حماية طلبة الدراسات العليا.. امتحان جديد أمام الجامعات

أثارت حادثة مقتل طالب الدكتوراه الإيطالي في مصر تساؤلات عميقة حول وضعية الباحثين وطلبة الدكتوراه الذين تدفعهم متطلبات بحوثهم وعملهم الأكاديمي إلى السفر والانتقال إلى مناطق غير آمنة في العالم من حيث الحماية المتوفرة لهم والجهات المسؤولة عن حمايتهم من المخاطر، وأيضا حول المسافة الفاصلة بين ما يعتبرونه حرية أكاديمية في اختيار البحث ومكانه وبين ما تفرضه الظروف من منعهم أو توفير ضمانات تكفل عدم تعرضهم لمصير مأساوي.
الثلاثاء 2016/05/10
تقديم بحوث الدكتوراه يفترض التضحية

لندن- صاحب مقتل طالب الدكتوراه جوليو رينجي من جامعة كامبريدج الإيطالية في مصر ضجة إعلامية عالمية وردود فعل غاضبة من الرأي العام الدولي، فيما اعتبر الأكاديميون في مختلف أنحاء العالم هذه الحادثة بمثابة “هجوم على الحرية الأكاديمية”.

وفي الوقت الذي يوجد فيه دفاع ثابت عن حق طلاب الدكتوراه في السفر إلى جميع دول العالم حتى الأماكن غير المستقرة من أجل القيام بأبحاثهم، أثارت وفاة رينجي بعض الأسئلة الدقيقة حول التعليم العالي وضمان سلامة طلبة الدكتوراه.

وذكر المتحدث باسم مجالس البحث في المملكة المتحدة، أن المنظمات الأعضاء في هذه الهيئة توفر تمويلات كبرى لطلبة الدكتوراه، وبعبارة أخرى “المسؤولية عن ضمان بيئة عمل آمنة للطلاب تقع على عاتق المؤسسات البحثية”، أي الجامعات، ومع ذلك، “يتم تقديم التوجيهات العامة للجامعات على أساس توقعات تدريب طلاب الدراسات العليا بما في ذلك توقعات توفير بيئة عمل آمنة”.

وكشف قسم الصحة والسلامة لحالات منح بحوث التدريب التابعة لمجالس البحث للمملكة المتحدة في حديث له مع موقع تايمز هاي إديوكيشن أن الهيئات التعليمية هي “المسؤولة عن توفير بيئة عمل آمنة للطلاب المرتبطين بأحد المشاريع البحثية”. وأضاف أن “الرعاية المناسبة يجب أن توجد حيث يعمل الباحثون بعيدا عن الجامعة. وتحتفظ مجالس البحث بالحق في مطالبة منظمات الأبحاث بإجراء تقييم لمخاطر السلامة في حالات فردية حيث تصبح الصحة والسلامة القضيتين الأساسيتين، إلى جانب رصد ومراجعة الترتيبات الفعلية لهما”.

وقالت روزماري ديم، رئيسة مجلس التعليم العالي في المملكة المتحدة إنه “من المهم أن تتم معالجة القرارات بشأن المخاطر حتى قبل أن يقدم طالب الدكتوراه لأحد الأقسام. وأفادت أن “ذلك يبدأ حتى قبل أن يتم توظيف الطالب، في مرحلة إعداد البحوث… وهو أمر مهم جدا. أعتقد أن من مسؤولية الأستاذ المشرف أن يتأكد من أن الطالب مر بالضوابط الداخلية التي يحتاج إليها، لذلك إذا كان يفكر في الذهاب إلى إحدى مناطق النزاع، أو إحدى مناطق انفجار البراكين.. وإذا كان المشرفون لا يعتقدون أن في رحلته مخاطر فإنهم بحاجة إلى قول ذلك في هذه الحالة وعكسها”.

الهيئات التعليمية في المملكة المتحدة هي المسؤولة عن توفير بيئة عمل آمنة للطلاب المرتبطين بأحد المشاريع البحثية

وأشارت ديم إلى أنه بمجرد تجاوز تلك المرحلة، توكل للمؤسسة التعليمية مهمة السماح للطلاب بالتنقل إلى إحدى المناطق التي تمر بظروف دقيقة (توترات، نزاعات، ظروف طبيعية قاسية). وصرح الدكتور غلين رانغوالا، وهو محاضر في قسم السياسة والدراسات الدولية في جامعة كامبريدج، التي كان رينجي أحد الطلبة الذين يزاولون تعليمهم بها، لموقع تايمز هاي إديوكيشن بأن عملية ترتيب عمله الميداني، والتي تتضمن إجراء بحوث على تغييرات قطاع العمل في مصر، لم تكن مختلفة في شيء عن البحوث التي يجريها طلبة الدكتوراه الآخرون. وقال إنه “ينبغي على الطلاب دائما إجراء تقييم لمخاطر عملهم كلما توجهوا إلى أي مكان خارج كامبريدج”.

وأضاف “إذا خرجوا لمقابلة شخص ما في ويستمنستر، لن يواجهوا خطرا حقيقيا، ولكن عندما يتعلق الأمر بالعمل في البلدان التي توجد فيها درجة من عدم اليقين السياسي، عندها يصبح من المهم أن يأخذ القسم الدراسي وجهة نظر الجامعة على محمل الجد”. وأوضح أن “عليهم الأخذ بعين الاعتبار المعلومات والنصائح التي توفرها بعض الهيئات مثل مكاتب سفر الخارجية، إلى جانب مراعاة المعلومات التي يوفرها خبراء آخرون في المنطقة”.

وأضاف أنه في حالة الطلاب الذين يذهبون إلى المناطق المضطربة، من المفروض أن يقوموا بإجراء “محادثات جدية مع مشرفيهم حول استراتيجية البحوث”. وتابع “قبل أن يحصلوا على إذن للتوجه إلى العمل الميداني، ينبغي عليهم أن يدونوا كل المعلومات على أنها بمثابة مبادئ توجيهية لبحوثهم الخاصة، لتتم بعد ذلك مراجعتها من طرف الإدارة (القسم)، وهناك لجنة تقوم بالمراجعة من أجل منح موافقتها أو المطالبة بإعادة المراجعة. وفي حالة رينجي تمت الموافقة”.

ومن جانبه صرح تريفور باتن، مدير الأبحاث في جامعة ليدز ترينيتي يونيفرسيتي أنه تم تشجيع الطلاب “على مناقشة المخاطر وإجراءات السلامة والاضطرابات السياسية.. والسلامة الشخصية، مع مشرفيهم”. وأفاد “نحن ندرك أنه من واجبنا أخذ مسألة الرعاية على محمل الجد، وأن من مسؤولية المشرفين على طلبة الدكتوراه أن يؤمنوا الطلاب المرخص لهم للقيام بالعمل، وأن تكون لديهم المهارات والمعارف اللازمة للقيام بعملهم في أمان”.

وتابع “لا يؤذن بالسفر إلى الخارج إذا لم يتم الانتهاء من تقييم المخاطر وتوقيع الأستاذ المشرف ورئيس القسم”. وأضاف باتن أنه نتيجة لحادثة رينجي، أصبحنا نبحث عن “تقديم المزيد من الدعم والتدريب للموظفين والطلاب الذين يحتاجون إلى السفر إلى المناطق المعرضة للخطر”.

ومن جهته أفاد ديريك وولينس، نائب مدير قسم البحوث ورئيس مجلس جامعة سانت اندروز، أن الاهتمام الأكبر ينصب دائما على مسألة السلامة، ولكن في نفس الوقت ينبغي القبول بأن طلاب الدكتوراه يحتاجون إلى الحرية الأكاديمية لاتخاذ الخيارات الصحيحة لأبحاثهم. وقال “ينبغي أن ندرك بأننا نعمل كل ما في استطاعتنا للتقليل من المخاطر”.

17