"حمص تاون" مطعم سوري يملأ بطون اللاجئين في روما

مشروع تطوعي لمساعدة المشردين بمن فيهم الإيطاليون.
الخميس 2024/08/01
الأكل للجميع

يحتاج اللاجئون السوريون المشتتون في مختلف أنحاء العالم إلى لفتات إنسانية تفك عنهم كرب الجوع، كما فعلت السوريتان شذى صقر وجومانا فرحو اللتان أسستا مشروعا تطوعيا يقدم الطعام إلى من يستحقه في روما، وطالت المساعدات العديد من الجنسيات بمن فيها الإيطاليون.

روما - دشنت سوريتان مشروعاً لتقديم الدعم للمهاجرين والضعفاء في روما عن طريق بيع الأطعمة السورية التي اشتهر بها وطنهما الذي مزقته الحرب الأهلية.

وتأسس مشروع ”حمص تاون” عام 2018 في الأصل كـ«كخدمة لتوفير الطعام لأهداف إنسانية» تتضمن جمع أموال من أجل عائلات وأصدقاء السيدتين في سوريا.

لكن المشروع نما منذ ذلك الحين، وأصبح شركة صغيرة ناجحة تحولت من مجرد إرسال تحويلات مالية إلى مساعدة المهاجرين الجدد على الاندماج في إيطاليا، ويشمل اليوم كشكا (دكانا صغيرا)، في ساحة الجمهورية بالقرب من محطة القطار الرئيسية، بالإضافة إلى مطعم صغير في “فيالي أفنتينو” بالقرب من مقر الـ”فاو”.

وأرادت شذى صقر – الموظفة بالأمم المتحدة والتي تعيش في روما منذ فترة طويلة – وجومانا فرحو – التي كانت تعمل طاهية لديها – إيجاد طريقة لمساعدة السوريين الذين يعيشون في الوطن.

وتقوم جومانا (48 عاماً) بطهي الطعام، بينما تعمل شذى (49 عاماً) على التواصل مع العملاء.

تنظم شركة "حمص تاون" دروسا في الطهي وفعاليات ثقافية، بالإضافة إلى خدمة تقديم الطعام للفعاليات في روما
تنظم شركة "حمص تاون" دروسا في الطهي وفعاليات ثقافية، بالإضافة إلى خدمة تقديم الطعام للفعاليات في روما 

وتروي جومانا بداية الفكرة قائلة، ”قلت لشذى، دعينا نبدأ في دعوة الناس لتناول العشاء، وأيا كان ما نعده من الطعام، فسوف نرسل العائد المادي إلى سوريا. لقد أصبح منزلي أشبه بالمطعم، مطعم منزلي. لكن الأمر ممتع، ونشعر بأننا نفعل شيئاً مفيداً”.

والمؤسسة غير الربحية، بدأت برأسمال 45 ألف يورو (48670 دولاراً) جمعت من خلال تمويل جماعي، توظف الآن 13 موظفاً بدوام كامل، و10 بدوام جزئي، داخل مطبخ صغير بالقرب من محطة قطار روما، وهناك خطط لفتح مطعم كبير.

وقال مدير مشروع “حمص تاون” فادي سالم، “لقد بدأ كل شيء في عام 2017 في منزل السيدة شذى صقر، التي ولدت في دمشق لأبوين سوريين، لكنها عاشت في روما تقريبا طيلة حياتها، وتعمل في منظمة الفاو”، وأضاف “وظَّفت لاجئة سورية هربت من الحرب تدعى جُمانة، لمساعدتها في المنزل، وفكرت معها بشأن فكرة إعداد وجبات العشاء انطلاقا من منزل شذى، من أجل جمع الأموال للمساعدة في تخفيف معاناة الأشخاص الذين لا يزالون في سوريا”.

وقاد انتشار الآراء والتعليقات الحماسية إلى نجاح المبادرة، لدرجة أن مطبخ شذى لم يعد قادرا على تلبية كمية الطلبات. وسمحت حملة تبرعات في عام 2019، والتي جمعت 40 ألف يورو، للمنظمين بفتح خدمة توصيل في “فوريو كاميلو”.

وأضاف سالم، “نقدم أيضا خدمة تقديم الطعام لأعياد الميلاد وحفلات الزفاف، والحملات بشكل عام”، مشيرا إلى أن لاجئين وصلوا إلى إيطاليا بفضل الممرات الإنسانية يشاركون في إعداد الأطباق.

وكان فادي سالم قد وصل إلى إيطاليا بفضل الممرات الإنسانية، بعدما ترك سوريا في 2013، وعاش في لبنان لمدة سبع سنوات، إلى أن وصل هذا الشاب إلى روما في مارس 2020، في ذروة جائحة كورونا.

ومع وصول المزيد من اللاجئين إلى روما، حولت شذى وجومانا تركيزهما إلى توفير فرص عمل، وإنشاء شبكة دعم لطالبي اللجوء السوريين، وتعمل السيدتان في النهاية على توسيع نطاق عملهما ليشمل مساعدة جميع الأشخاص المعرضين للخطر، بمن فيهم الإيطاليون.

وكان من بين هؤلاء ميادة العمراني، فلسطينية فرت من قطاع غزة مع ابنتها الكبرى التي تتلقى العلاج من مرض السرطان.

وتقضي ميادة أيامها في حشو ورق العنب ولفه، وتعمل إلى جانب أربعة طهاة آخرين من أصل سوري وفلسطيني.

وبينما تتمكن من كسب المال للمساعدة في إعالة نفسها وابنتها في إيطاليا، إلا أنها تشعر بالقلق بشأن أطفالها الخمسة الآخرين الذين يعيشون في غزة، ولم يتجاوز عمر أصغرهم تسعة أشهر.

وبعد إغلاق العديد من المطاعم بسبب جائحة فيروس كورونا، ساعد هذا الوضع بازدهار ورشات توصيل الطعام، مع اضطرار الكثير من الناس للبقاء في منازلهم، بسبب الفيروس.

ولا يتم إعداد الأطباق في “حمص تاون” على أيدي المواطنين السوريين فحسب، بل أيضا أشخاص قدموا من الأراضي الفلسطينية ولبنان والعراق. ومعظمهم شباب من خلفيات ثقافية مختلفة، والذين وجدوا عملا في البلد المضيف بفضل هذه المبادرة، رغم الصعوبات التي يواجهونها بسبب وضعهم كلاجئين.

مرحبا بالضيوف
مرحبا بالضيوف

وقال سالم، إنه “خلال الوباء، عملت معنا أيضا طاهية إيطالية، وأعدت المعكرونة الطازجة قبل عودتها للعمل في المطاعم التي فتحت أبوابها مجددا العام الماضي، بالإضافة إلى رجل إيطالي آخر، اضطر إلى غلق (عمله) جراء الوباء”، وتابع “تمكنا من مساعدة الأشخاص الذين يمرون بأوقات عصيبة”.

وتنظم شركة “حمص تاون” الآن أيضا دروسا في الطهي، وفعاليات ثقافية، وتوزع مشروبات صيفية، بالإضافة لخدمة تقديم الطعام للفعاليات بالعاصمة الإيطالية.

وتتبرع الشركة شهريا بطعام للمشردين، وجمعت 40 ألف يورو العام الماضي لصالح ضحايا الزلازل التي ضربت سوريا في 6 فبراير 2023.

وقال سالم الذي اكتشف خدمة تقديم الطعام الإنسانية من خلال الجالية السورية في روما وقال إنها أصبحت تدريجيا عائلة بالنسبة إليه. وصرّح “وجدت الاندماج في حمص تاون بدلا من مراكز الهجرة، حيث أتحدث من موقعي هنا مع العديد من العملاء الإيطاليين والأجانب. وأصقل بذلك مهاراتي في اللغة الإيطالية والإنجليزية
والعربية يوميا”.

وأكد سالم أن 90 في المئة من الشعب السوري متعلم، لكن لا توجد وظائف متاحة في إيطاليا، مضيفا “أحاول أيضا العثور على وظيفة مرتبطة بخلفيتي، لكن دون جدوى”.

وفي حديثه عن موقف الناس تجاهه، قال سالم إنه “لا يستطيع التعميم، فالأمر يعتمد على الأشخاص بحد ذاتهم”، وأوضح أن “بعض الأشخاص منفتحون للغاية، والبعض الآخر أقل من ذلك، والبحث عن منزل على سبيل المثال جعلني أرى اختلافات عديدة، ووجدت هؤلاء الأشخاص الذين لا يريدون تأجير شقتهم حتى رغم أني لدي عقد
عمل مفتوح”. وتابع سالم “لقد بحثت عن منزل لمدة عام، حتى التقيت سيدة لم تطلب مني حتى إيصالات الرواتب، ووثقت بي على الفور، ولم تعط أهمية لكوني أجنبيا”.

وتحدث سالم عن الأجواء بين العاملين في “حمص تاون”، قائلا، “نحن عائلة الآن، عائلة تأتي من بعيد وتحرز تقدما في إيطاليا، من خلال مشاركة نكهات الوطن، الذي أجبروا على تركه”.

16