حماة البيئة الشباب أكثر وعيا بمخاطر تغير المناخ من آبائهم

الشباب يتلمسون يوميا انعكاسات التغير المناخي السلبية على الأرض للضغط على الحكومات كي تتخذ تحركات جادة لحماية المناخ.
الأحد 2019/06/02
كلفة التغير المناخي تزداد ارتفاعا

يتحرك عشرات الآلاف كل جمعة من تلاميذ المدارس وطلاب الجامعات للتظاهر في أنحاء مختلفة من العالم، للضغط على الحكومات كي تتخذ تحركات جادة لحماية المناخ، فقد بات الشباب يدركون التَحَدي المطروح اليوم في العالم كله والمرتبط بأثر القضايا البيئية ومنها التغير المناخي على حياة الناس اليومية.

لندن - حجزت المهندسة الفلسطينية الشابة هبة الفرا مكانا لها ضمن سبعة فائزين حصلوا على لقب بطل الأرض لعام 2018، ممثلة لمنطقة غرب آسيا، لإبراز دور الشباب في الحفاظ على البيئة والتقليل من ظاهرة التغيير المناخي والمساهمة في تقليل التلوث البيئي.

هبة الفرا (30 عاما) شغوفة بهذا المجال، تخرجت من الجامعة الإسلامية بغزة، من كلية الهندسة البيئية، وتقول بأن دراستها لهذا التخصص “لم تكن عشوائية، أو بما يُناسب سوق العمل، بل كانت عن شغف”.

وتعتبر الفرا دورها في تحقيق أفكار الشباب الطموحة في المجال البيئي الذي تهدف المسابقة إلى إنجازه، أمرا أساسيا لكي تنقل للشباب والمجتمع بكافة عناصره ما تعرفه من حلول ومبادرات لكثير من المشاكل المعاصرة.

لكنها ليست الوحيدة بل تمثّل شريحة من الشباب العرب باتوا أكثر وعيا بالمخاطر البيئية، وإن لم تحظ نشاطاتهم بتغطية إعلامية كما هو الحال في أوروبا.

ومنذ أشهر، تقام مظاهرات شبابية من أجل المناخ حول العالم، يطالب فيها الشباب بتدابير أكثر صرامة لحماية البيئة، في مبادرة هي الأولى من نوعها استُلهمت من حركة المراهقة السويدية غريتا تونبرغ.

وكان صدى الإضراب الأسبوعي الذي أطلقته الناشطة اليافعة منذ أغسطس الماضي، كلّ جمعة أمام البرلمان في ستوكهولم حاملة لافتة كتب عليها “الإضراب عن الدراسة من أجل المناخ” اقتصر في البداية على بعض البلدان الأوروبية، أبرزها بلجيكا وألمانيا، حيث نزل الشباب إلى الشوارع بالآلاف.

وأصبحت تونبرغ لاحقا مصدر إلهام للطلاب في أنحاء العالم والذين خرجوا في مظاهرات تدعو إلى تحركات لمواجهة التغير المناخي تحت هاشتاغ ”الجمعة من أجل المستقبل”.

واتسعت المبادرة وأصبحت الدعوة مفتوحة إلى “الإضراب العالمي من أجل المستقبل”، وتشمل تلاميذ مدارس وطلاب جامعيون لترك قاعات الدراسة من سيدني إلى مونتريال ومن طوكيو إلى باريس، مرورا بهونغ كونغ وكمبالا.

هبة الفرا بطلة الأرض لعام 2018 تسعى إلى تحقيق أفكار الشباب الطموحة في المجال البيئي
هبة الفرا بطلة الأرض لعام 2018 تسعى إلى تحقيق أفكار الشباب الطموحة في المجال البيئي

وتفاعل الآلاف على مواقع التواصل الاجتماعي مع الدعوة المنشورة عبر فيسبوك “ننفذ إضرابا لنطالب حكوماتنا بالقيام بواجباتها وتقدّم لنا أدلة على اتخاذ التدابير اللازمة لكبح الاحتراز المناخي وحصره بدرجتين مئويتين، مقارنة بمعدلات ما قبل الثورة الصناعية بموجب اتفاق باريس”.

وأضافت “حتى اللحظة، يكتفي القادة بالقول إنهم سيبذلون ما في وسعهم، وهو أمر غير كاف، نريدكم أن تعيشوا منذ الآن حالة ذعر مناخية”.

ولا تزال التحركات مستمرة في أنحاء العالم، فقد تغيّب عشرات الآلاف من الطلاب في أستراليا ونيوزيلندا عن مدارسهم الجمعة الماضية، للمشاركة في موجة ثانية من الاحتجاجات المدرسية التي تطالب بمزيد من العمل لحماية المناخ.

وخرج الآلاف من طلاب المدارس في مدينة ملبورن الأسترالية للضغط على الحكومة كي تتخذ تحركات جادة لحماية المناخ، تشمل إعلان حالة طوارئ مناخية. ويقود احتجاجات ملبورن فرع محلّي من جماعة “اكستينكشن ريبلين” البريطانية النشطة في مجال الدعوة إلى حماية البيئة.

وأدّت الاحتجاجات إلى تعطيل المرور، حيث سار المحتجون عبر شوارع المدينة ثم رقدوا جميعا على الأرض وكأنهم موتى، ليرمزوا إلى ما يتوقع أن يكون سادس انقراض لكوكب الأرض جرّاء تداعيات التغيّر المناخي.

وفي العاصمة الأسترالية كانبرا، شارك العشرات من الطلاب في احتجاجات بشارع “نورثبورن أفينيو” لعدة ساعات.

وقالت الطالبة زهرة راديه التي تبلغ من العمر 17 عاما إنها تغيبت عن المدرسة اليوم للمشاركة في احتجاجات كانبرا لأن “التغير المناخي له نفس أهمية التعليم”.

وأضافت “نتعلم من أجل المستقبل ولكن إذا لم تضع الحكومة التغير المناخي كأولوية، لن يكون لنا أي مستقبل”.

وفي العاصمة النيوزيلندية ولينغتون، قاد الطلاب احتجاجا صاخبا إلى البرلمان، حيث دعوا الساسة إلى بذل مزيد من الجهود لضمان مستقبلهم. كما خرجت احتجاجات مماثلة في أكثر من 20 مدينة وبلدة أخرى في أنحاء البلاد.

وقالت صوفي هاندفورد، منسقة “إضراب المدارس الوطنية من أجل المناخ” لصحيفة نيوزيلاند هيرالد، إن الطلاب يريدون أن تعلن الحكومة عن حالة طوارئ مناخية.

تقدّم أنصار البيئة

ساهمت هذه التحركات الشبابية، في تقدّم أنصار البيئة في الانتخابات الأوروبية التي جرت الأحد، فالخضر الفرنسيون أصبحوا بعد هذه الانتخابات ثالث قوة سياسية في البلاد. أما في ألمانيا فإن حزب الخضر فاز في المرتبة الثانية بحصوله على 20.7 بالمئة من أصوات الناخبين.

من جانبهم، تمكن دعاة حماية البيئة (الخضر) البريطانيين من التقدّم على المحافظين بحصولهم على 12.1 بالمئة من الأصوات وهو ضعف ما حققوه في 2014.

وفي السنوات الأخيرة تعدّدت فعلا مشاكل تلوث هواء المدن وتوالت الأزمات الغذائية التي اتضح من خلالها أن التلاعب بسلامة الأغذية التي يتناولها الأوروبيون ظاهرة تتكرر، وأنّ التشريعات الأوروبية التي يساهم في بلورة نصوصها نواب البرلمان الأوروبي لا تُطَبَّقُ كما يجب.

ولوحظ أيضا خلال العقود الأخيرة إقبال الشباب بشكل خاص أكثر فأكثر على التصويت في الانتخابات البرلمانية الأوروبية واستحقاقات انتخابية أخرى للأحزاب الخضراء في دول الاتحاد الأوروبي، لأنهم لا يجدون أنفسهم في تناغم مع أحزاب اليمين واليسار التقليديين، والتي حكمت في أوروبا طوال العقود الأربعة الماضية، وكانت تعتبر القضايا البيئية مجرد شعارات تحمل خلال الحملات الانتخابية أو أنها قضايا ثانوية جدا.

وأصبح الشباب يدركون أهمية الدراسات والتقارير العلمية اليومية الصادرة في العالم، والتي تخلص كلها إلى أن أهم تَحَدٍّ مطروح اليوم في العالم كله هو المرتبط بأثر القضايا البيئية، ومنها التغير المناخي على حياة الناس اليومية. وما يدعم إلى حد كبير هذا الإدراك أن الشباب يتلمسون يوميا انعكاسات التغيّر المناخي السلبية على الكرة الأرضية.

في المقابل يبقى نشاط الشباب المدافعين عن البيئة في إطار ضيق ضمن مجموعات صغيرة أو حتى جهود فردية في دول مختلفة، وعلى سبيل المثال يحاول عدد من الشباب في كردستان العراق وبإمكانيات محدودة الفوز بحرب حماية البيئة والمياه.

ويتفرغ نبيل موسى للعمل مع نشطاء آخرين لضمان عدم انقطاع المياه العذبة عن الإنسانية، ويستخدم مع أصدقائه طرقا مختلفة ومثيرة من إقامة النشاطات والمراسيم السائدة لعرض المخاطر التي تواجه البيئة في كردستان.

المراهقة السويدية غريتا تونبرغ أصبحت مصدر إلهام للطلاب في أنحاء العالم لمواجهة التغير المناخي والتظاهر تحت هاشتاغ "الجمعة من أجل المستقبل"
المراهقة السويدية غريتا تونبرغ أصبحت مصدر إلهام للطلاب في أنحاء العالم لمواجهة التغير المناخي والتظاهر تحت هاشتاغ "الجمعة من أجل المستقبل"

وقال موسى وهو عضو في منظمة حماة المياه الدولية ومقرها في مدينة نيويورك الأميركية إنه العضو الوحيد في المنظمة الذي ينتمي إلى الشرق الأوسط ويقوم مع ثلاثة آخرين من أصدقائه برسم لوحات توعية حول حماية البيئة على الجدران في كردستان العراق، كما يركّبون الكرات كعيون للأشجار ويوزعون سلال النفايات في المتنزهات وينظفون الجداول والأنهار من المخلفات والأوساخ.

وركز نبيل بعد عودته من أوروبا بعد عام 2011 جهوده لمنع المخاطر التي تواجه البيئة في إقليم كردستان والتي يصفها بـ”مأساة”، وفي تصريح لموقع ”نقاش” نقل ملاحظاته للوضع في الإقليم قائلا، “حتى هجرة الأسماك غير مسموح بها في كردستان وتمنع عن طريق السدود، كذلك المياه الملوثة التي تتم تصفيتها في جميع أنحاء العالم، لكن في كردستان تحتوي على كميات من المواد الثقيلة لا تستطيع عدة مصافٍ تنظيفها، وإذا استمر هذا الأمر فإنّ الأرض في كردستان ستفقد خصوبتها هي الأخرى”.

ويعتبر نبيل آلات غسيل الرمل والحصى المبنية على الأنهار وكذلك السدود ومياه المجاري ومصافي النفط من المشكلات الرئيسية التي تواجه طبيعة إقليم كردستان أيضا، وقد خصّصت المجموعة التي ينتمي إليها نبيل عشر دقائق في اجتماعها السنوي للحديث عن بيئة إقليم كردستان والعراق.

ومع أن نبيل ليس معه سوى ثلاثة شبان يشاركونه في أعماله باستمرار إلا أنه مسرور بظهور شبان يعملون في حماية البيئة، وسفين محمد هو أحد المتطوّعين الدائمين والذي يعتبر حماية البيئة مهمته، وهو مستاء من القصور في عمل المنظمات وحكومة الإقليم في مجال حماية البيئة.

وأفاد محمد أن “هناك أعدادا كبيرة من المنظمات المدافعة عن البيئة، وهي تتحدث عن تلوث البيئة ولكنها تطبع بوستراتها على المواد البلاستيكية التي ترمى في ما بعد أو تتحدث عن خطورة الأكياس البلاستيكية، ولكنها تستخدمها في الوقت ذاته”.

مأساة بيئية

وأشار نبيل موسى إلى أن قصص أيام طفولته دفعته إلى الانخراط في عمله هذا وقال “عند طفولتي كان منزلنا يقع في حي معمل السكر في السليمانية قرب نهر قلياسان، الذي كان يضم العديد من الطيور والحيوانات وكنتُ اصطاد الأسماك وأسبح فيه وقد هاجرت إلى الخارج عام 1986 وحتى في أوروبا كنت ما أزال أحلم بنهر قلياسان”.

وأضاف “فوجئت بالمأساة عند عودتي فقد قطعت الأشجار وفرزت الأراضي وكأن المنطقة قصفت بسلاح كيمياوي، عندما رأيت ذلك تلاشت أحلام طفولتي جميعها”.

وتأتي جهود نبيل وأصدقائه التطوعية في وقت تفيد متابعات هيئة حماية وإصلاح البيئة في كردستان العراق، بأنه من غير المستبعد أن تواجه كردستان أزمة مياه بعد عام 2025 ولاسيما إذا تم تنفيذ السدود في البلدان المجاورة على موارد كردستان المائية.

وقال لقمان شيرواني المتحدث باسم هيئة حماية وإصلاح البيئة في إقليم كردستان إن “معظم المعامل ومصانع الرمل والصرف الصحى لا تلتزم بالمبادئ والتعليمات البيئية وهي تؤثر كثيرا على تشويه البيئة والأنهار والجداول وتقليل الخضرة”.

وأضاف أن “المصافي غير القانونية هي الأخرى تؤثر على البيئة حيث لم تخضع معظم المصافي للفحص البيئي كما أن مواقعها غير ملائمة”.

وتقوم هيئة حماية وإصلاح البيئة في كردستان من حين لآخر بتحذير المواطنين من مخاطر تلوث البيئة عن طريق الأوساط التعليمية والقنوات الإعلامية وإقامة الندوات، لكن على أرض الواقع لا يشهد الوضع تحسّنا ملموسا أو يوحي بتغيّر الأوضاع على المدى القريب.

لكن من المؤكد أن ملف البيئة أصبح يشغل الشباب قبل الكبار، مع ملاحظة حجم التغيرات الكبيرة في الخارطة البيئية وتأثر الطقس بها، وبات الشباب حريصين على توعية المجتمع بهذا الشأن، والالتحاق بالتخصصات الأكاديمية المعنية، وإجراء البحوث والدراسات التي تعالج المشكلات البيئية ووضع الحلول والتوصيات وعرضها على الجهات المعنية، وذلك بهدف الحفاظ على العالم الذي سيعيشون فيه، وضمان مستقبل بيئي أفضل لهم، وللأجيال اللاحقة، ولإيمانهم بدور الشباب الحقيقي والملموس في الحفاظ على البيئة.

19