حمدوك يسابق الزمن لإنقاذ الانتقال السياسي في السودان

اتفاق البرهان وحمدوك يصطدم بتعنّت المعارضة وسوء الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في البلاد.
السبت 2021/12/11
عودة مرتبكة إلى الحكم

أثار انقلاب المعارضة السودانية على رئيس الوزراء عبدالله حمدوك شكوكا حول مدى قدرته على إنقاذ الانتقال السياسي في السودان وهو الذي لم يعد محل ثقة الشارع بعدما اصطف إلى جانب المكون العسكري، وهو مطالب الآن بضرورة تشكيل مجلس وزاري يحظى بتأييد الشارع ويكون قادرا على معالجة الأزمة الراهنة، والتي تتزامن مع أوضاع اقتصادية حرجة بعد توقف الدعم الدولي وتزايد الرفض الشعبي للقيادة السياسية.

الخرطوم – أفقد الاتفاق الموقع بين قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان ورئيس الوزراء عبدالله حمدوك ثقة القوى المدنية، التي صعدت احتجاجاتها ضدّ اصطفاف المكون المدني إلى جانب المؤسسة العسكرية.

وأصبح على حمدوك الذي أعيد إلى منصبه بعد نحو شهر من انقلاب عسكري أن يحلّ هذه المعضلة السياسية، ويحقق طموحه بتشكيل حكومة تضمن للمدنيين القيام بدور في مرحلة الانتقال العاصفة من حكم الفرد إلى الديمقراطية.

ولإنقاذ الانتقال السياسي، وكذلك سمعته، يحتاج حمدوك الخبير الاقتصادي صاحب النبرة الهادئة إلى تأكيد استقلاله عن قيادة الجيش، التي فرضت عليه في الخامس والعشرين من أكتوبر الإقامة الجبرية واعتقلت بعضا من أعضاء حكومته السابقة لعدة أسابيع قبل التوصل إلى اتفاق معه الشهر الماضي يقضي بعودته.

تهديد للاستقرار

خالد عمر يوسف: اتفاق البرهان وحمدوك سوف ينهار سريعا

يقول دبلوماسيون سودانيون إنه من المحتمل أن يؤدي فشل حمدوك في اكتساب ثقة القوى المدنية مجددا إلى المزيد من الاضطرابات في السودان، الذي ينذر تعليق الدعم الاقتصادي الدولي له باختلال مالي في وقت يحتاج فيه ما يقرب من ثلث سكان البلاد إلى مساعدات إنسانية.

وكانت الولايات المتحدة علّقت مساعدات اقتصادية بقيمة 700 مليون دولار منذ الانقلاب، كما أوقف البنك الدولي مدفوعاته بعد أن وعد بتقديم ملياري دولار في شكل منح.

ويعدّ التمويل الأجنبي طوق نجاة السودان من عقود من العزلة، وسبيله الأفضل لدعم التحول الديمقراطي الذي بدأ مع الإطاحة بحكومة عمر حسن البشير في 2019، لكن هذا المسار انقلب رأسا على عقب بعد انقلاب البرهان.

وكان الاتفاق الذي أبرمه حمدوك مع قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان قد أثار انتقادات واسعة. فقد أغضب حركة احتجاجية كبيرة تطالب بالديمقراطية منذ الإطاحة في 2019 بالرئيس عمر البشير، كما أنه أبعد فصائل سياسية كانت تشارك الجيش في السلطة.

ويهدد تجدد الخلافات والاتهامات المتبادلة بزعزعة استقرار الأقاليم بما فيها دارفور ومنطقة الحدود الشرقية مع إثيوبيا.

وقال خالد عمر يوسف وزير مجلس الوزراء إن “اتفاق البرهان-حمدوك هو شرعنة للمقاتل ولن يصمد وسوف ينهار سريعا. وندعو حمدوك الذي ارتكب خطأ كبيرا بأن يعود إلى جانب الثورة والشعب”.

وفي الوقت الذي يحاول فيه وسطاء رسم مسار يعود بالسودان إلى مسيرة الانتقال الديمقراطي بتصور جديد، نددت حركة الاحتجاج بالقوات المسلحة في الشوارع تحت شعار “لا تفاوض لا مساومة لا شراكة”.

ورغم الإفراج عن كبار المعتقلين السياسيين، يقول ناشطون إن آخرين محتجزين خارج العاصمة الخرطوم لا يزالون خلف القضبان.

وفي تجمع شعبي الاثنين في الخرطوم بحري شمالي النيل الأزرق، قال عدد من المحتجين إنهم لا يعترضون على حمدوك شخصيا، لكنهم سيواصلون مسيرتهم حتى يبتعد الجيش عن السلطة مهما حدث للاقتصاد السوداني.

وقال عسجد عمر “بصراحة حمدوك وحتى فترة معينة كنا كشارع نعتبره جزءا منا وبمجرد أن أصبح في جانب العساكر الموضوع بالنسبة لنا أصبح أي اتفاق معه غير مجد”.

وعند الغروب عبرت قافلة من شرطة مكافحة الشغب مسلحة بالهراوات النهر إلى الخرطوم بحري باتجاه الاحتجاجات.

وضع معقد

مسيرة متواصلة لإبعاد الجيش عن السلطة

أصدر حمدوك قرارات بتجميد أو إلغاء تعيينات نصّبت مسؤولين قدامى من عهد عمر البشير خلال الفترة الفاصلة بين الانقلاب وعودته لمنصبه، لكن الغموض يلف مدى النفوذ الذي يمكن للإصلاحيين استعادته في الجهاز الإداري للدولة.

فقد أبدى بعض كبار المسؤولين الذين عينوا في مناصب خلال الانتقال السياسي رفضهم للعودة في حين لم يبت آخرون في الأمر، وهو ما يزيد الغموض الذي يكتنف وزارات أصبحت خالية إلى حد كبير.

ويقضي الاتفاق بأن يعين حمدوك وزراء من الكفاءات في حكومة جديدة.

غير أن التحالف المدني الذي وُلد من رحم الانتفاضة على حكم البشير مستبعد من المشاركة في الحكومة، في حين من المتوقع على نطاق واسع أن تحتفظ فصائل متمردة سابقة متحالفة مع الجيش بالمناصب التي اكتسبتها من خلال اتفاق سلام تم توقيعه في العام الماضي.

وقد أبدى جبريل إبراهيم، الذي أصبح وزيرا للمالية بعد أن وقعت حركة العدل والمساواة التي يرأسها ذلك الاتفاق، تأييده للجيش قبل الانقلاب واستمر في أداء دوره في الوزارة بعده.

وعيّن الجيش مجلسا سياديا جديدا لحكم البلاد، وسقط اتفاق مبرم عام 2019 لتسليم السلطة من الجيش إلى قيادة مدنية تقود الفترة الانتقالية قبل إجراء انتخابات في 2023.

فشل حمدوك في اكتساب ثقة القوى المدنية مجددا قد يؤدي إلى المزيد من الاضطرابات في السودان المنهك اقتصاديا

وقالت خلود خير من إنسايت استراتيجي بارتنرز وهي مؤسسة بحثية مقرها الخرطوم إن حمدوك “وضع نفسه في وضع معقد للغاية ومقيد للغاية”.

وأضافت “ما يحتاج إليه حمدوك على وجه السرعة هو مجلس وزراء فعّال يمكن للناس الوقوف خلفه”.

وقالت مصادر مقربة من حمدوك إنه سيستقيل إذا لم يحصل اتفاقه مع الجيش على تأييد سياسي.

في المقابل، أشار البرهان إلى أن لا رجوع عن الإصلاحات الاقتصادية، وقال في تصريحات لرويترز إن تحقيقا بدأ في ما حدث من خسائر في الأرواح خلال الاحتجاجات. غير أن الانقلاب جمد خططا كبرى للتنمية.

ولا تعمل معظم المراكز الأساسية للرعاية الصحية، بل إن مياه الصرف الصحي تتدفق من أنابيب مكسورة في طرقات الأحياء الراقية في الخرطوم.

وقال دبلوماسيون إن الوقت محدود أمام حمدوك، الذي اشتهر بالسعي إلى التوافق من خلال مشاورات مطولة، للفوز بتأييد الشارع وإثبات أنه لا ينفذ ببساطه ما تطلبه منه مؤسسة عسكرية لها تاريخ في القيام بالانقلابات، ولم تعد محل ثقة السودانيين.

وقال أحد الدبلوماسيين متسائلا “حتى إذا حدثت العودة إلى الطريق السليم، كيف لأحد أن يثق أن ذلك لن يحدث من جديد؟”.

6