حملة الضرائب المصرية تصل إلى التعليم الموازي

الحكومة تقنن النشاط بتأسيس شركة وتشرعن الدروس الخصوصية.
السبت 2022/10/22
الكل تحت مجهر المراقبة

اخترقت مصر أحد الخطوط الحمر باتجاهها نحو شرعنة التعليم الموازي وتقنين مراكز الدروس الخصوصية التي تنهب جيوب أولياء الطلاب، أملا في حصد مكاسب مالية إضافية من باب الضرائب حتى ترفد الخزينة العامة وتواجه تبعات أزمات أثرت على اقتصادها.

القاهرة – دفعت الأزمة الاقتصادية الحكومة المصرية إلى البحث عن أدوات جديدة تحت بند الضرائب لجمع إيرادات إضافية لخزينة الدولة، حيث تدرس تقنين التعليم الموازي بعد فرضها مجموعة من الإجراءات المثيرة للجدل في هذا المسار خلال السنوات الأخيرة.

وأعلن رضا حجازي وزير التربية والتعليم أمام البرلمان الثلاثاء الماضي أن الحكومة ماضية في الترخيص لمراكز الدروس الخصوصية مع الاستعانة بشركة خاصة لإدارة وتنظيم مجموعات التقوية في المدارس.

وتستهدف الخطة أبناء الفقراء ومتوسطي الدخل بمنحهم دروسا بمبالغ رمزية لعدم قدرتهم على الذهاب إلى المراكز التعليمية الخاصة.

وبدا تصور حجازي كأن الحكومة تريد رفع يديها عن التعليم الرسمي المفترض أنه يقدم بصورة مجانية وفقا للدستور بحجة أنها لا تستطيع مواجهة مراكز الدروس الخصوصية.

عبدالحفيظ طايل: اتجاه الحكومة خطر لأنه يحوّل القطاع إلى سلعة
عبدالحفيظ طايل: اتجاه الحكومة خطر لأنه يحوّل القطاع إلى سلعة

وباتت هذه الدروس جزءا من ثقافة الطلاب وأسرهم ومن الصعب السيطرة عليها، فكان البديل أن منحتها مشروعية لتكون لها سلطة الرقابة والمتابعة والتفتيش على العاملين فيها.

وقال مصدر حكومي لـ”العرب” إن “تقنين مراكز التعليم الموازية يستهدف إدخالها ضمن الكيانات التي يتم تحصيل الضرائب منها”.

وبرر المصدر بأن أصحاب هذه المراكز يجمعون مبالغ مالية ضخمة تصل إلى 47 مليار جنيه (2.4 مليار دولار) سنويا، بينما تعاني المدارس من عجز في البنى التحتية وتكدس في عدد الطلاب ونقص في المعلمين.

وأوضح أن ترخيص المراكز التعليمية تقف وراءه أهداف اقتصادية مع مبررات تربوية، لكن الأهم أن تقوم الحكومة بتحصيل جزء من المليارات من الجنيهات التي يدفعها الأهالي لإنفاقها على التعليم الحكومي الذي يحتاج إلى مبالغ طائلة لتطويره وتحسين بيئته.

وتسود حالة غضب واسع بين الأوساط الشعبية من تراخي الحكومة في إيجاد بدائل لتحسين أوضاع المدارس.

وتتخوف الحكومة من العبث بمجانية التعليم التي تآكلت بنسبة كبيرة ولا ترغب في الاقتراب من المواد الخاصة بالتعليم في الدستور لتجعل أولياء الأمور يتحملون تكلفة تطوير المنظومة.

ولذلك تحركت في مسار شرعنة التعليم الموازي ثم تحصل على ضرائب منه توجهها لتحسين المدارس، وتضرب أكثر من عصفور بحجر واحد.

وبهذه الطريقة تتحصل الحكومة من الأولياء على مبالغ مالية بشكل غير مباشر، وتحكم السيطرة على تلك المراكز، وحتى لا تصبح مأوى للعاطلين الذين يعملون في المهنة بعيدا عن أعينها، ثم تفتح الباب أمام البعض من الخريجين للعمل من خلال أبواب شرعية.

وعلمت “العرب” أن وزارة التعليم ستفتح الباب أمام خريجي الكليات للعمل في هذه المراكز للحد من البطالة، شريطة أن يخوضوا تدريبات مدفوعة الأجر.

2.4

في المئة معدل البطالة في النصف الأول من 2021 مقارنة مع 12.5 في المئة عام 2020

وسيتم ذلك نظير حصولهم على رخصة مزاولة مهنة التدريس في كيانات التعليم الموازي مع دفع الضرائب والالتزام بالمعايير التي تضعها الحكومة.

وأثار حديث حجازي حول الخطوة موجة غضب عارمة ضد الحكومة ومجلس النواب، حيث ظهرت أجهزة الدولة كأنها أدمنت التنصل من مسؤولياتها وتحميل المواطنين الأعباء.

كما أن البرلمان لم يصدر أي موقف يعارض توجهات وزير التعليم بمنح المشروعية للمراكز الخصوصية، وبدا كمن يبارك الخطوة دون إدراك لتبعاتها السلبية.

ورأى عبدالحفيظ طايل مدير مركز الحق في التعليم في تصريح لـ”العرب” أن اتجاه الحكومة لترخيص مراكز التعليم الموازي “في منتهى الخطورة، لأنه يحوّل التعليم من حق إلى سلعة، وينهي علاقة الدولة بالتعليم المجاني بالمخالفة لنص الدستور”.

ويذهب المنتقدون إلى حد اتهام الحكومة بأنها لم تعد تمانع منح المشروعية لأي خطوة لتحقيق مكاسب مالية من أي باب، سواء في مجال التعليم (المراكز الخصوصية)، أو الزراعة (تقنين مخالفات البناء)، أو الكهرباء (التصالح في العدادات المخالفة).

ويشير خبراء إلى أن تعامل الحكومة مع تحصيل الغرامات في المخالفات دون إظهار قوتها في القضاء على أي ظاهرة سلبية، وتحديد تسعيرة لكل مخالفة والتفنن في تقنين الوضع غير المشروع يكرس العشوائية، ويجعل يد الحكومة مغلولة في فرض قوة القانون.

ويرون أن تقنين مراكز الدروس الخصوصية يمهد لما يمكن اعتباره خصخصة للقطاع الذي يمثل بالنسبة إلى الأغلبية من السكان مسألة مصيرية، وبالتالي يصعب تكريس تخلي الحكومة عن دورها الأصيل في العملية التعليمية بعدما كانت تدفع في الاتجاه المعاكس تماما.

ولطالما كانت الحكومة تشن حملات لغلق وتشميع هذه المراكز لخطورتها على مشروع تطوير التعليم.

ويؤكد طايل أن تحصيل الضرائب من مراكز الدروس الخصوصية يزيد من الأعباء على الفقراء، ويوسع قاعدة التسرب من التعليم جراء الفقر.

وأوضح أن ما يحدث في المنظومة التعليمية سيفضي إلى مزيد من الجهل والتمييز، ويشرعن أي مخالفة مقابل أن تجني الحكومة مبالغ مالية لترميم الوضع الاقتصادي.

الحكومة تتخوف من العبث بمجانية التعليم التي تآكلت بنسبة كبيرة ولا ترغب في الاقتراب من المواد الخاصة بالتعليم في الدستور

ويصعب فصل هذا التوجه عن التصريحات التي سبق وأطلقها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي حول إمكانية ترك المعلمين يعملون في الدروس الخصوصية لزيادة رواتبهم، طالما أنهم يشتكون من قلة العائد المادي من الوظيفة.

وهذا ما يحدث بالفعل، حيث أن أغلب المعلمين لا يملون الشكوى من قلة الدخل الشهري والمطالبة بفتح نوافذ جديدة أمامهم لتحسين مستواهم المعيشي.

ويبرر الأولياء رفضهم للفكرة بأن الحكومة عندما تجني ضرائب من الدروس الخصوصية تضاعف عليهم أعباء الإنفاق على التعليم، وهو البند الأكثر إهدارا لموارد الأسرة.

ويقولون إن المركز سيزيد من المبالغ التي يجمعها من الطالب لسداد مستحقات الدولة من الضرائب، وصعوبة تدخل أي جهة لفرض تسعيرة إجبارية.

وهناك من يدافعون عن ترخيص التعليم الموازي، بأن الأطباء لديهم عيادات خاصة، فلماذا لا يكون لدى المعلم مركز تعليمي أيضا يذهب إليه الطالب الباحث عن زيادة التحصيل الدراسي بمقابل مادي.

وترى هذه الفئة أنه سواء قننت الحكومة أوضاع المراكز أم لا فلن تستطيع تنفيذ ذلك لرغبة الأهالي في استمرارها، ما يجعل من تقنينها حلا مثاليا.

11