملية الطويلة التي تمتد على مدى سنتين يتم بموجبها انتخاب المرشحين حاليا وتضم سلسلة من الانتخابات الأولية والحزبية عبر الولايات الخمسين، وذلك قبل البدء في الانتخابات العامة. كما أشار هوداك أيضا إلى حقيقة أن الانتخابات العامة ليست “استفتاء عاما وطنيا” وإنما هي نتائج في الولايات كافة مجتمعة، تتم تصفيتها من خلال الهيئة الانتخابية.

ومن الملاحظ لدى الخبراء الدستوريين والسياسيين أن هذه المدة الطويلة التي تمر بها المرحلة الانتخابية في أميركا تفتح الباب أمام استراتيجيات مختلفة للدعاية الانتخابية في مساحة زمنية طويلة، وقد تختلف الآراء في الجدوى من هذا الوقت، إلا أن النتائج تكون أكثر دقة وفعالية. وقد كان للجمهور الانتخابي وقت كاف لمتابعة وتقييم أداء كل مرشح وكيفية تناوله للقضايا المطروحة في دولة تعتبر الأقوى في العالم في نواحي الهيمنة السياسية والتحكم في القرار الدولي. وفي المحصلة، تقترب هذه الأيام الحملة الانتخابية من نهايتها الأمر الذي طبع الفترة الحالية في أميركا بالحركية وكثافة التصريحات، وهو ما وفر مادة غنية للنقاش والمناظرات والجدل العام.

ولعل تصريحات دونالد ترامب، المرشح عن الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية الأميركية، التي دعا فيها إلى منع المسلمين من دخول الولايات المتحدة الأميركية في المستقبل مصدر من مصادر ذلك الجدل العام، إذ استغلت المرشحة الديمقراطية ووزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون تلك التصريحات لتصنع من الخصم “أحد الشياطين” المرشحين للرئاسة. وبدأت تصريحاتها الكثيفة في هذا الاتجاه إلى درجة أنها اتهمت ترامب بدعم الجهاديين وتقديم خدمة دعائية مجانية لهم وقالت عنه “يجيد تدريب الإرهابيين وشحنهم”.

كما ركزت كلينتون على استهداف المرشح الجمهوري القوي دونالد ترامب الطامح للفوز بترشيح الحزب الجمهوري، إذ صبت غضبها على عملية إشاعة الخوف جراء التعليقات الأخيرة المثيرة للجدل التي أطلقها ترامب حيال المهاجرين، وخصوصا دعوته لمنع دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة. وقالت كلينتون إن الأميركيين “في حاجة إلى التأكد من أن لا تلاقي الرسائل التي يبعثها ترامب إلى جميع العالم آذانا صاغية”.

وفي الجهة المقابلة، رد ترامب بالقول إن ادعاءات هيلاري كلينتون “كاذبة” ولا أساس لها من الصحة، بالرغم من أنه لم ينف تماما أن مضامين تصريحه بمنع المسلمين من دخول أميركا هي مضامين عنصرية، وأكد في هذا السياق أن تصريحه لم يكن معزولا عن رؤية كاملة لمكافحة التطرف داخل المجتمع الأميركي والاختراق “الذي أصبح يرى بالعين المجردة” لشبكات التطرف والإرهاب داخل أميركا، وقال “إن حدث كاليفورنيا يعتبر دليلا واضحا على أن الإرهاب يمكن أن يطال حتى أماكن حساسة في الولايات المتحدة الأميركية”، مضيفا أن هيلاري كلينتون كانت قد فشلت في مرحلة سابقة في بلورة استراتيجية واضحة لمكافحة التنظيمات الإرهابية التي زاد توسعها في كل من العراق وسوريا وليبيا وأماكن أخرى من العالم، وذكر ترامب أن كلينتون ذاتها صوتت لصالح الغزو الأميركي للعراق عام 2003.

عنصرية ترامب خدمة مجانية للإرهاب وتشجيع على التطرف

هيلاري كلينتون: وزيرة خارجية أميركا السابقة ولدت سنة 1947، درست الحقوق في جامعة يال وهي من أبرز أعضاء الحزب الديمقراطي الأميركي ومرشحته البارزة في الانتخابات المنتظرة

استخدمت هيلاري كلينتون وغيرها من المرشحين الديمقراطيين الطامحين لخوض الانتخابات الرئاسية دونالد ترامب كمثال سياسي للتعصّب، ولتسليط الضوء على دعواتهم إلى هزيمة الجهاديين المتطرفين من دون استخدام لغة التعصب والتهديد التي انتهجها منافسهم الجمهوري.

وشددت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة خلال مناظرة في نيوهامشر جمعتها بغريمها من المرشحين الديمقراطيين ساندرز أومالي على الحاجة إلى تعزيز الأمن القومي ورفع الحد الأدنى للأجور وحماية حقوق المرأة والأقليات والمحرومين، وقد جرت مناقشات حادة حول الاقتصاد والسلاح ومواجهة التهديد الإرهابي ودور الولايات المتحدة في الخارج.

وتعتبر هذه المناظرة الثالثة للديمقراطيين في إطار الانتخابات التمهيدية والأخيرة للعام 2015، كما أنها الأولى بعد الاعتداء الذي نفذه زوجان متطرفان في سان برناردينو في كاليفورنيا وأسفر عن مقتل 14 شخصا.

وقد ركزت كلينتون على استهداف المرشح الجمهوري القوي دونالد ترامب الطامح للفوز بترشيح الحزب الجمهوري وصبّت جام غضبها على عملية إشاعة الخوف جراء التعليقات الأخيرة المثيرة للجدل التي أطلقها ترامب حيال المهاجرين، وخصوصا دعوته إلى منع دخول المسلمين للولايات المتحدة. وقالت كلينتون إن الأميركيين “في حاجة إلى التأكد من أن لا تلقى الرسائل التي يبعثها ترامب إلى جميع العالم آذانا صاغية”، وأضافت “لقد أصبح أفضل مجند لدى تنظيم الدولة الإسلامية”، مشيرة إلى أن الجهاديين “يبثون مقاطع فيديو لدونالد ترامب وهو يهين الإسلام والمسلمين بهدف تجنيد عدد أكبر من الجهاديين المتطرفين”.

وحذرت كلينتون بشدة من “الخطر السياسي” الذي يمارسه ترامب وغيره من “القادة عديمي الضمير الذين يحاولون جعلنا نتواجه في ما بيننا”. وأضافت أن البلاد سترقى إلى مستوى مواجهة متطرفي تنظيم الدولة الإسلامية، ولكن فقط إذا لم يتخل الأميركيون أبدا عن قيمهم أمام “الدعوات الفاشية لأصحاب المليارات من ذوي الأفواه الكبيرة، فنحن نظل البلد الأفضل”.

وتزايدت شعبية ترامب في الأسابيع الأخيرة في أعقاب تصريحات تعد الأكثر إثارة للجدل، حيث تصدر استطلاعات الرأي الوطنية بين المرشحين الجمهوريين، واضعا كل الجمهوريين في سلة الإحراج.

وأصرت كلينتون على أن محاربة الإرهاب لا تكون بالطريقة التي سلكها ترامب، لأنها حسب نظرها “طريقة متوحشة وغير معقولة”، مؤكدة أن الأديان تظل بمنأى عن الصراع السياسي أو حتى مجرد التفكير في الصيغ السياسية لحكم البلاد، “فدونالد ترامب قدم دعاية وحافزا مجانيا للإرهابيين كي يستهدفوا أميركا ومصالحها بأسلحتهم الغادرة”.

تصريحات ترامب بعدم السماح للمسلمين بدخول أميركا، لا يجب أن تجد آذانا صاغية، فهي دعاية للإرهاب وشحن للخلايا الجهادية

وأشارت وزيرة الخارجية السابقة إلى أن “القضاء على الإرهاب يمر عبر إنهاء حكم بشار الأسد في سوريا”. وذلك خلافا لما بدأت الآلة الإعلامية الجمهورية الترويج له بأن القضاء على الإرهاب في سوريا يتطلب سياسة مرحلية تستهدف تنظيم ما يسمّى بالدولة الإسلامية أساسا ثم نظام الأسد في مرحلة لاحقة.

وعلى صعيد آخر، اقترحت هيلاري كلينتون المرشحة الأوفر حظا للفوز بترشيح الحزب الديمقراطي لخوض انتخابات الرئاسة الأميركية توسيع “قاعدة بافيت” لرفع معدلات الضرائب التي يدفعها الأثرياء فعليا، وقد أجاب أحد مسؤولي حملة دونالد ترامب على هذا المقترح أن “كلينتون تستهدف ترامب بهذا المقترح وتستهدف ثروته”.

وذكرت كلينتون في أوماها بولاية نبراسكا لدى ظهورها مع وارن بافيت الذي سميت القاعدة باسمه، أنه من الضروري ضمان منظومة ضريبية عادلة. وستعدل “قاعدة بافيت” نسب الضرائب كي لا يتسنى للأثرياء استغلال ثغرات ومعدلات مختلفة للأرباح الرأسمالية لدفع ضرائب تقل فعليا عن تلك التي تدفعها الطبقة العاملة. وقالت كلينتون “تنص قاعدة بافيت على إلزام المليونيرات بدفع ضرائب على الدخل لا تقل نسبتها عن 30 بالمئة بدلا من 10 و15 و20، بل أنا أود أن تزيد على ذلك”. وأضافت قائلة “هناك عوامل كثيرة جدا جعلت الأغنياء يزدادون ثراء”.

هيلاري كلينتون كاذبة وهي سياسية لها سوابق في الفشل

قال دونالد ترامب المرشح الجمهوري المحتمل لانتخابات الرئاسة الأميركية، إن المرشحة الديمقراطية المحتملة هيلاري كلينتون “كاذبة” بادعائها أن اقتراحه حظر دخول كل المسلمين الأجانب إلى الولايات المتحدة يسهم في دعم الجهود الدعائية لتنظيم الدولة الإسلامية.

دونالد ترامب: رجل أعمال وشخصية تلفزيونية ومؤلف أميركي ولد سنة 1946 بأميركا، وهو رجل ثري وله العديد من المشاريع الاقتصادية والعلامات التجارية ما جعله شخصا مشهورا في أميركا

وقال ترامب لشبكة “إن.بي.سي” التلفزيونية إن كلينتون ليس لديها دليل يدعم اتهامّا وجهته خلال مناظرة أقيمت الأسبوع الماضي بأن ترامب أبرز المرشحين الجمهوريين المحتملين في انتخابات الرئاسة أصبح “أفضل من يقوم بالتجنيد” لصالح تنظيم الدولة الإسلامية. وأكد في هذا السياق أن تصريحه لم يكن معزولا عن رؤية كاملة لمكافحة التطرف داخل المجتمع الأميركي والاختراق “الذي أصبح يرى بالعين المجردة” لشبكات التطرف والإرهاب داخل أميركا، وقال “إن حدث كاليفورنيا يعتبر دليلا واضحا على أن الإرهاب يمكن أن يطال حتى أماكن حساسة في الولايات المتحدة الأميركية”، وأضاف ترامب ردا على كلينتون “إنها كاذبة والكل يعرف ذلك”.

وأثارت دعوة ترامب إلى منع دخول كل المسلمين إلى الولايات المتحدة بعد هجوم وقع في سان برناردينو بولاية كاليفورنيا في الثاني من ديسمبر الجاري وأدى إلى سقوط 14 قتيلا، انتقادات واسعة من منافسين جمهوريين وديمقراطيين على حد سواء مثل كلينتون.

وكانت كلينتون قد قالت خلال مناظرة لمرشحين ديمقراطيين، إن تنظيم الدولة الإسلامية يستخدم تصريحات ترامب لتجنيد مقاتلين للقتال الراديكالي.

وأضافت أنهم “يذهبون إلى الناس ويعرضون فيديوهات دونالد ترامب وهو يهين الإسلام والمسلمين من أجل تجنيد المزيد من الجهاديين الراديكاليين”. ولم يجد خبراء مكافحة الإرهاب وصحفيو “رويترز” الذين يتابعون نشاط التنظيمات الإسلامية على الإنترنت، دليلا حتى الآن على أن تنظيم الدولة الإسلامية أشار إلى ترامب في حساباته الرسمية عبر الإنترنت.

وعندما طلب من حملة كلينتون التعليق على اتهام ترامب رفض القائمون على حملتها الرد، ولكن أكد مديرو الحملة أن تصريح هيلاري كلينتون اعتمد على أدلة على أن أنصار تنظيم الدولة الإسلامية يشيرون مرارا إلى تصريحات ترامب لإثبات أن الأميركيين يكرهون المسلمين. وقال جون بوديستا رئيس حملة كلينتون إن هذا يكفي للإشارة إلى أن ترامب يساعد تنظيم الدولة الإسلامية ولا يضره.

وقال دونالد ترامب في ردوده على استراتيجية كلينتون للأزمة في سوريا، وهو موضوع محوري في التنافس الانتخابي “إن كلينتون تتوهم حلولا سبق وأن أثبتت فشلها، فهي من صوت لصالح قرار جورج بوش الابن في الحملة البرية على العراق سنة 2003 رغم أنها اقترحت خطة مغايرة في ذلك الوقت، وهذا دليل على أنها مضطربة في السياسة الدولية ولا تملك رؤية واضحة”.

وأضاف ترامب في تصريح موجه لكلينتون “لا يا هيلاري.. أنت تعتقدين أننا في الطريق السليم في سوريا عند الحديث عن التخلص المزوج من الإرهاب وبشار معا، الأمر يتطلب حكمة أكثر ونحن لسنا في الطريق السوي الذي تتخيلينه”. وأضاف، أن مسؤولة الخارجية الأميركية السابقة تسببت في أزمات عديدة كانت أميركا في غنى عنها ولعل أبرزها الأزمة الليبية “وكيف تم اغتيال سفير أميركا في ليبيا رغم إبلاغه لوزيرة الخارجية في أكثر من مناسبة أنه مهدد بالاغتيال”. وأكد ترامب في هذا السياق أن الديمقراطيين يرشحون كلينتون داخلهم لتكون ممثلتهم في الرئاسية، وهذا خطأ سوف لن يكون لصالح أميركا بأي حال من الأحوال.

وأعاد ترامب تكذيب كلينتون في ادعائها بأن لها مقاطع فيديو تؤكد أن إرهابيين يستعملون تصريحات ترامب للدعاية والتحريض ضد أميركا، مشددا على أنه لا يوجد فيديو مماثل وأن المراسلين الإخباريين لم يتمكنوا من العثور على تسجيل من هذا النوع. وقال “يمكنهم أن يصنعوا واحدا.. أعرف عائلة كلينتون وأعرف هيلاري جيدا”. وأضاف “أعني أنها اختلقت القصة”.

12