حملة أمنية إيرانية واسعة ضد الأكراد

شهدت الساعات الـ24 الأخيرة حملة قمع عنيفة شنتها قوات الأمن الإيرانية في المناطق التي يقطنها الأكراد في إيران، وفقا لما أفادت به مجموعات حقوقية إيرانية. وقد استخدمت أجهزة الأمن الرصاص الحيّ وأسلحة مختلفة ضد المحتجين في المناطق التي يقطنها الأكراد، بعد احتجاجات واسعة ترافقت مع الحراك الشعبي عقب وفاة الشابة الكردية مهسا أميني في سبتمبر الماضي، بينما كانت محتجزة لدى شرطة الأخلاق في طهران.
طهران ـ سجلت تظاهرات حاشدة ضد النظام الإيراني في عدة بلدات خلال الأيام الأخيرة، أشعلتها، بشكل خاص، جنازات أشخاص قيل إنهم قتلوا على أيدي عناصر الأمن خلال تظاهرات سابقة. وذكرت مجموعة “هنكاو” ومقرها في النرويج أن القوات الإيرانية قصفت خلال الليل مدن بيرانشهر ومريوان وجوانرود، إذ نشرت تسجيلات مصوّرة سُمع فيها صوت الأسلحة الثقيلة والرصاص الحي.
وتقول المعلومات التي نشرتها المجموعة الحقوقية إن قوات الأمن قتلت 13 شخصا خلال الساعات الماضية، سبعة منهم في جوانرود وأربعة في بيرانشهر واثنان في أماكن أخرى.
كما ذكرت “هنكاو” أن فتى يبلغ 16 عاما يدعى كاروان قادر شكري كان من بين ستة أشخاص قتلوا بنيران قوات الأمن الأحد. وأضافت أن شخصا آخر قتل عندما أطلقت قوات الأمن النار على الحشود التي كانت تحمل جثمان الفتى إلى مسجد.
وفي ظل ما سمّته وكالة الصحافة الفرنسية “مواجهات حادة” بين المتظاهرين وقوات الأمن في جوانرود، بات هناك نقص في مخزون الدم الذي يحتاج إليه المصابون في مستشفياتها.
تصعيد متبادل
موجة العنف الأخيرة تتزامن مع استمرار القلق حيال الوضع في مهاباد، حيث تفيد مجموعات حقوقية بأن قوات الأمن أرسلت تعزيزات في اليوم السابق في إطار حملة أمنية.
وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن على تويتر “أشعر بقلق بالغ حيال التقارير لجهة أن السلطات الإيرانية تصعّد العنف ضد المحتجين، خصوصا في مدينة مهاباد”، مضيفا “نواصل السعي لمحاسبة المتورطين وندعم الشعب الإيراني”.
ونشرت منظمة “حقوق الإنسان في إيران” تسجيلات مصوّرة قالت إنها تظهر قوات الأمن وهي تطلق الرصاص الحي باتجاه المتظاهرين في بيرانشهر. كما أظهرت التسجيلات والدة كاروان قادر شكري وهي ترمي نفسها باتّجاه جثة ابنها، بينما كانت تُنقل ليتم دفنها. وهتف المشيّعون باللغة الكردية “أمي لا تبكي سنثأر”، بحسب المنظمة.
ونشر مدير المنظمة محمود أميري مقدّم مقطعا مصورا لمتظاهرين اثنين مصابين ملقيين أرضا في شارع في جوانرود على وقع إطلاق النار. وكتب مقدّم على تويتر “يكثّفون أعمال العنف ضد المواطنين العزّل”.
كما خرج أشخاص إلى شوارع كرمانشاه، عاصمة المحافظة التي يقطنها الأكراد، حيث هتفوا “الموت لخامئني (المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامئني)”، بحسب تسجيل آخر نشرته “منظمة حقوق الإنسان” في إيران.
وباتت الاحتجاجات التي أثارتها وفاة مهسا أميني من بين التحديات الأكبر لنظام الجمهورية الإسلامية منذ ثورة العام 1979. ولفت محللون إلى أن لجوء قوات الأمن إلى العنف أشعل المزيد من التظاهرات، إذ باتت حشود ضخمة تشارك في الجنازات والأربعينات.
يشار إلى أن الأكراد يشكّلون إحدى أهم الأقليات العرقية غير الفارسية في إيران، علما بأنهم سنة بالمجمل ضمن بلد يهيمن عليه الشيعة. والوجود الكردي في إيران قديم، وبعد دخول الإسلام، عمل الصفويون على الهيمنة على القبائل البدوية الكردية، وخاض الطرفان صراعات دامية، تعرّض الأكراد خلالها للهزيمة مرات عدة، ليجري تهجيرهم نحو جبال البرز وخراسان حيث يعيشون اليوم. وقد ظهرت عدة إمارات كردية في إيران، مثل الإمارة الحسنوية البرزكانية، والعنازية، وولاية أردلان التي استمرت حتى العام 1867.
وبعد الحرب العالمية الأولى اندلعت انتفاضة كردية في إيران، ضد الحكم القاجاري، قادها الزعيم الكردي سمكو آغا، وهي الانتفاضة التي يعدّها المؤرخون أول محاولة لإقامة كردستان المستقلة داخل إيران في العصر الحديث. لتقرّ معاهدة لوزان الدولية في العام 1923 توزيع الأكراد على أربع دول هي إيران وتركيا والعراق وسوريا.
لكن في العام 1941 وبعد دخول قوات الحلفاء إيران مع القوات الروسية للقضاء على حكم رضا شاه بهلوي الموالي للنازيين، أعلن الأذريون إقامة حكومة مستقلة، بدعم من روسيا، ما دفع الأكراد بدورهم إلى إعلان جمهورية مهاباد في الثاني والعشرين من يناير العام 1946، برئاسة قاضي محمد.
صراع متواصل
تم القضاء على جمهورية مهاباد بموافقة الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، وهرب الملا مصطفى بارزاني، والد الزعيم الكردي العراقي مسعود بارزاني، الذي كان قد تم تعيينه وزيرا للدفاع في الجمهورية الكردية، وتم إعدام رئيسها في العام 1947 في ساحة جوارجرا بمدينة مهاباد.
لم تكن علاقة الأكراد في إيران مع نظام الولي الفقيه هادئة طيلة الوقت، مع أنهم شاركوا في الثورة التي أوصلته إلى الحكم في بداياتها ضد نظام الشاه، إلا أنهم تمرّدوا عليها في العام 1979، مطالبين بالحكم الذاتي، وتحوّل التمرّد إلى حركة مسلحة، قبل أن يعلن الخميني “الجهاد ضد الأكراد”، وشنّت طائراته حملات قصف عنيفة ضد مناطقهم، واستمرت هذه الأوضاع حتى منتصف ثمانينات القرن العشرين حين مشّط الحرس الثوري تلك المناطق وأخمد التمرّد، مخلّفا الآلاف من الضحايا.
ومنذ تأسيس حزب “الحياة الحرة” في العام 2004، وهو حزب تابع لحزب العمال الكردستاني، يخوض الأكراد نزاعا مع السلطات الإيرانية، سقط على إثره المئات من المسلحين الأكراد والقوات الإيرانية والمدنيين، حتى تم تطويق هذا الحزب في العام 2011.
الأكراد يشكّلون إحدى أهم الأقليات العرقية غير الفارسية في إيران، وهم سنة بالمجمل ضمن بلد يهيمن عليه الشيعة
عاد الأكراد إلى التمرّد مجددا بعد أربع سنوات، وخرجوا في مظاهرات حاشدة احتجاجا على اعتداء أحد عناصر المخابرات الإيرانية على فتاة كردية، ما دفع الأخيرة إلى الانتحار بعد أن رمت بنفسها من شرفة فندق. وكان إطلاق الرصاص هو الوسيلة الوحيدة التي تعاملت بها قوات الأمن مع المتظاهرين الأكراد.
أما المناطق الحدودية بين العراق وإيران، فقد عرفت احتجاجات مماثلة في السنوات التالية، سواء في مدينة “بانة” أو “سنندج”، ليدشّن الاستفتاء على الاستقلال الذي أعلنه بارزاني في العراق مرحلة جديدة من صراع الأكراد – الإيرانيين مع النظام في طهران، فقد خرجوا منددين بالموقف الإيراني الرافض لاستفتاء الاستقلال، ورددوا النشيد الوطني لجمهورية مهاباد، ورفعوا الأعلام الكردية.
وفي ظل الحملة الأمنية الأخيرة، نفّذت إيران ضربات صاروخية وبالمسيّرات ليل الأحد – الاثنين في العراق المجاور ضد مجموعات كردية معارضة تتهمها بإثارة الاحتجاجات.
وتأتي الضربات الإيرانية الأخيرة بعد يوم على تنفيذ تركيا غارات جوية ضد مجموعات كردية في كردستان العراق وشمال سوريا.
اقرأ أيضا: