حل المعادلة الصفرية.. مدرسة التلقين في مواجهة تطور تكنولوجي هائل

لندن - وضع فيشال سيكا المدير التنفيذي لشركة أنفوسيس الألمانية تصورا عن مستقبل التعليم في ظل تصاعد وتيرة التطور التكنولوجي وكيفية حسن إدارة المؤسسات التعليمية. وكتب سيكا في مقال تحليلي في موقع “وورد إيكونوميك فوروم” أن التقنيات الحديثة في مجال الذكاء الاصطناعي والشبكات العصبية العميقة وكذلك التعلم الآلي تتيح لنا الفرصة لإعادة تصور الإمكانات البشرية من أجل الإبداع والابتكار والإنتاجية.
وأوضح “أن المؤسسات البحثية والحكومية وحتى الشركات تعمل حاليا على استكشاف آفاق جديدة واسعة أمام قدرات الإنسان. ورغم التطور الذي شهدته الأنظمة التعليمية خلال العشر سنوات الأخيرة، بقدر فاق التوقعات، إلا أن العديد من المؤسسات التعليمية ما تزال تتشبث بنظم تعليمية مر عليها أكثر من 300 عام”.
وكشف سيكا أن الفصول الدراسية اليوم تعمل بنفس الطريقة التي سارت عليها المدارس قديما باعتماد الحفظ والتذكر وإثارة الفضول والتجربة، أي أنها تستخدم نظاما تعليميا قائما على التلقين والعمل على الوصول إلى الإجابة الصحيحة وتحصيل الحقيقة المطلقة، وأكد قائلا “اليوم نحن أمام حتمية الابتعاد عن النظم التعليمية القديمة، عبر السعي إلى التخلي عن التلقين والعمل على اكتشاف وسبر أغوار المجهول”.
وتناول سيكا بعض البحوث التي أجراها الخبير في التعليم، سوغاتا ميترا، وخبراء آخرون، والتي تبين أن مفهوم “التدفق” الذي عبر عنه ميهالي تشيكزانت ميهايلي، يرى أنه على الفرد أن يجد المساحة التعليمية المناسبة له، وأن يقوم بتجاربه الخاصة ويتعرف على خبراته المميزة التي تمكنه من دخول الكليات التي تطلب مستوى عاليا من المهارة والتحدي على المستوى الفردي”. ويرى أن “بلوغ هذا التوازن يمكن الفرد من امتلاك إمكانيات لا محدودة”.
الانطلاق نحو تعليم فعال يتطلب تغيير السياسات العامة على جميع المستويات، حتى يتم السماح للأنظمة التعليمية بمواكبة التطورات التكنولوجية
ويشير سيكا إلى رؤيته الخاصة للعقل البشري الذي يعتبره تكنولوجيا بدائية، يقوم على ما يسمى “الابتكار التخريبي” أي أنه يعمل على تدمير ما سبقه عن طريق إدخال تحسينات أو إحلال قيم تغير مما كان قائما قبله لكن هذا لا ينفي على العقل أنه يمكن البشرية من “التحليل والفهم والتقييم، كما يتيح للإنسان فرصة التواصل والتعاطف والتعاون مع الآخرين، والتخيل والحلم والإبداع وخلق ما هو جديد”.
واستنتج فيشال سيكا أن نقطة الانطلاق نحو تعليم مستقبلي فعال تتطلب تغيير السياسات العامة على جميع المستويات، المحلية والدولية، حتى يتم السماح للأنظمة التعليمية بمواكبة التطورات التكنولوجية.
وأظهرت دراسة استقصائية أجرتها مؤخرا مؤسسة إنفوسيس، وهي شركة هندية متعددة الجنسيات تقدم استشارات في مجالات متنوعة منها تكنولوجيا المعلومات، أن من بين كل 9 آلاف شخص تتراوح أعمارهم بين 16 و82 سنة على مستوى العالم، يعتقد 40 في المئة منهم أن الذكاء الاصطناعي يمكنه أن يعوضهم في وظائفهم خلال العشر سنوات القادمة.
التعليم يمتلك الفرصة المتفردة للتغيير التي تتمثل في قدرة البشر على التعلم وتطبيق الأفكار الخلاقة لحل المشكلات
كما أن حوالي نصف السكان في الدول الغربية يؤمنون بأن تعليمهم الذي تلقوه فشل في إعدادهم بشكل يتناسب مع توقعاتهم لحياتهم المهنية، وقال حوالي 80 في المئة إنهم اضطروا إلى تعلم مهارات جديدة لم يتلقوها في المدرسة. وعقب سيكا أن الواقع الجديد الذي فرضه التطور التكنولوجي السريع يتطلب تعليما مستمرا، وقال “يجب على أنظمتنا التعليمية أن تعلم الطلاب مهارة التعلّم والقدرة على التعلّم، لا القدرة على الحفظ والتذكر”.
كما أفاد بأن صديقه نيكولاس نيجروبونتي الذي يعمل في معمل الإعلام بمعهد التكنولوجيا بماساتشوستس أسس منظمة “كمبيوتر محمول لكل طفل”، والتي تهدف إلى توفير أجهزة كمبيوتر محمولة للأطفال في البلدان النامية، من أجل أن تتاح لهم الفرصة لأن يتعاملوا مع التقنيات الحديثة، و”حينها يبرز من بينهم القادة والرواد كما يظهر فضول الأطفال واستعدادهم لتبادل الأفكار الجديدة، وكذلك الحلول”.
وأوضح أن تعرّف الطلاب على التكنولوجيا في سن مبكرة يمكن أن يؤدي إلى القضاء على خوفهم منها ويشجعهم على خوض “حوارات أكثر انفتاحا وشمولية حول كيفية إيجاد إجابات عن الأسئلة المفتوحة بشأن المشكلات العظيمة في عصرنا”.
وشدد على أن السعي إلى إنشاء أنظمة تعليمية جديدة ناجحة وفعَّالة، يتطلب إعادة النظر في المناهج على غرار مبادرة شركة “أوبن أي.إيه،” (شركة أبحاث غير ربحية في مجال الذكاء الاصطناعي) التي تسعى من خلالها لاستقطاب الذكاء الرقمي، وتوسيع نطاق الإرادة الإنسانية، وتضخيم القدرات، ولن يتحقق ذلك إلا من خلال الانطلاق في بحث مفتوح في النظام البيئي الإيكولوجي بطريقة راديكالية وغير ربحية.
ويخلص سيكا إلى أن التعليم وحده هو الذي يمتلك الفرصة المتفردة للتغيير التي تتمثل في قدرة البشر على التعلّم، وشحذ العقول وتطبيق الأفكار الخلاقة لحل المشكلات الجديدة، بالإضافة إلى القدرة على التكيف مع التحولات التكنولوجية المستقبلية، بل والتغلب عليها وتجاوزها.