حلم البشرية للتواصل مع الآلة أصبح في متناول العلماء

زيادة قدرات الدماغ تتيح تجنّب طغيان الذكاء الاصطناعي.
الجمعة 2023/08/25
الغرسات الدماغية أمام نقطة تحول

خطوة أخرى تمهد الطريق لتواصل البشر مع الآلة بمجرد التفكير فقط، الحلم حقيقة، وهو ما أثبتته مختلف التجارب، لكن “نقطة التحول” تكمن في وضعه موضع التنفيذ وإتاحته على نطاق واسع.

سان فرانسيسكو  (الولايات المتحدة) - أثبتت مختبرات وشركات عدة أن التحكم ببرامج الكمبيوتر ممكن بواسطة التفكير بفضل غرسات في الدماغ، وأن العكس صحيح أيضاً، إذ يمكن تحفيز الدماغ ممّا يُحدث استجابة جسدية.

وكان أحدث الإنجازات في هذا المجال قد سجّل في لوزان في نهاية مايو الماضي، عندما تمكُّن شخص مُصاب بشلل نصفي في فقرات من رقبته للمرة الأولى من استعادة السيطرة طبيعياً على المشي من خلال التفكير، وذلك بفضل دمج تقنيتين تعيدان الاتصال بين الدماغ والحبل الشوكي.

مايكل بلات: الدماغ البشري لا يستسيغ وضع أشياء فيه
مايكل بلات: الدماغ البشري لا يستسيغ وضع أشياء فيه

وفي مايو أيضاً، طوّر علماء أميركيون وحدة فك ترميز تتيح، من خلال تصوير الدماغ والذكاء الاصطناعي، ترجمة أفكار الشخص إلى لغة من دون التحدث، بعد تدريب الدماغ من خلال تمضية ساعات

طويلة في جهاز التصوير بالرنين المغناطيسي.

وتركّز أبحاث التواصل بين الدماغ والآلات في الوقت الراهن على المصابين بالشلل. ويتم اختبار الأجهزة في الغالب ضمن بيئة طبية، مع أن بعضها بات يُستخدم أكثر فأكثر.

ويقول أستاذ علم الأعصاب في جامعة بنسلفانيا مايكل بلات “نستخدم غرسات يوتا أراي (من شركة بلاك روك) في المختبرات، وهي تعمل. أعرف أشخاصاً يستخدمونها للتحكم بكراسيهم المتحركة”.

لكنّه ينبّه إلى أن “الدماغ لا يستسيغ وضع أشياء فيه، لذا فإن جهاز المناعة يهاجم هذه الأجهزة (..) وبمرور الوقت تنخفض جودة الإشارة مما يتسبب بفقدان معلومات”.

وكلما كانت الغرسات أقرب إلى الخلايا العصبية زادت دقة الإشارة وكانت أغنى، لكنّ زرعها في مواقع كهذه يتطلب عمليات جراحية معقدة، وتكون مُكلِفة ومُرهِقة ويقل احتمال استمرارها على المدى الطويل.

وتعوّل شركة “سينكرون” الأميركية على دعامة يتم إدخالها في الدماغ عبر الوريد الوداجي بعملية جراحية باتت مألوفة في عمليات القلب، ولا تستدعي فتح الجمجمة.

وبمجرد وضعها في مكانها تتيح “الدعامة” للمريض استخدام تطبيقات المراسلة أو تصفح الإنترنت من دون استخدام اليدين أو الصوت، من خلال النقر بواسطة الفكر فحسب.

ويوضّح الشريك المؤسس لشركة “سينكرون” توم أوكسلي أن الغرسات الدماغية للتحكم بالأجهزة بلغت “نقطة تحول” في الوقت الراهن. ويشرح أن التركيز في المرحلة السابقة كان على ما يمكن أن تحققه هذه التقنية، أما الآن “فالهدف هو جعل العملية قابلة للتكرار وبسيطة وفي متناول عدد كبير من الناس”.

75

مليون دولار جمعتها "سينكرون" بدعم خاص من جيف بيزوس وبيل غيتس في فبراير الماضي

وحصلت “سينكرون” عام 2021 على موافقة من السلطات الصحية الأميركية لإجراء تجارب سريرية. وزرعت دعامات من هذا النوع للعشرات من المرضى الذين يعانون مرض “شاركو” (شلل العضلات التدريجي).

ويقول الدكتور ديفيد بوترينو من مستشفى ماونت سيناي في نيويورك “كان الهدف هو التحقق من إمكان تسجيل نشاط الدماغ ومن أن لا آثار ضارة لذلك، حتى بعد عام”.

ويؤكد أن هذه المهمة أنجزت، وبالتالي حصل المرضى على مكسب ثمين هو الاستقلالية مع أن “طباعة” رسالة أمر مرهق ويستغرق وقتاً طويلاً.

وبدعم خاص من جيف بيزوس (أمازون) وبيل غيتس، جمعت “سينكرون” 75 مليون دولار في فبراير الماضي.

وتأمل شركة “نيورالينك” التي أطلقها الملياردير إيلون ماسك في العام 2016 في تمكين المصابين بالشلل من المشي مجدداً، وفي إعادة البصر إلى المكفوفين، وتطمح حتى إلى علاج الأمراض النفسية مثل الاكتئاب.

ومن الممكن أيضاً للمرء أن يبيع غرسته لمن يحلم ببساطة بأن يكون “سايبورغ”، أي كائناً نصف بشري ونصف آلي.

ويرى ماسك أن زيادة الإنسان لقدرات دماغه على هذا النحو ستتيح للبشرية تجنّب طغيان الذكاء الاصطناعي عليها وهو ما يُعتبر “تهديداً وجودياً”. وكذلك أشار إلى إمكان حفظ الإنسان لذكرياته على الإنترنت وتحميلها إلى جسم آخر أو روبوت.

ولا يستبعد رئيس “تسلا” و”إكس” أيضًا “التخاطر التوافقي” بين البشر لتبادل “أفكارهم الحقيقية” في حالتها الخام، من دون المرور بمصفاة الكلمات.

وتلقت الشركة الناشئة في مايو الماضي من إدارة الأغذية والعقاقير (الجهة المسؤولة عن القطاع الصحي في الولايات المتحدة) الإذن باختبار غرسات دماغية على البشر، وجمعت 280 مليون دولار للاستثمار في هذا المجال.

ويتولى روبوت إجراء عملية جراحية لزرع هذه الغرسة في الدماغ، وهي بحجم قطعة نقود معدنية.

وحتى اليوم، اختُبرت هذه الغرسات على حيوانات فحسب وخصوصاً على قردة تعلمت كيفية “اللعب” بلعبة الفيديو “بونغ” من دون عصا تحكم أو لوحة مفاتيح.

وهذه التجربة مماثلة لتجارب عدة أخرى، كتلك التي أجريت عام 1969، عندما تولى الباحث الأميركي إيبرهارد فيتز تعليم قرد تحريك إبرة على عداد من طريق التفكير، بواسطة أداة تَواصُل بين الدماغ والجهاز.

12