حلبية تتحدى عقبات الطرقات والحياة

سورية تمتهن قيادة سيارة أجرة تتطلع لأن تصبح نموذجا يُحتذى في الكفاح والعزيمة.
السبت 2025/04/12
كفاح من أجل لقمة العيش

حلب (سوريا) - بعد أن فقدت زوجها في الحرب، قررت السيدة السورية الحلبية مريم فضول أن تعتمد على نفسها لكسب قوتها وإعالة أسرتها من خلال العمل سائقة سيارة أجرة، متطلعة لأن تصبح نموذجا يُحتذى في الكفاح والعزيمة.

مريم فضول، لديها ابنان وتبلغ من العمر 64 عاما، تمتهن قيادة سيارة أجرة في مدينة حلب (شمال سوريا)، التي تُعرف ببيئتها المحافظة، وتخوض غمار مهنة نادرا ما تجرؤ النساء على دخولها.

وفي شبابها، عملت فضول على تطوير مهاراتها في القيادة، عندما كانت تقود سيارة والدها خلسة، ثم حفظت طرقات حلب عن ظهر قلب، بعد أن اشترت مع زوجها سيارة صغيرة.

وفي عام 2012، تغيّرت حياة فضول تماما بعد أن فقدت زوجها خلال الحرب، إذ وجدت نفسها مضطرة إلى تولّي مسؤولية إعالة العائلة، فاختارت العمل سائقة أجرة.

فضول، الحلبية التي تنحدر من أصول أرمنية، تُعرف اليوم في حلب كواحدة من القلائل من النساء اللواتي يعملن في هذه المهنة التي أحبتها رغم كل المصاعب، وكسبت احترام وتقدير من حولها بفضل ابتسامتها الدائمة وروحها النشطة.

فضول، تعتبر أن مهنتها لا تقتصر على كونها مصدر رزق، بل تراها وسيلة لدفع النساء إلى اقتحام مجالات غير مألوفة

فضول، المرأة الشغوفة بالعمل والتي تحلم بأن تُدرّب نساء أخريات على هذه المهنة مستقبلاً، تعتبر أن مهنتها لا تقتصر على كونها مصدر رزق، بل تراها وسيلة لإلهام النساء ودفعهنّ إلى اقتحام مجالات غير مألوفة.

وفي حديث للأناضول، قالت فضول إنها بدأت العمل منذ طفولتها، حيث تعلّمت ركوب الدراجة النارية وقيادتها، كما اكتسبت مهارات الخياطة بمساعدة والدتها وشقيقاتها.

وأضافت أنها عملت لاحقا في مصنع للعطور، ثم بدأت ببيع مواد التجميل والمواد الغذائية على سيارة كانت قد اشترتها مع زوجها، ما زاد من معرفتها بأحياء حلب وكأنها جزء منها، قبل أن تنقلب حياتها رأسًا على عقب بعد فقدانها زوجها في الحرب عام 2012.

وقالت فضول إن المصنع الذي كانت تعمل فيه قد أُغلق، ما أدى إلى خروجها من سوق العمل، لكنها بدأت تعاني من مصاعب معيشية، فبدأت بالبحث عن وسيلة لإعالة أسرتها.

في تلك المرحلة، قررت أن تواجه الصعوبات، وتولّدت لديها فكرة خوض مهنة لم تكن شائعة بين النساء في سوريا، وهي قيادة سيارة الأجرة.

وذكرت أن شغفها بالسيارات كان دافعا قويا لها، ورغم انقسام الناس من حولها بين مشجّع ومعترض على كسرها للعادات، لم تلتفت للآراء السلبية، وواصلت العمل بسيارة “سوزوكي سيدان صفراء”.

خلال عملها، حفظت مريم كل زاوية وركن في مدينة حلب، وأصبحت تعتني بسيارتها بنفسها، من تغيير الزيت والماء، ولا تلجأ إلى الميكانيكي إلا عند سماع صوت غير طبيعي في المحرّك.

وترى مريم أن تجربتها في الحياة علمتها كيف تتعامل مع التحديات، وقالت: “لم أجد صعوبة أثناء العمل. أعرف كيف أتصرف، وأعرف كيف أتعامل مع الناس. أرغب في كسب رزقي بعرق الجبين“.

كما قالت مريم إنها باتت شخصية معروفة في مدينة حلب، مضيفة: “كل امرأة قادرة على العمل. قد يكون العمل صعبا، لكنه يجعل المرأة أكثر قوة في مجابهة صعوبات الحياة وتحدياتها“.

وأشارت مريم فضول إلى رغبتها في أن تكون مصدر إلهام للنساء في مجتمعها من خلال قصة حياة مليئة بالكدّ والشجاعة والمواظبة، وإيمانها بأن الإرادة تصنع المعجزات.

قصة حياة مليئة بالكدّ والشجاعة
قصة حياة مليئة بالكدّ والشجاعة

وختمت مريم فضول قائلة: “دعونا نعمل ما دمنا أحياء. أنا أحب العلم وكسب الرزق بعرق الجبين. لا أحب الاعتماد على أحد كمصدر للرزق. لقد ألفتُ العمل دائمًا وكسب رزقي بعرق الجبين“.

وكانت الحرب في سوريا، قد ألقت بثقلها ودمارها على البلاد، رجالاً ونساءً وأطفالاً، لكنها كانت أصعب على النساء.

وفي لحظة مصيرية، استطاعت المرأة السورية أن تحمل على كاهلِها أوجاعَ وآلام أمة بكاملها.

ومثلما كانت قاسية على مريم فضول كانت ثلاث سنوات من هذه الحرب قاسية أيضا “رهف الرفاعي” التي عاشت في مدينة حلب شمال غرب سوريا.

ورهف، أم لثلاثة أولاد، ومحاضرة مع زوجها بكلية الهندسة في جامعة حلب، كانت رهف تنتمي لطبقة اجتماعية تعتبر أعلى من المتوسطة. كانت تتمتع بالأمان الوظيفي وتحصل على مرتّب يسمح لها ببناء أحلام وطموحات لها ولعائلتها: “كانت أحلامنا أحلام، ولكن كان بالإمكان تحقيقها.“

كما في كل حرب، رفضت المرأة أن تستسلم للواقع الأليم. فأثبتت قوة ملحوظة وإن لم تكن على جبهات القتال. واستطاعت أن تحمل بشجاعة كل المهام التي ألقيت على كاهلِها. فكان لها الدور الأساسي في دعم عائلتها ومساعدتها على الصمود.

ويختلف هذا الدور باختلاف موقع المرأة وظروفها الاجتماعية. فمن خلال وظيفتها كمدرسة في الجامعة، استطاعت رهف الرفاعي مع زميلاتها أن تضعن حداً لأجواء الكراهية التي تفشت بين الطلاب المنقسمين بين معارض ومؤيد في وقت اشتد النزاع وأصبح الصراع في أوجه.

لا أحد يخرج من الحرب دون خسائر لكن المرأة هي أكثر من يشعر بمرارة الخسارة.

16