حلويات العيد عبء إضافي على العائلات في سوريا

سوريات يفضلن صناعة المعمول والكرابيج غير المكلفة.
الثلاثاء 2025/03/25
حلويات الميسورين

تظل الحلويات جزءًا من تقاليد العيد في سوريا، ولكن مع التحديات الاقتصادية الحالية، بات الحصول عليها رفاهية لا يمكن للكثير من الأسر تحملها، رغم انخفاض أسعار بعض أنواعها. فارتفاع تكاليف الحياة وتدني القدرة الشرائية جعلا العديد من العائلات تتخلى عن هذه العادة الرمزية التي كانت تُعد جزءًا أساسيًا من الاحتفال بالعيد.

دمشق - تشهد الأسواق السورية منذ بداية شهر رمضان موجة من الغلاء مع ارتفاع تكاليف الحياة وضعف القدرة الشرائية، مما جعل شراء حلويات العيد أمرًا شبه مستحيل بالنسبة للعديد من الأسر التي تجد نفسها مجبرة على التعامل مع واقع مرير. وفي حين أن بعض أسعار الحلويات قد انخفضت بنحو 50 في المئة مقارنة بالعام الماضي، إلا أن هذا الانخفاض يبقى غير كافٍ لمواكبة ضعف القدرة الشرائية لدى معظم المواطنين السوريين.

جالت وكالة “سانا” في حي الميدان الذي يضم سوق الجزماتية، وهو من أشهر الأسواق بتحضير الحلويات الرمضانية في دمشق، والذي يقصده الناس من جميع المناطق كونه يعكس أجواء وتفاصيل الشهر الكريم. ووفقًا لما عبّر عنه بدر ياسين حيدر، فإن الكثير من قاصدي السوق غيروا أنماط استهلاكهم بشكل يناسب القوة الشرائية المتوافرة لديهم، لكن ما زال السوق يعج بالباحثين عن الحلويات والمأكولات الرمضانية قبل موعد الإفطار.

ويضم سوق الجزماتية وفقًا لحيدر جميع المأكولات والحلويات الدمشقية الشهيرة، مثل النمورة، القطايف، النهش، الغريبة، والمبرومة بالفستق الحلبي، وهي جزء من الطقوس التراثية الرمضانية.

ويتفنن باعة الحلويات في الأسواق بعرض بضائعهم والمناداة عليها كتقليد راسخ في الشهر المبارك، حتى في ظل الظروف الصعبة التي يفرضها الظرف الاقتصادي على السوريين.

العيد لا يغيب عن السوريين
العيد لا يغيب عن السوريين

ومع استمرار تدهور القدرة الشرائية للسوريين، اختار بعض التجار إنتاج حلويات ذات جودة أقل بأسعار منخفضة، استجابة لضعف الإقبال على الحلويات التقليدية ذات الجودة العالية. وقال عبدالمجيد زيدان، صاحب أحد محلات الحلويات في حماة، إنه يقوم بتصنيع عدة أصناف من الحلويات

التي كان يتم تصنيعها منزليًا مثل المعمول، والكرابيج، وذلك لوجود طلب عليها مقابل الحلويات الفاخرة غالية الثمن.

قال حسين داوود، صاحب محل لبيع الحلويات في الجزماتية، إن معظم الحلويات التي كان يطلبها الناس بمناسبة العيد هي من الأنواع الشهيرة التي تُصنع من الطحين والسكر والقطر والفستق الحلبي أو الجوز والسمنة البلدية أو العربية وأحيانًا النباتية.

ومن هذه الأنواع والأشكال والمذاقات، المبرومة، الشرحات، البقلاوة، البلورية، كول وشكور، الوربات بالفستق الحلبي، القشطة، وزنود الست، إسوارة الست، والأصابع، لافتًا إلى أنها جميعًا تسميات محلية.

وقال خالد مصطفى، أحد أصحاب الدخل المحدود، إنه عاجز عن توفير تكاليف الحلويات. وأضاف أن متوسط راتب الموظف في سوريا لا يتجاوز 300 إلى 400 ألف ليرة سورية، وهو ما لا يكفي إلا لتأمين بعض الاحتياجات الأساسية للعائلة، مما يضطرهم إلى التقليل من تكاليف الحلويات أو الاستغناء عنها. وقال خالد مصطفى، “أسعار الحلويات في هذا العام تتراوح بين 70 إلى 100 ألف ليرة للكيلو غرام الواحد حسب النوع، وهو ما يجعل العديد من الأسر تعجز عن شراء الكميات التي كان يتم شراؤها في السابق.”

وتحدث عن تأثير الأزمة المالية على حركة الشراء، مؤكدًا أن هذه الأوضاع أثرت بشكل كبير على استعدادات العائلات لاستقبال عيد الفطر، حيث إن تكلفة تجهيز العيد للأطفال من ملابس وحلويات وغيرها تتطلب حوالي 5 ملايين ليرة سورية، وهو مبلغ لا يتوفر عند غالبية الأسر السورية التي تعاني من ظروف معيشية قاسية.

 مع ارتفاع أسعار الحلويات الجاهزة، لجأت العديد من العائلات إلى إعداد الحلويات التقليدية المنزلية كبديل. وعادت هذه الحلويات لتكون جزءًا أساسيًا من موائد العيد

والضيافة، مصحوبة بفرحة اللحظات التي يتشارك فيها أفراد الأسرة في تحضيرها.

بعض النساء يفضلن شراء الحلويات الجاهزة بسبب قلة الخبرة أو لضيق الوقت والانشغال بالحياة اليومية، وخاصة الموظفات
بعض النساء يفضلن شراء الحلويات الجاهزة بسبب قلة الخبرة أو لضيق الوقت والانشغال بالحياة اليومية، وخاصة الموظفات

وأشارت روميندا عرب، ربة منزل، إلى المتعة التي ترافق مراحل تحضير الحلويات في جو من الفرح، حيث يتعاون أفراد الأسرة في العجن والتقطيع والتشكيل والخبز، ثم ترتيب الحلويات في علب خاصة.

استطلعت وكالة الأنباء السورية (سانا) آراء عدد من المواطنين حول سبب تحضيرهم الحلويات في المنزل رغم توفرها في المحلات التجارية. وقالت أم سمير: “إعداد الحلويات في المنزل هو تقليد ورثته عن أمي، وأنا أمارسه منذ أكثر من 25 عامًا ولا يمكنني التخلي عنه، لأن الحلويات المنزلية أطيب طعمًا وأنظف من تلك التي تُصنع في المحلات التي تركز على الربح دون الاهتمام بالجودة.”

من جهتها، أكدت أم سلمان أن الارتفاع الكبير في أسعار الحلويات الجاهزة دفع العديد من ربات المنازل إلى تحضير الحلويات في المنزل لأنها أقل تكلفة، بالإضافة إلى أن بعض الأصناف التي تظل جزءًا من التراث الشعبي لا تصنعها المحلات التجارية، وتقتصر على البيوت. كما أشارت إلى أن بعض النساء يفضلن شراء الحلويات الجاهزة بسبب قلة الخبرة أو لضيق الوقت والانشغال بالحياة اليومية، وخاصة الموظفات.

بحسب السيدة أم أيمن، فإن مشاركة أفراد الأسرة والجيران في تحضير الحلويات، خاصة الأقراص والمعمول، تضيف سعادة وبهجة للعيد، حيث يشارك الجميع في إعداد هذه الأنواع. في حين اعتبرت منى العلي أن إعداد الحلويات المنزلية أكثر انتشارًا في الريف مقارنة بالمدينة، التي تحتوي على العديد من المحلات التجارية التي تلبي حاجة الجميع.

وقد بدأت بعض السيدات في تحويل مهارتهن في تحضير الحلويات إلى مشروعات صغيرة خلال موسم العيد، مثل سوسن وردة التي بدأت تصنع الحلويات في المنزل وتبيعها بعد أن شجعها الجيران والأصدقاء على هذا المشروع. وأصبح هذا العمل مصدر دخل إضافي لأسرتهن ويسد جزءًا من احتياجاتها اليومية. وأوضحت سوسن أنها تستخدم أدوات مطبخها الخاص وتعمل حسب الطلب، مع حرصها على تسليم الحلويات في نفس اليوم.

أما السيدة أمثال عباس، التي حولت صناعة الحلويات المنزلية إلى مشروع صغير، فقالت إن هذا العمل يحقق لها ربحًا جيدًا، حيث تتلقى طلبات الزبائن عبر صفحتها الشخصية على فيسبوك وكذلك من خلال الصفحة الخاصة بالعمل التي أنشأتها لهذا الغرض.

16