حماس تحافظ على سيطرتها المدنية في غزة رغم تراجع قوتها العسكرية

الإدارة المدنية مفتاح الحركة لضمان مكانتها بعد الحرب.
الاثنين 2024/10/28
عناصر حماس فاعلة على الأرض

نجح الجهاز المدني لحركة حماس نسبيا في التكيف مع الواقع الجديد الذي فرضته الحرب في غزة، ولا تزال عناصر الحركة الفلسطينية فاعلة على الأرض وتقدم الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية، وهذا ما يعقد مهمة إسرائيل في فرض بديل لإدارة القطاع. 

غزة - تدرك حركة حماس جيدا أن الحفاظ على سيطرتها المدنية أمر بالغ الأهمية للحفاظ على هيمنتها على قطاع غزة بعد الحرب، لاسيما مع تضرر قوتها العسكرية جراء الحملة الإسرائيلية المستمرة منذ أكثر من عام.

وسلط تقرير أعدته ديفورا مارغولين، وهي أقدم زميلة في برنامج بلومنشتاين – روزنبلوم في معهد واشنطن، ونيومي نيومان زميلة زائرة في المعهد، الضوء على التحديات التي تواجهها إسرائيل في تفكيك هيمنة حماس على الإدارة المدنية في القطاع.

منذ بدء الجيش الإسرائيلي حملته ضد حماس في العام الماضي، تضررت معظم القدرات العسكرية للحركة الفلسطينية. وعلى الرغم من انتهاء القتال الأكثر كثافة في غزة قبل أشهر، فإن الحرب لم تنته، ولم تستسلم حماس بعد.

وفي حين تواصل إسرائيل التركيز على الحفاظ على منطقة عازلة وتنفيذ الغارات من أجل منع حماس من إعادة التأهيل عسكريا، فإنها تواجه تعقيدات أخرى حيال الحكم الظلي للحركة.

منذ أشهر، تبذل حماس جهودا كبيرة لاستعادة السيطرة المدنية في جميع أنحاء غزة، مع التركيز على المناطق التي لم تعد القوات الإسرائيلية تعمل فيها. وقد نجحت في الحفاظ على الحكم الفعّال في مختلف أنحاء الأراضي، وخاصة في الوسط ولكن أيضا في أجزاء من الجنوب والشمال.

وتدرك الحركة أن هذا الحكم الظلي أمر بالغ الأهمية للحفاظ على مكانتها كقوة مهيمنة في الساحة الفلسطينية بعد الحرب. في الواقع، يبدو أن كوادر حماس تلعب لعبة الانتظار.

 من وجهة نظرهم، لا يتعين على حماس سوى الانتظار حتى يفرض المجتمع الدولي على إسرائيل وقف القتال ومغادرة غزة. ومثلها كمثل مجموعات “الحكم الظلي” الأخرى التي سبقتها، تنتظر حماس الوقت المناسب لإعادة الظهور بشكل كامل عندما تكون الظروف أكثر ملاءمة.

غزة بعد عام

لفهم كيف تمكنت حماس من الحفاظ على حكمها في مختلف المناطق بعد عام من الحرب، يجدر النظر إلى الوضع الإنساني الحالي في غزة وحالة بنيتها التحتية المدنية. تشير التقديرات الدولية إلى أن ما يقرب من 45 – 75 في المئة من البنية التحتية المدنية في غزة قد دمرت.

ووفقا لمنظمة الصحة العالمية، فإن سبعة عشر مستشفى فقط من أصل ستة وثلاثين مستشفى في غزة لا تزال تعمل، في حين تفيد الأمم المتحدة بأن 87 في المئة من المدارس قد تضررت. والاقتصاد في حالة يرثى لها، حيث بلغ معدل البطالة 80 في المئة وما تبقى هو سوق سوداء مزدهرة.

في خضم هذا الانهيار، استخدمت حماس أساليب مختلفة لإثبات وجودها على الأرض، وتوفير خدمات الطوارئ الأساسية للناس، والأهم من ذلك، منع أي لاعبين محتملين آخرين من الحلول محلها.

في عشية الحرب، كان جهاز حكومة حماس يتألف من آلاف المديرين والموظفين والمسؤولين المنتشرين في العديد من الوزارات: الخارجية، والداخلية، والعدل، والمالية، والاقتصاد، والطاقة، والنقل، والمعلومات، والتعليم، والسياحة، والزراعة، والشباب، والأشغال العامة، وسلطة الأراضي، والحكم المحلي. وكانت هذه البيروقراطية حاسمة في الحفاظ على قبضة الحركة على غزة.

اليوم، أصبحت حماس مجرد ظل لما كانت عليه ذات يوم، ومعظم وزاراتها أصبحت الآن منحلة. ومع ذلك، وعلى الرغم من انهيار الكثير من بيروقراطيتها، تواصل حماس استخدام موظفيها للحفاظ على السيطرة على المدنيين.

◙ حركة حماس تدرك أن هذا الحكم الظلي أمر بالغ الأهمية للحفاظ على مكانتها كقوة مهيمنة في الساحة الفلسطينية بعد الحرب

وفي المناطق التي تسيطر عليها حماس جزئيا، حاول العمال مواصلة جمع القمامة وتجديد البنية الأساسية الحيوية (مثل المياه والصرف الصحي والكهرباء والطرق). وفي مناطق أخرى، نفذت الحركة لجان طوارئ لتحل محل الحكومة المحلية، حتى إنها أرسلت فرق استجابة طارئة بعد الغارات الجوية. كما واصل المسؤولون الجهود التعليمية بين السكان النازحين.

لقد جسدت حملة التطعيم ضد شلل الأطفال في غزة في سبتمبر قدرة الحركة المستمرة على التنظيم، ناهيك عن قدرتها على الترويج الذاتي. وقد استغل مسؤولون في وزارة الصحة التابعة لحماس العملية التي تقودها دوليا، حيث أرسلوا رسائل نصية إلى الغزيين  يعلنون فيها عن الحملة وينسبون الفضل في تنظيمها.

وساعد مسؤولو حماس، بالتوازي مع أفراد من منظمة الصحة العالمية وصندوق الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، في تطعيم ما يقرب من 550 ألف شخص من سكان غزة في غضون اثني عشر يوما، مما أظهر كفاءة مثيرة للإعجاب.

وبالإضافة إلى الحكم الأكثر رسمية، تتهم حماس باستخدام عناصر إجرامية لضمان سيطرتها. وبموافقة الحركة، تقوم مافيات الجريمة في غزة بجمع الضرائب وفرض النظام. وفي المقابل، تسمح حماس لها بتحويل أجزاء محترمة من المساعدات الإنسانية، من بين مزايا أخرى.

وفي الوقت نفسه، سعت حماس إلى احتواء أي محاولة لإنشاء بدائل للحكم في غزة. على سبيل المثال، هدد ممثلو حماس شيوخ عشائر حاولت العمل بشكل مستقل، ويقال إنهم قتلوا رئيس عشيرة دغمش.

 كما تصدت الحركة لأعضاء فتح والسلطة الفلسطينية عندما سعوا إلى السيطرة على توزيع المساعدات. وكما قال المتحدث باسم فتح منذر الحايك في مقابلة أجريت معه مؤخرا، فإن حماس “تحاول القضاء على أي سيطرة على الأرض في غزة خارج سيطرتها”.

السيطرة على المساعدات

تعد المساعدات الإنسانية موردا مهما لحماس يضمن استمرار مكانتها باعتبارها القوة الأقوى في غزة. وتخضع مثل هذه المساعدات لرحلة معقدة إلى القطاع تشمل إسرائيل ومصر والمنظمات الدولية.

في الأيام الأولى للحرب، كان أفراد شرطة حماس المرتدون للزي الرسمي يحرسون القوافل بمجرد دخولها غزة، لكنهم تراجعوا بعد استهدافهم من قبل القوات الإسرائيلية.  واليوم، تواصل حماس استخدام العملاء لمهاجمة القوافل.

◙ مقتل كبار قادة حماس وخاصة السنوار الذي جعل استمرار وجوده في غزة قد يشكل من إزاحة الحركة مهمة إسرائيلية شبه مستحيلة

وفي بعض الأماكن، أدى هذا التكتيك إلى انتشار الفوضى والنهب حيث لا تسيطر حماس ولا إسرائيل؛ وفي مناطق أخرى، تحافظ حماس على السيطرة باستخدام ضباط يرتدون ملابس مدنية. وبشكل عام، فإن سيطرة حماس واسعة النطاق على المساعدات جعلت العديد من سكان غزة يشعرون أنه لا يمكن الاستغناء عن الحركة.

وقد عززت حماس هذا الانطباع من خلال تنفيذ أنشطة دعائية تنقل ثلاثة رسائل رئيسية: وهي أن إسرائيل العدو الوحيد المسؤول عن الفوضى المستمرة، ولا يزال الجمهور مطالبا بالامتثال لتوجيهات حماس، وحماس هنا لتبقى بعد الحرب.

وتعتبر الحركة مثل هذه الأنشطة أكثر أهمية في ضوء التراجع المسجل في شعبية الحركة، فعلى سبيل المثال، تم الكشف مؤخرا عن وثيقة أنشأها جهاز الأمن العام لحماس تُظهر التلاعب بالبيانات التي أصدرها كبير خبراء استطلاعات الرأي الفلسطينيين خليل الشقاقي، بهدف تضخيم تصنيفات التأييد العام للحركة.

ومن الجدير بالذكر أن استطلاعا للرأي أجرته مؤسسة زغبي للأبحاث في شهري يوليو وأغسطس خلص إلى أن 7 في المئة فقط من سكان غزة يريدون أن تحكم حماس القطاع بعد الحرب.

نظام جديد

قد يشكل مقتل كبار قادة حماس، وخاصة رئيس المكتب السياسي يحيى السنوار، الذي جعل استمرار وجوده في غزة من إزاحة الحركة مهمة إسرائيلية شبه مستحيلة، التغيير اللازم لإحداث نظام جديد داخل القطاع.

ويتعين في هذا الصدد الحفاظ على بيروقراطية غزة. فليس كل بيروقراطي حمساوي في القطاع مقاتل من الحركة. ولتسهيل إنشاء كيان حكم جديد وتجنب كارثة إنسانية، سوف يكون من الضروري دمج العديد من أولئك الذين عملوا سابقا في إدارة غزة في الكيان التالي حتى يمكن تقديم الخدمات الأساسية للناس بكفاءة. ومرة ​​أخرى، يجب أن يتم ذلك دون التخلي عن السيطرة المحلية لحماس.

6